إلزامية وضع الكمامات و إعمال قاعدة التجريم على بياض

إلزامية وضع الكمامات و إعمال قاعدة التجريم على بياض

- ‎فيرأي, في الواجهة
1314
0

بقلم : ذ يونس ابوسكسو

   قررت الحكومة المغربية بشكل مفاجئ إلزامية ارتداء الكمامات الواقية على جميع الأشخاص المسموح لهم بالتنقل خلال حالة الطوارئ الصحية ابتداء من يوم الثلاثاء 7 أبريل 2020 كإجراء جديد لمحاصرة انتشار فيروس كورونا( كوفيد 19).

   وشدد البلاغ الصادر عن السلطات الحكومية المعنية على أن وضع الكمامة واجب و إجباري، و كل مخالف لذلك يتعرض لعقوبة حبسية من شهر إلى ثلاثة أشهر و بغرامة تتراوح بين 300 و 1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين في إشارة للمقتضيات القانونية الواردة في مرسوم القانون رقم 2.20.292 الصادر بتاريخ 23 مارس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و إجراءات الإعلان عنها .

   وأصدرت رئاسة النيابة العامة بتاريخ 7 أبريل 2020 دورية في موضوع مخالفة ” حمل الكمامة خلال فترة الحجر الصحي” تشير إلى مقتضيات المرسوم بقانون رقم 2.20.292 و تؤكد بأن “عدم حمل الكمامة الواقية” من طرف الأشخاص المسموح لهم بمغادرة مساكنهم لأسباب خاصة يشكل جنحة يعاقب عليها بمقتضى المادة الرابعة من المرسوم بقانون سالف الذكر، كما اعتبرت نفس الدورية بأن عدم وضع الكمامة الواقية يعتبر جنحة منفصلة عن جنحة خرق تدابير الحجر الصحي المتعلقة بعدم ملازمة مكان الإقامة أو خرق غيرها من التدابير الأخرى التي قررتها السلطات العمومية المختصة في هذا المجال و عددت حالات أخرى تقوم معها العناصر التكوينية لهذه الجنحة، و يعاقب عليها بمقتضى المادة الرابعة من المرسوم بقانون رقم 2.20.292 ، مشددة على التطبيق الصارم للقانون .

   والواضح بعد استقراء مضمون البلاغ المشترك للسلطات العمومية و كذا دورية رئاسة النيابة العامة في الموضوع سيتأكد بأن السند القانوني فيهما معا للقول بتجريم عدم وضع الكمامات بالنسبة للأشخاص المرخص لهم بمغادرة مساكنهم هو الإحالة على مقتضيات المادة الرابعة من المرسوم 2.20.292 و التأكيد على معاقبة مرتكب هذه الجنحة بنفس العقوبة المنصوص عليها في هذه المادة .

   هذا مع اعتبار ما ذهبت إليه دورية النيابة العامة في القول بأن الجنحة الأخيرة تبقى منفصلة عن جنحة خرق تدابير الحجر الصحي بملازمة المساكن، و هنا يثار التساؤل : كيف يمكن لمقتضيات المادة الرابعة في المرسوم المشار إليه ّأعلاه التي تؤطر قانونا و تحدد العناصر التكوينية للجنحة الأصلية المتعلقة بخرق تدابير الحجر الصحي بعدم مغادرة المنازل إلا في الحالات المرخص بها ، كيف لها أن تؤطر وضعا آخر لم يكن مستحضرا بمناسبة وضع مرسوم القانون 2.20.2020 لأن السلطات الحكومية المعنية كانت تعتبر الكمامات غير إلزامية ولا حاجة لوضعها حتى بعد صدور المرسوم المذكور؟ و هل مقتضيات المادة الرابعة تستوعب وفق مبادئ التشريع الجنائي إمكانية إضافة جنحة منفصلة ؟ أم أن ذلك قد يتعارض مع مبادئ الشرعية الجنائية و ما تقتضيه من وضوح و دقة النص الجنائي سواء من حيث التجريم أو العقاب ؟ أم أن هذه القاعدة بدورها لها استثناء كما هو واقع الحال الذي يفرض ضرورة الحد من انتشار فيروس خطير يهدد السلامة الصحية للمواطنين بإعطاء الأولوية للحق في الحياة انسجاما مع توجيهات منظمة الصحة العالمية ؟ و إن كان الأمر كذلك فهل يمكن القول بأن مشرع المرسوم بقانون 2.20.292 قد اعتمد في سن نص تحريم خرق تدابير الحجر الصحي عل قاعدة :” التجريم على بياض” ؟

   والإجابة على هذه التساؤلات تفرض علينا بحث ماهية القاعدة الجنائية على بياض و تطبيقاتها           ( الفقرة الأولى ) و بحث تجليات تطبيق هذه القاعدة بمناسبة سن أحكام المرسوم بقانون رقم 2.20.292 استنادا إلى القرار بإلزامية وضع الكمامة ( الفقرة الثانية).

