أوقفت أكثر من نصف الشركات المغربية نشاطها بسبب تداعيات كورونا، فحسب تقرير للمندوبية السامية للتخطيط، فما يقارب 142 ألف شركة، أي ما يعادل 57 في المائة من مجموع المقاولات، صرّحت بأنها أوقفت نشاطها بشكل مؤقت أو دائم، حيث إن أكثر من 135,000 مقاولة اضطرت إلى تعليق أنشطتها مؤقتاً، بينما أقفلت 6300 مقاولة بصفة نهائية. كل هذا من جراء التأثيرات السليبة والتداعيات التي بدأت تطل برأسها على المغرب بسبب مرض كورونا المستجد، هنا أصبح “مستقبل المقاولة المغربية ما بعد كورونا “، من الملفات والقضايا البالغة الأهمية، مطروح أجندتها للنقاش في الساحة السياسية المغربية، وعلى الفاعلين الرئيسيين، فزمن كورونا له تداعيات اقتصادية واجتماعية وسياسية، وجيواستراتيجية، لأنه حسب كل التوقعات أزمة كورونا معقدة وآثارها الكبيرة ستمس العديد من القطاعات الاقتصادية وستطرح أيضا العديد من التحديات و الإشكاليات. وهي التداعيات الاقتصادية التي حذرنا من خطورتها، لأنها أتت على الأخضر واليابس، فالشركات المغربية هي اليوم تطارد شبح وخطر الإفلاس، لكن في مقابل هذا هناك جملة من القرارات الهامة التي قام بها المغرب ليواجه بكل شجاعة و بقيادة وإرادة ملكية، تداعيات هذا الوباء في العديدة من المجالات ومنها المجال الاقتصادي، الذي له تأثيرات مباشرة على المقاولة المغربية في زمن مرض كوفيد 19.
لكن لا يمكن أن نرعى كل هذه القرارات ونحافظ على نجاعتها، إلا بتكريس ثقافة المقاولة التي تعتبر جد مهمة، لأن ما تعانيه اليوم وهي تواجه تداعيات كورونا، هو نقص في المواكبة والتواصل لإنجاح المبادرات الفردية بالرغم من مجهودات الدولة من خلال البرامج الوطنية لدعم المقاولة، ناهيك عن النظرة الاستشرافية، التي نحتاج فيها لوضع التصورات الجديدة بشكل واقعي ومنهجية.
فهذه التداعيات الخطيرة، لابد لها من خطة مستعجلة لإنعاش الاقتصاد الوطني، ترتكز على تسهيل الإجراءات على المقاولات، وكذا فتح طريق الأبناك من أجل تقديم التمويلات مع رفع القيود البيروقراطية خاصة في المسائل الإدارية، وهي الإجراءات التي ستؤدي إلى تحسين مناخ الأعمال شريطة انخراط الدولة والمجتمع المدني والمجالس المنتخبة على رأسها رؤساء الجماعات بالدعوة لتكافؤ الفرص في موضوع الصفقات العمومية للجميع.وهنا نرى ضرورة إحداث بنك إقتصادي واجتماعي لمساعدة المقاولات بغية إنطلاقة أمثل، لأن التعامل التجاري العالمي، يفرض على المغرب الانفتاح وقوته في انفتاحه، وتحديث بنيته التحتية التكنولوجية والدخول للثورة الصناعية الرابعة.
إن تشجيع المقاولات هو تحفيز لها على خلق فرص الشغل والحفاظ عليها، فأي مشروع المجتمعي، لما بعد كورونا، لن يستقيم، إلا بمدى امتلاكه تصورا واضحا للإنقاذ الاقتصادي، ويعتمد على المقاربة الاقتصادية والتنموية، بعيدا عن المقاربة الايديولوجية، والخطاب الشعبوي الذي لا ينتج حلولا ولا ينقذ البلاد من أزمتها القادمة لا قدر الله.
