بقلم : مريم قرابطي
أسئلة عادية ومنطقية تحير الأسر المغربية مع مستهل شثنبر وتقض مضجعها في مستهل دخول مدرسي في ظل شرط تاريخي صحي وبائي غير عادي..
الكل اتفق على خطورة الوضع الوبائي بالمغرب جراء تخفيف شروط الحجر الصحي والذي واكبه ارتفاع صاروخي في عدد الحالات المصابة بكوفيد. ، الكل يجمع على ضرورة اتخاذ الحيطة والحذر ، الوصلات الإشهارية تدعو الى لزوم البيت وعدم مغادرته الا للضرورة القصوى ، عدد هام من الإدارات والمؤسسات العمومية باتت تقدم خدماتها لمرتفقيها عبر التطبيقات الإلكترونية اي ” عن بعد” ، النشرات الوبائية تحصي كل يوم العدد المتزايد للموتى جراء كوفيد.
وإذا كنا في مرحلة بداية الوباء في أجمل بلد في العالم نحسه بعيدا عنا يطال الآخر ولا يطالنا ، محصنين منه بقدرة قادر فبارتفاع منسوب الإصابات بثنا نستشعره قريبا منا يطال اقرباءنا اهالينا اصدقاءنا ورفاقنا …يقف على عتبات أبوابنا ، نحاربه بضراوة وشراسة محاربة المجهول اللامرئي الذي نجهل ادواته وإمكانياته وقدراته كاملة ولكم ان تتصوروا كيف ستكون المعركة.
أمام هذا الوضع الموبوء والمتشنج سمته الأساسية التوثر والإرتباك الذي طال الأسر المغربية منذ بداية الحجر الصحي و التجربة الفاشلة للتعليم عن بعد الذي لم يستحضر الإمكانات المتاحة أمام كل المغاربة على حد سواء، وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه المغاربة قرارا لوزارة التربية الوطنية يحسم الجدل و يأتي مكيفا والحالة الوبائية الخطيرة بالمغرب تمخض الجمل فانجب فأرا. إذ ان قرار أمزازي لم يزد الطين إلا بلة ولم يفد المغاربة في شيء سوى أنه زاد من حيرتهم وعمق من درجه تيههم بأن أعطاهم حرية الإختيار بين صيغتين : تعليم حضوري أو عن بعد كلاهما مر في هذه الظرفية. مستبعدا صيغة إرجاء الدخول المدرسي حتى استقرار الحالة الوبائية بالبلاد.
فقبل الخوض في نقاش الصيغتين لابد من الوقوف على ماهية القرار، بيد انه قرار احاذي استحضر كل شيء إلا الوضعية الصحية لأبناء المغاربة وهو قرار اسوجب ان يصدر مع متم شهر يوليوز ولكن كان يبحث عن السند والمرجع الذي يؤطره و ينير له الطريق و الذي لم يخرج عن نطاق خطاب 20 غشت 2020 الذي رسم خارطة طريق جديدة للتعامل مع فيروس كورونا ببلادنا معتبرا أن ” الدعم لا يمكن أن يكون إلى مالانهاية وأن الدولة أعطت أكثر مما لديها من الوسائل والإمكانات…” وهو تعبير صريح عن رفع الدولة يدها عن دعم الفئات العريضة التي تقبع تحت عتبة الفقر. فمنطوق النص ينم عن ترك الشعب ” يعوم بحرو ” وهو بذلك شكل مرجعا معتمدا لتوجهات السياسة العمومية للدولة في مجال التعليم. بيد أن قرار ترك اختيار نمط التعليم للأسر لم يكن قرارا ارتجاليا او قرار آخر ساعة كما حاول البعض توصيفه بل كان ينتظر بوصلة وتوجيها سياديا ساميا يبيح ذات التوجه والذي جاء صريحا واضحا لا مجال لاحتماله لأي تأويل آخر خارج أن الدولة غير مستعدة لدعم السواد الأعظم من فئاتها المتسمة بالفقر والهشاشة ليس كقدر محتوم على هذا الشعب البئيس بل تحصيل حاصل لسياسات النهب والتفقير الممنهج المتوالية عبر عقود من الزمن .
