بقلم الاستاذ. نورالدين بوكراب، فاعل جمعوي
إن الظروف التي فرضتها جائحة كورونا، جعلت الجميع أمام تحدٍّ كبيرٍ على هذه الأرض، وبالخصوص العاملين في القطاع الفني والثقافي ؛ – رغم أنه أصبح يتضح جلياً أنّ للفنون دوراً أساسياً وفعّالاً في يوميات المجتمعات وأنّ للثقافة موقعا في صلبها .
منذ البداية أدرك الجميع أنّ هذا القطاع سيتضرّر بقوة بسبب غياب السياسات الثقافية التي تحفظ الحقوق والمساواة، إذ أنّ هذه اللحظة أظهرت هشاشة المنظومة التي تشمل بالثقافة و الفن كما عرت عمق اللامساواة المترسخة في واقعنا المعاش .
رغم أننا اعتقدنا أن هذه الجائحة ستشكل فرصة للتضامن والتعاون في القطاع الثقافي المستقلّ وبين الفنانين والفاعلين الثقافيين والجمهور خصوصا، و كل الأطراف الفاعلة في حين أن هذه الظرفية أبانت عن هشاشة البنى الثقافية المعتادة ، فكانت أول الضحايا على المستويين الرسمي و الشعبي، فمعظم النخب توارت عن الأنظار ( يبدو هذا التواري مفهوما لأن عنصر المفاجئة كان حاسما)، الأدهى كون هذه الظرفية شكلت فرصة سانحة استغلها المتربصون بالحقل الثقافي و الفني بل و حتى الرياضي و ذلك سواء بحقد دفين أو انتقاما من التنوير و الانفتاح ( و هنا لا بد من التنويه أننا لا ندافع عن التمييع الذي ننتقده قبل الجائحة و سنظل نقارعه بعدها لأننا ندافع عن الثقافة المسؤولة و الفن الهادف) رغم كوننا مع الحريات التي لا تمس هوية و جوهر المجتمع..
إذ شكل هؤلاء المترَبّصون بالفن و الثقافة جيوشا من الأتباع -بوعي او بدونه- لفرض آرائهم و حجرهم الفكري على الكل، مستفيدين من الإمكانيات الهائلة التي توفرها التكنولوجيا و وسائل التواصل الاجتماعي و هامش الحرية المتاح فيها، وما أضحى يمثله من فضاء لبث السموم و تصفية الحسابات…
و لكوننا في الجبهات الأمامية للمتضررين و المتأثرين من مخلفات هذه الجائحة نسجل ما يلي:
على المستوى الرسمي، نهيب بالمسؤولين أن إتخاذ القرارات يجب أن يكون مسبوقا بالضرورة بدراسة نتائجها قبل اتخاذها رغم ملحاحيتها و استعجاليتها، او على أقل تقدير الاستفادة من هذه التجربة للاستعداد لمثيلاتها بوضع خطط استباقية لتسييرٍ أنجع لمثل هذه المحن ليحد من تبعات مثل هكذا قرارات جزافية.
و على المسؤولين الجهويين و الإقليميين و المحليين التنسيق مع الفاعلين لتشكيل قوة اقتراحية كفيلة بالحد من الأثار المدمرة للقرارات الفوقية بل و لما لا؟ جعلها فرصة يكمن الاستفادة منها.
على المستوى العاملين في القطاع ، لاحظنا و بالملموس غياب التآزر و التضامن، بل و تمركز مفرط حول الذات بعيدة كل البعد عن التشابك الجامع لا ( التشبيك المصلحي الضيق) على مستوى المجتمعات الحاضنة للصناعات الثقافية و الفنية ( نحدد هنا : المسؤولين عن التنمية المحلية و الجهات المستفيدة منها: فنادق، مطاعم، وسائل نقل، دكاكين. إضافة الى العاملين مباشرة: فنانين، فاعلين، شركات طباعة و انارة و صوت، مؤلفين، و كافة المتدخلين من (متخصصي التواصل والعلاقات العامة و مصممي الغرافيك ، مهندسي الصوت و الإنارة،…
الحقيقة أن المجال الثقافي هو حقل للصناعة منسي، لكنه يختلف عن باقي الصناعات في أنه مجال صانع للقيم المجتمعية ومحرك لها قبل أن يكون مجالا للثروة، وكل مجال تذكر فيه الثروة يكون عرضة للانتهازيين وذوي المطامع، حتى وهم بعيدين كل البعد عن قيم الثقافة الحقة، إن ما ندعو إليه اليوم، هو بناء ركائز الثقافة على أسس متينة، والخروج بها من غرفة الانتظار إلى رحابة الصناعة بما تحمله الكلمة من معنى، من خلال اعتماد سياسة ثقافية شاملة، مستدامة، واضحة و ذات جدوى.
لكن هذا لن يتأتى من غير ما دعونا إليه سابقا من دراسة مسبقة لآثار القرارات المركزية، وتوحيد للجهود بين كل الفاعلين والمتدخلين في الشأن الثقافي إضافة إلى تقوية قدراتهم في المجال.
طموحنا هو أن نصل بثقافاتنا المحلية المتنوعة إلى أعلى قمم التأثير العالمي، خصوصا وأن ثقافات المغرب غنية وقادرة على الترويج لنفسها أمام ثقافات العالم، حتى في أحلك الظروف، كالتي نعيشها اليوم جائحة كورونا هي تمرين يجب أن نستفيد منه، وأن نحول الفعل الثقافي إلى فعل صلب قادر على الصمود والعطاء، ففي زمن كهذا، نحتاج القيم الثقافية أولا، كي نصحح بوصلة المجتمع حينما تميل، وبدون هذه البوصلة، فإن الطريق تيه لا نهاية له، فاغتنموا الفرصة وتعلموا من هذا الدرس يرحمكم الله.