إن الواقع الصعب للمقاولات المغربية، يفرض على القائمين بانتاج النموذج التنموي الجديد، أن يأخذوا بعين الاعتبار هذه التداعيات، حتى يكون للمغرب السبق والريادة بالتركيز على الاقتصاد قبل السياسة، فالنماذج الدولية شاهدة على هذه الأولويات الإقتصادية، كما هو حال النموذج الالماني الرائد وكيف إنطلق من التوجه الاقتصادي إلى ما هو سياسي، ونموذج كوريا الجنوبية الذي اعتمد على التعليم والبحث العلمي…
فالنموذج التنموي كما أشرنا ينبغي أن يركز على الأمور الاقتصادية خدمة لما هو اجتماعي، وبالتالي الرفع من مؤشرات التنمية البشرية الذي يحتل فيها المغرب افريقيا مراتب غير مرضية، فنحن اليوم بحاجة إلى أفكار جديدة، وعقول كفاءات مغربية يكون همها الاساسي هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
إن هذه التأثيرات السلبية لكورونا على الاقتصاد المغربي، والتي مست الصناعة والخدمات تدفعنا بالضرورة، إلى العناية بقطاعات ذات أولوية راهنة مثل القطاع السياحي، فهو بات قطاعا استراتيجيا ويجب انقاذه بعد كورونا، باعتبار أن للمغرب هامشا للمناورة فيه بنسبة كبيرة، والعمل على ترقيته لكي يساهم مستقبلا أكثر في الاقتصاد الوطني، فخطورة المنافسة الغير العادلة والغير الشريفة خاصة من دول شمال حوض الابيض المتوسط، سيكون لها أثر غير إيجابي.
وتبعا لهذا وفي إطار التوجهات الاقتصادية الكبرى، لابد في اعتقادنا من القيام بحملة وطنية من أجل دعم السياحة المغربية، بأثمنة مناسبة، تروم تعبئة شاملة، ينخرط فيها الجميع من أجل دعم السياحة الداخلية التي تضررت جراء كورونا.
ولإنقاذ ما يمكن إنقاده ندعو وزارة السياحة في التفكير بمشاريع جديدة تعيد العجلة السياحية وتنقذها من الركود، وفي هذا الصدد، ندعو أيضا إلى إنشاء مشروع السياحة_الافتراضية الذي يعتمد على الزيارات الافتراضية للسياح وتقديم لهم خدمات في البوابة بالصور والصوت والتواصل المباشر مع السياح مع عرض أروقة افتراضية للصناعة التقليدية وذلك بأثمنة مشجعة وخصومات مستقبلا عند المجيء للمغرب، هذه البوابة مقسمة على جهات المملكة التي تمكن من انعاش الاقتصاد الوطني خاصة في هذه الفترة، فهي خطة جديدة ترتكز على دور الفن والثقافة والتنويع في العرض السياحي مستقبلا، مع ابراز دور المجالس المنتخبة في دعم السياحة ومختلف مجالاتها من نظافة للمدن والشواطئ وغيرها من الخدمات للرقي بهذا القطاع الهام. إن أي من السيناريوهات المحتملة للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تسبب فيها مرض كورونا، ينبغي أن تشدد على تشجيع المقاولات ورفع القيود التدبيرية. فمناخ للأعمال يجب ان يكون مساعدا لا معرقلا، ويعمل على جمع البروفايلات والكفاءات بدون حزازات أو توجهات يكون همها الإنقاذ واقتراح الحلول الناجعة.
من دون أن ننسى هنا ضرورة دعم، القطاع الغير المهيكل والذي ينبغي إعادة هيكلته وجعل كورونا فرصة لكي ننهض بأسس وقواعدجديدة تقيه من المشاكل الذي يعيشها الآن، وفي مقدمتها انخراط شامل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وغيرها من الاجراءات.
إن الوضع استثنائي الذي نمر منه جعل من المقاربة التي اعتمدها المغرب في مواجهة خطر كورونا كان ناجحا، بقيادة جلالة الملك، الذي يبقى له الفضل في دعم مستقبل زاهر للمقاولات، وهي رعاية ملكية تقتضي من الجميع ان يضع اليد في اليد بغية دعم الموقع الاقتصادي للمغرب والتي ستنعكس بالايجاب على هذه المقاولات المتضررة.