Laurence Faulkner sciboz
تشع العيون حينما تقع على لوحات الفنان التشكيلي فائق العبودي، ساحر الضوء والنور، يتلاعب بالألوان والرموز بحرفية عالية ليخلق لنا نوافذ مفتوحة على عوالم قديمة. فنان عاشق لحضارته وموروثه الميزوبوتامي (بلاد ما بين النهرين) يغترف منهما أفكارا للوحاته، وخاصة أشكال الخط والرموز المسمارية القديمة التي ظهرت منذ ملايين السنين في جنوب العراق..هذا الفنان سيعرفنا من خلال معرضه الجديد على لوحاته الأخاذة بألوانها المضيئة. فائق العبودي من أصل عراقي، يقيم في لوزان/سويسرا منذ عدة سنوات بدأ بعرض أعماله في مركز الفنون ببغداد سنة 1993.
بغداد التي يعتبرها بوتقة الأبداع الحقيقي, ومنذ ذلك الوقت وهو يشارك في عروض جماعية وفردية في أوروبا، الشرق الأوسط وكذلك اليابان، كوريا الجنوبية،الصين , الولايات المتحدة,فرنسا وايطاليا وهولندا والسويد, وبالطبع سويسرا بلد التبني. مجموعة كبيرة من أعماله أصبحت موروثا خاصا وجماعيا في شتى أنحاء العالم.
له جدارية كبيرة في مدينة فيريه التابعة لمدينة جنيف , عنوانها السلام.
قدم معرضين في بيت الفيلسوف الفرنسي فولتير, الذي يعتبر صرح ثقافي مهم في فرنسا.
درس فن الرسم في الجامعة العربية في شمال كندا، ودرس التصميم في سويسرا, عضو في عدة جمعيات ثقافية وفنية عربية وعالمية،عضو الرابطة العالمية للفنانيين المحترفين , لاسمه اليوم صبغة عالمية. وهو كثير الالتزامات، لكن رغم ذلك، بصوت هادئ وحميمي، يجيبك، وفي وقت متأخر، تكرم وقبل أن يجيب على استفهاماتنا .
لا يحب الكلام عن نفسه بل فقط عن لوحاته التي تستحضر في أشكالها عوالم قديمة ومنسية, ولادة الكتابة، نشأة الحضارات الإنسانية في الشرق الأوسط القديم. تقنية عمله الفني تكمن في وضع طبقات من ألوان الصباغة الزيتية والأكريلك، لتتراكم فوق الورق، الخشب أو القماش، فتخلق أشكالا متعاقبة تجزأ اللوحة لأقسام مختلفة, تطفو على سطحها رموز وأشكال تمتد إلى الزمن القديم.
يقول أحب أن أجرب عدة مواد وألوان حتى أحصل على النتيجة التي تخدم مشروعي الفني، ليست لدي مادة مفضلة على أخرى، لا تهمني الوسائل ما دامت الفكرة تفرض نفسها على اللوحة، فالمادة أيضا هي جزء من الفكرة وبالتالي تفرض أيضا شكلها وطريقة اشتغالها… من بين الرموز التجريدية للوحات فائق العبودي، الأشكال الهندسية، الوجوه البارزة، أشجار النخيل، طائر.. وإشارات من التاريخ القديم تشبه التي نجدها على الرقم والالواح الطينية القديمة..الألوان تتمازج مع الضوء…
لوحاتالعبودي تذكرنا بالحقول الملونة للانطباعي التجريدي
(Mark Rothko )
مجموعة من أعمال العبودي يستعمل فيها ألوانا غامقة وأكثر عضوية كالألوان الطينية والرمادية والتي تطرح فكرة الألواح القديمة للكتابة المسمارية. اللوحات كأنها قطع أثرية منقب عنها حديثا, وما زالت تحمل تراب وتأكل الزمن وتعاقبه.
كيف تترجم احاسيك على اللوحة ؟
أترجم أحاسيسي من خلال اختياري للألوان المستعملة وحبكة اللون وضربات الفرشاة، أوقات الرسم هي دائما لحظات صدق مع الذات، ووفاء لهويتي التاريخية وانتمائي لحضارة إنسانية عريقة…لوحاتي هي ترجمة لمجموعة من الاحاسيس والانفعالات معبرا فيها عن رحلتي مع الزمان والمكان. وجودي هنا في سويسرا ساهم في أغناء مخزوني الفني والثقافي وجعل اللون عندي يتطور ويتنوع….
صفاء الأصفر والبرتقالي، البنفسجي العميق والأخضر الفاقع , ألوان تتيح لنا فتحة للنور وكأنها قطع زجاجية متراكمة فوق نوافذ الكنائس القديمة أو المساجد…نوع من المقدس والروحانية نعيشه في أعمال العبودي، أحيانا نلمح رمزا لهلال أفقي وأحيانا يد فاطمة وأحيانا أخرى قبة وصومعة….رغم أن الأشكال مجردة، والدوائر تتقاطع بين الضوء والضباب، هناك إحساس قوي في لوحات هذا الفنان بشكل من أشكال الروحانية.
هل هنالك رسالة دينية في لوحاتك ؟
لوحاتي لا تحمل اي رسالة دينية مقصودة فالهلال الذي ذكرتي هو موروث من موروثات الحضارة العراقية. لكنني بالفعل أعيش دائما حالة خاصة وتوحد حينما ارسم. فلحظة الخلق عندي هي لحظة مقدسة اعيشها بهدوء وصفاء وسكينة تشبه لحظة الصلاة.
إطار اللوحة يفقد قياساته, الجوانب تتقطع والزوايا تختفي وتتمحور بكل حرية لتتحرر اللوحة من إطارها الكلاسيكي المتعارف عليه. وأحيانا أخرى الخشب نفسه يتمزق ويتكسر فتصبح اللوحة أشلاء متقطعة…نلمح بين ثناياها حروفا لخط قديم وكأنه لوح من ألواح بابل القديمة.
ماهي فكرة القديم والمعاصر في اعمالك ؟
أنا أحب حضارة بلدي وتاريخه، وافتخر بانتمائي لهذا الإرث الإنساني العظيم.
من خلال أعمالي، أحاول أن أخلق حورا بين القديم والمعاصر.
وفي كل لوحة ارسمها أجد مفتاحا لمشروع لوحة قادمة يتعاقب فيها الزمن بين القديم والحديث.
,تقودنا اعمال هذا الفنان لخلاصة القول, إذا كان فولتير قد اعتبر أن الكتابة هي صوت الكلام، فان فائق العبودي برسمه لحروف الكتابة القديمة أعطاها حقها في الصوت والكلام.