كما أن قرار أمزازي وإن كان قد وجد مرجعا له كما أسلفنا فهو يضم تحت طياته هاجس مراعاة مصالح قوى اقتصادية محددة تتمثل أساسا في القطاع الخاص في مجال التعليم وهو قوة لها وزنها الإقتصادي داخل التشكيلة الإجتماعية والإقتصادية المسيطرة ببلدنا الجميل حيث ضغط بشدة لتحصين السوق لا نتكلم هنا في حدود المدرسة الخاصة في بعدها المحدود جدا بل ندرجها كمقاولة ذات هدف ربحي بالأساس تشتغل بمنطق السوق في مجال اجتماعي بامتياز وقلما احترمت الحقوق الشغلية لمستخدميها . بل بلغت حد الضغط على الأسر من أجل اداء مستحقات تعليم عن بعد مرتجل خلال النصف الثاني من الموسم الدراسي المنصرم ووصلت حد تضييق الخناق على الأسر وعدم تمكينها من شواهد المغادرة في الوقت الذي جنحت فيه الى المدرسة العمومية بعد أن باتت معسرة وغير قادرة على الأداء وتحمل نفقات تعليم مؤدى عنه ، كما استجدى لوبي مقاولة التعليم الخصوصي إعفاءه من الضرائب بل وصل حد السعاية من صندوق الجائحة. لذا فقرار وزارة التربية الوطنية يصب في خانة المدرسة الخاصة بالأساس و هذه الإرتجالية الظاهرية تصب لا محالة في مصلحة مالين الشكارة في مجال التعليم أي مقاولات التعليم الخصوصي و ترمي الى جعل اولياء تلامذة التعليم الخصوصي يهرولون إلى أداء واجبات التسجيل السنوية والشهور الأولى من هذا الموسم والتأمين والحقيبة التربوية و و و …أي ملء صندوق التعليم الخصوصي بالأساس وبعدها ليس غريبا ان يخرج علينا وزير التربية الوطنية بقرار يحسم فيه صيغة التعليم عن بعد بعد ارتفاع نسبة الإصابات مجددا.
وبالرجوع إلى المدرسة العمومية المغربية في علاقتها بإنجاح الدخول المدرسي الحالي في عز الجائحة أتساءل ماذا أعدت وزارة التربية الوطنية من خلال بنياتها ومؤسساتها لضمان سلامة وصحة أطفالنا وتلامذتنا والأطر الإدارية والتربوية و حمايتهم من الوباء ، ألم تكن مدة سبعة أشهر من مارس إلى شثنبر2020 كافية لتأهيل فضاءات المدرسة العمومية ، والمقصود بالتأهيل في معرض حديثنا هذا ليس اختصاره في إسالة المداد في صياغة المذكرات والمراسلات والدعوة إليه بل تأهيل فعلي واقعي عملي يتأتى عبر رصد اعتمادات مالية تترجم برامج مواطنة للنهوض بفضاء المدرسة العمومية وجعلها قادرة على ضمان تعليم حضوري ذي جودة هذه الأخيرة كانت محط استنزاف متوالي من لوبيات التعليم بوطننا الحبيب.
إذن وإن كان إقرارنا بكون التعليم الحضوري بالمدرسة العمومية هو الأصل يحق لنا أن نتساءل عما هيئت الدولة للمتمدرسين الذين يتهافتون خارقين لشروط السلامة الصحية بأعداد غفيرة على إدارات المؤسسات التعليمية لملء استمارة التعليم الحضوري بعد أن بلغ عدد الراغبيين في هذه الصيغة للتعلم 80% كيف ستتدبر الأمر؟؟؟ هل ستكتفي بكمامة لكل تلميذ طيلة اليوم على شاكلة تدبير الإمتحان الوطني للباكالوريا؟ هل سيتولى حارس الأمن الخاص الذي يعمل في ظروف كارثية او المساعد التقني الذي تداخلت وتعددت مهامه مسؤولية قياس حرارة التلاميذ الوافدين علي المؤسسة على رأس كل حصة؟ ما الضمانات والإجراءات الوقائية والإحترازية التي ستكفلها الدولة للحيلولة دون انتشار العدوى بين المرتفقين والأطر الإدارية والتربوية ، كيف ستحول دون انتقال الوباء عبر الأوراق النقدية أثناء أداء رسوم التسجيل . ..
