* حسن إدوعزيز
يبدو أن الخطاب المقدس سيبقى مسيطرا بقوة على وعينا الثقافي الشعبي، وحتى النخبوي كمغاربة. ويبدو أن البعض، للأسف الشديد، لازال يصر على إبقائنا رهيني تصوراته وتمثلاته الماضوية.. ولا حيلة له مع المستجدات المعاصرة، سوى الإمعان في خلط الأوراق، بأساليب مفضوحة، في بعض الأحيان، لا تتوخى سوى إقناع العباد بأن يظلوا على العبودية والخنوع.. في استسلام، دون وعي وتفكر أو تدبر.
إن ما يتناساه هذا البعض، هو أن المغرب ليس مجتمعا وحيدا أوحدا، بل بلدا يقوم على تعقد وتعدد وتنوع مجتمعاته، على حد تعبير الأستاذ “عبد الكبير الخطيبي”، رحمه الله.. والتي ليست نمطية أو موحدة إلا عند التوحيديين المضاربين، والايديولوجيين الميالين الى الاختزال، كما يضيف المرحوم “پول پاسكون”. فالإمعان على النزعة القومية المشرقية، والمغلفة بالرؤية الاسلامية المتنورة أو المتشددة أحيانا، لم تستطع، إلى حد الآن، توجيهنا أو تمكيننا من إدراك موقعنا من التحولات والتطورات الدنيوية المعيشة. لأن دعاتها، وببساطة شديدة، لم يدركوا أننا كمغاربة نوجد عند مفترق الأقطاب الاقليمية، وعند مفترق كل اللغات والثقافات والأديان.. وبالتالي، فالمقدس يجب أن يتناسب واستراتيجية مجالنا، بأن يكون متحولا ومتطورا، لا مستقرا خانقا.. خاصة وأن ديناميتنا الحضارية عبر تاريخنا الطويل، عودتنا دائما على أن نفهم المقدس ونمارسه وفق خصوصيتنا وطقوسنا المحلية، وبأن نكون مستعصين على الادراك، بالنسبة للآخر، بقدرتنا على تحقيق قفزات مستمرة من التطور، تقطع مع الماضوية..، وبقدرتنا على التحرر من سلطة اللاوعي والبلادة والتكلس الفكري. والواضح أننا لسنا اليوم بحاجة إلى من يقحم العلم في الدين ليعطينا جرعات كبيرة من المقدس من أجل إحياء قيمه ورموزه ومعانيه الماضية الخانقة. لأننا أصبحنا ندرك أن الاعتقادات، وإن كانت وليدة مجتمع معين، فليس بالضرورة أن تكون صالحة لكل الأزمنة والعصور، على حد تعبير ” ايفانز بريتشارد”.
فما أحوجنا اليوم إلى الاحتكام إلى فكرنا التاريخي، بمقوماتنا الأصيلة كمغاربة، للفصل بين الخصوصية كحركية متطورة مرتبطة بالسياق الاقليمي، وبين الأصالة كسكونية متحجرة دائمة الانفلات إلى الماضي، كما يؤكد المفكر “عبد الله العروي”. ففكرنا التاريخي وحده الكفيل بتحريرنا من تلك الأصالة المقدسة والموهومة، والتي يحاول البعض تكريسها، دون وعي بأن سبب تخلفنا الفكري هو الغرور بذلك السراب، ودون إدراك لدرجة الانفصام الواقعي المعيش.. ولعل هذا ما جعل أذهان دعاة التحجر مفصولة عن الواقع ومتخلفة عنه، لإصرارهم على اعتبار الوفاء للأصول حقيقة واقعية، والحال أنها لم تعد سوى احساسا رومنسيا ماضويا مدغدغا للعواطف…
* أستاذ