عواطف الغالي
تكاد تجمع الآراء على أن قصيدة النثر العربية قد تأسست عام 1959 في مجلة شعر، وأن بيانا صدر حينها لأدونيس أطلق فيه الترجمة العربية (قصيدة النثر). وقد رسم مشروع قصيدة النثر بالموازاة مع بيان آخر في نفس السنة لأنسي الحاج أطلق فيه مقدمة (لن) أول كتاب شعري اعتمد أصول الشكل الشعري الجديد وجوهر التجربة الشعرية.
قد ظل الشعراء المؤسسون مهتمون بتبرير كتابة قصيدة النثر ونظرياتها، ومهتمون باختبار هذه التجربة تاريخيا ونظريا. وقد كان لأدونيس دور في تعريب النظرية، إلا أنه، وهو الأكثر اهتماما بالشأن النظري بسبب اهتماماته بالفكر والفلسفة؛ لم ينقطع إلى وضع نظرية عربية متكاملة للقصيدة الجديدة حسب رأي العديد من الآراء، والتي ترسأ على أن قصيدة النثر العربية بحاجة ماسة إلى نظرية، أو في حاجة إلى السؤال عن خصوصياتها بين قصائد النثر في العالم، أو في حاجة على الأقل لخلاصات نظرية.
وإذا كان لهذه القصيدة بعد تواصلي مع التراث العربي في التاريخ العربي، فإنها شكلت حلقة تاريخية مهة، وكان للمتصوفة تأثير على شعراء هذه القصيدة، من خلال التعبير عن طرق الفكر عن مجموعة من القضايا الاجتماعية بما يضمن توطين بعض القيم. فقد عبروا من خلال هذه القصيدة عن معاناتهم بما ينسجم وشعورهم تجاه الواقع، هذا الواقع المعبر عنه، كان المتنفس الذي استطاعوا من خلاله المواءمة بين ذواتهم والمثل التي يطمحون إليها بأسلوب قدم رؤيا جديدة للكون والوجود، ودعا لتغيير الواقع المستهلك.
وتعتبر قصيدة النثر ظاهرة فنية، وسوسيوثقافية تحددت معالمه في فترة تاريخية معينة، صاعدة باطراد في المشهد الثقافي العربي. وقد فرق أدونيس بين قصيدة النثر في اللغة العربية وبينها في اللغة الفرنسية أو غيرها حين قوله: “إنهما تفترقان بخواص ومزايا يفرضهما بدئيا، فرق اللغة والعمل اللغوي.” والافتراق كذلك حول طبيعة الخواص العربية لقصيدة النثر وحول ما تفقده هذه القصيدة، وما تكسبه بالترجمة.
ولا شك أن هذه التسمية لما أطلقت، هوجمت هجوما حادا اتخذ طابعا سياسيا سنة 1960. إلا أنها اليوم تكاد تكون الطريقة التعبيرية الغالبة خصوصا لدى الشعراء. ويذهب أدونيس في أكثر من موقف إلى أن الشعر شعر، ولا يجب أن يقرر الشكل في صحة ذلك أو عدمه. ويعترف أدونيس أن قصيدة النثر تحتوي طرقا للتعبير وطرقا لاستخدام اللغة – جوهريا شعرية – وإن كانت غير موزونة. ويعتبر أن الصورة من أهم العناصر في القصيدة، وطريقتها في التعبير والدلالة هي التي تحدد نوعيتها. كما يعتبر كتابة قصيدة النثر ضرب من الغيب، فيقول: والشاعر هنا لا ينطلق من فكرة واضحة محددة يعرفها هو نفسه معرفة دقيقة، ذلك أنه لا يخضع في تجربته للموضوع أو الفكرة أو الإديولوجية أو العقل أو المنطق. إن حدسه كرؤيا وفعالية وحركة هو الذي يوجهه ويأخذ بيده.
لقد شكلت هذه القصيدة مرحلة تاريخية هامة جددت إمكانية كتابة الشعر بالنثر ضمن شروط معينة تخلله نوع من الابتكار وإعادة القراءة بطرق جديدة. بعيدا عن الوزن الذي طال الشعر على مُدد تاريخية.