إن الوزارة باعتمادها تفويض القرار للأسر تكون قد وضعت نفسها في مأزق سيما مع تزايد الإقبال على الصيغة الحضورية خلال الأيام القليلة الماضية . كما أن رغبة هذه النسبة الكبيرة من الأسر في طلب التعليم الحضوري ليس يقينا أن الدولة قادرة على حماية فلذات كبدها بل تنفيسا عن كرب أصابها وإقرارا ضمنيا في عدم الإستعداد لخوض غمار التعليم عن بعد وفق النموذج الذي قدمته الوزارة خلال الموسم المنصرم خاصة إضافة إلى التحاق جل ارباب الأسر الذين كانوا يواكبون التعلم عن بعد مع ابنائهم بمقرات عملهم.إذن كيف سيدبرون تمدرس ابنائهم عن بعد من داخل مقرات عملهم. هذا دون إغفال الفئة العريضة من الأهالي الذين اختاروا هذه الصيغة نتيجة إعسارهم في توفير هواتف ولوحات ذكية لأبنائهم وعدم قدرتهم أمام بوادر الأزمة الإقتصادية الناتجة عن الجائحة توفير الربط بالأنترنيت أو صبيب يكفي لتتبع التعليم عن بعد ، ناهيك عن أطفال وتلامذة المغرب المنسي في أقاصي الجبال و المناطق النائية التي يستحيل فيها الربط بشبكة النت.
وإذا دلفنا إلى الشق الثاني من مساحة الإختيار التي جادت بها قريحة وزارتنا رأفة بأبناء الشعب المغربي والمتمثلة في “التعليم عن بعد” أتساءل كيف سيدبر الأستاذ جدول حصصه بين الصيغتين و ما الحقيبة الللوجيستيكية والرقمية التي وفرتها الوزارة لأداء هذه الخدمة؛ أم تراها ستعتمد التناوب على الموديم الممنوح للسادة المديرين من أجل ضمان خدمة التعليم عن بعد. ما موقف الشغيلة التعليمية من أطر إدارية وتربوية من هكذا قرارات تضعها أمام الأمر الواقع أمام قرارات لا مجال فيها للتداول القبلي مع الفرقاء الإجتماعيين المغيبين تماما في هذه العملية حيث استفردت الوزارة بالقرار بمنطق الداخلية. وهو المنطق الذي غيب التدبير الجهوي للأزمة وضرب عرض الحائط فلسفة الجهوية الموسعة إذ انه لا أحد في الوقت الراهن لا الأكاديميات الجهوية بشخصيتها المعنوية ولا المديريات الإقليمية ولا حتى رؤسات المؤسسات يملكون تصورا واضحا حول الوضع التعليمي بل أن الكرة هي في ملعب وزارة الصحة وبشكل اكثر تدقيقا وزارة الداخلية . كما أن الدولة وإن كانت قد قسمت مناطق المغرب بين المنطقة 1. و المنطقة 2. بناء على الحالة الوبائية لكل منطقة فقد كان الأجدر ان يأتي قرار امزازي ملائمنا لهذا التقسيم وليس قرارا على إطلاقيته قابل للتطبيق في المغرب برمته ضاربا عرض الحائط الخصوصية الوبائية و الصحية لكل جهة على حدة من حيث عدد الإصابات والوفايات ومعدل انتشار الفيروس و المؤهلات الإستشفائية من حيث البنيات والطواقم الطبيةبمل جهة ومنطقة.
ومما تجدر الإشارة اليه ايضا أن هجرة اعداد غفيرة من المتمدرسين من التعليم الخصوصي نحو التعليم العمومي ليس اختيارا واعيا او إعادة اعتبار للمدرسة العمومية ، بل يشكل خطوة استباقية لتدبير الأزمة الإقتصادية التي تلوح في الأفق والتي سارعت الدولة الى استشفافها عبر تخفيف ظروف الحجر الصحي في عز زيادة حالات الإصابة بفيروس كورونا في المغرب أجمل بلد في العاااااالم.