حوار: نورالدين بازين
كيف تقرأ اقتراح صاحب الجلالة الملك محمد السادس إطلاق مبادرة لرؤساء الدول الإفريقية تروم إرساء إطار عملياتي بهدف مواكبة البلدان الافريقية في مختلف مراحل تدبيرها لجائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد- 19..؟
هي إلتفاتة كريمة تؤكد على نية جلالته ترسيخ فلسفة التعاون جنوب جنوب و إلتزام المملكة الشريفة تجاه شركائها في السراء والضراء وتوطيد لعلاقات الأخوة والاحترام المتبادل المبني على حسن الجوار و الرغبة الصادقة في مد يد العون للاشقاء الأفارقة، في علاقة رابح رابح و الإخلاص للروابط الثقافية و التاريخية التي تربط المغرب بقارته افريقيا.
بالإضافة إلى ذلك فإن العمق الديني للمملكة و الرمزية التي يحضى بها جلالته كأمير المؤمنين، تجسدت في إقدام جلالته على إعطاء صورة جديدة و متجددة للعمل بمبادئ التعاون و التضامن و التآزر قولا و فعلا كما تنص على ذلك تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
من الناحية الديبلوماسية، تحسب للمغرب هته الخطوة، في ظل تقاعس دول ربطتهم إلى القريب، علاقات استراتيجية وصلت إلى حد التدخل في الشؤون الداخلية لهته الدول و توجيه سياسييها و سياساتها.
كيف ترى مغرب ما بعد كورونا، هل ستكون هناك تغيرات مفصلية ما قبل وما بعد هذه الأزمة؟
هذا مرتبط بالأساس بمدى طول مدة الأزمة و درجة تأثر الاقتصاد الوطني و كذا اقتصاديات الدول الشريكة و خصوصا فرنسا و التي تربطنا بها علاقات شراكة، عفوا، تبعية، قوية جدا.أزمة كورونا، شخصت لنا وضع بلادنا بشكل دقيق.
من الناحية الاجتماعية، طفت الفردانية و الأنانية و الخوف من الحرمان مما دفع إلى الشراء بشراهة و التخزين رغم أن ثقافتنا و ديننا يدعوان إلى الزهد و الاقتصار على الضروريات.
زادت الهوة و تعمقت الفوارق الاجتماعية بوضوح و اتضح أن جزءا كبيرا من المغاربة كان يعيش على حافة الفقر من خلال اشتغاله بالقطاع الغير مهيكل مثلا أو بشكل غير قانوني أو اتكاله بشكل كبير على القروض.
من الناحية السياسية، كشفت عورة المنظومة و أكدت على أن وزارة الداخلية هي الآمر و الناهي و سوقت الدولة، لذلك باحترافية من خلال نشر فيديوهات وصور مع تغييب ممنهج لأدوار المنتخبين التي اقتصرت على تعقيم الاحياء و الذي، ومع الأسف الشديد، لا يتعدى التأثيرالنفسي. المنتخب أبان عن محدودية تأثيره و غياب الإبداع و الإبتكار و الاقتصار على تبرعات و إشهارها و التسويق لها هنا و هناك.
من الناحية الصحية، و إلى حدود الساعة المنظومة لم تختبر بعد، مع تسجيل غياب برخصة مرضية للعديد من الأطقم الطبية، هروبا من الواجب و المسؤولية و ندرة المعدات و وسائل الحماية.
من الناحية الاقتصادية،اقتصادنا غير مرتبط بالتنمية و برفاهية المواطنين و يبقى تابعا و غير مستقل عن باقي الاقتصاديات مما يشكل غياب الليونة و الحركة تجاه الأزمات.لا نحقق إكتفاءا ذاتيا أو حتى نصفه في قطاعات حيوية كثيرة.
هل نجح المغرب فعلا في تطويق أزمة كورونا وهل ستكون هناك نتائج على المستوى العالمي من خلال احتلال المغرب مكانة بين البلدان التي ستؤسس لعالم جديد مستقبلا؟
إلى حدود الساعة فإن جهود المغرب محمودة مع تسجيل تباطؤ في عدد التحليلات المخبرية اليومية مما أدى و سيؤدي إلى إطالة أمد الأزمة و كذلك نوع من الليونة في التعامل مع فرض الحجر الصحي، مرتبط أساسا بالمستوى الثقافي و مدى الاستيعاب، لشريحة واسعة من المواطنات و المواطنين و غياب الثقة في المؤسسات و غياب منظومة الوساطة بين السلطات و المواطنين مما جعل من العملية صعبة للغاية و خصوصا في الأيام الأولى و التي شابتها بعض التجاوزات القليلة لحقوق الإنسان و هذا أمر عاد، في ظل الضغط و غياب استراتيجية واضحة المعالم منذ البداية و عامل المفاجئة.
يبقى قرار جلالة الملك نصره الله قرارا شجاعا و بالتأكيد، كبح قوة الجائحة و أكسبنا الوقت للاستعداد رغم أنه قرار مكلف اقتصاديا و لكن جلالته فضل حياة شعبه على اقتصاد بلده.
قدمت لنا أزمة كورونا درسا و ستقدم دروسا في المستقبل و يبقى مصيرنا مرتبطا بمدى تعلمنا و نوعية و معقولية الخيارات التي سنسلكها في الأيام القليلة التي ستلي الأزمة “انشاء الله طبعا” و الخطوط العريضة التي سنسطرها لبناء نموذج تنموي قادر على تحسين الأوضاع و تحقيق تنمية مستدامة عمادها عدالة مجالية و توزيعية من خلال ترسيخ العدالة الاجتماعية الحقيقية و الحرية مما سيضمن كرامة المواطنات و المواطنين و يقوي الجبهات الداخلية في المستقبل تجاه كل التهديدات و التحديات.
أملي أن نستغل هذا التوقف الاضطراري و نعتبره كاستراحة محارب فانتظار صحوة حقيقية يكون المواطن في صلبها و نعيد ترتيب أولوياتنا.
*دكتور علوم التدبير أستاذ المدارس العليا فاعل سياسي و مدني.