– الفقرة الأولى : ماهية القاعدة الجنائية على بياض و تطبيقاتها 

   الأصل أن النص التشريعي يتضمن بذاته معنى التجريم و العقوبة معا، و لكنه في بعض الأحوال قد يقتصر على العقوبة و يحيل في تحديد التجريم إلى نصوص أخرى، و في هذه الحالة يطلق الفقه على هذا النوع من القواعد اسم القاعدة على بياض .

   وتتميز القاعدة الجنائية على بياض بأن شق التجريم لم يصدر بعد و إنما من المزمع إصداره و يحتمل تحديده في نص لاحق للنص الذي ورد به شق العقوبة .

   وقد ذهب بعض الفقه إلى أن القاعدة الجنائية على بياض يكتفي المشرع فيها بتحديد شق العقوبة و يحيل في نفس الوقت إلى قانون آخر غير القانون الجنائي لتحديد شق التجريم، و قد يكون هذا قائما بالفعل أو من المزمع إصداره، أي لا يكون موجودا لحظة وضع القاعدة على بياض .

   ويذهب رأي آخر إلى أن شق التجريم في القاعدة الجنائية على بياض كما قد يوجد في قانون آخر غير جنائي فإنه قد يوجد أيضا في القانون الجنائي .

   ونخلص إلى أن القاعدة الجنائية على بياض هي التي يتحقق بها فصل شق التجريم عن التشريع الجنائي الذي ينص على العقوبة، و يكتمل تحديد التجريم لا حقا من خلال نص تشريعي آخر سواء كان جنائيا أو غير جنائي

   بمعنى أن شق التجريم في القاعدة الجنائية على بياض لا يكون قد وجد لحظة وضع تلك القاعدة، إذ يترك التجريم لقاعدة مستقلة تحدد نطاقه.

   ومن أمثلة تطبيق هذه القاعدة في التشريع الجنائي المغربي – وهي نادرة بطبيعة الحال- نجد مقتضيات الفصل 609 من مجموعة القانون الجنائي التي تنص على أنه :

” يعاقب بغرامة من عشرة إلى مائة و عشرين درهما من ارتكب إحدى المخالفات الآتية :…11- من خالف مرسوما أو قرارا صدر عن السلطة الإدارية بصورة قانونية إذا كان هذا المرسوم أو القرار لم ينص على عقوبات خاصة لمن يخالف أحكامه “.

   ويظهر من المقتضيات المذكورة أن المشرع الجنائي قد حدد العقوبة و لم يحدد شق التجريم، و تركه لما سيصدر لاحقا سواء مرسوم أو قرار صدر عن السلطة الإدارية بصورة قانونية و تمت مخالفته دون أن يتضمن عقوبات خاصة لمن يخالفه، و هي العناصر التي سبق و أن خلصنا إليها في تحديد ماهية القاعدة الجنائية على بياض، لأن المشرع المغربي في الفقرة 11 من الفصل 609 من ق ج لم يحدد مرسوما أو قرارا بعينه صادر وقت سن العقوبة، و بالتالي فتح المجال أمام مختلف القرارات و المراسيم اللاحقة عن صدور التشريع الجنائي المحدد للعقوبة.

   ومن هذا المثال التطبيقي للقاعدة الجنائية في التشريع الجنائي المغربي، ومما خلصنا إليه من آراء فقهية تناولت بحث ماهية القاعدة الجنائية على بياض هو ترك مجال لشق التجريم لتحديده مستقبلا إما بقانون او بمرسوم، و يخضع للعقوبة المحددة سلفا في نص قانوني سابق. و بذلك تختلف هذه القاعدة عن القاعدة الجنائية الصرفة في أن شق التجريم يكون في هذه الأخيرة حالا و محددا، و إن ورد في نص تشريعي آخر نافذ .

   وبعد بيان ماهية القاعدة الجنائية على بياض، ماهي تجليات تطبيقها على ضوء مقتضيات المرسوم بقانون 2.20.292 ؟

– الفقرة الثانية : تجليات تطبيق القاعدة الجنائية على بياض من خلال تجريم عدم وضع الكمامات

   يتضح من مقتضيات المادة الثالثة من المرسوم بقانون 2.20.292 بأن مشرعه قد فوض السلطة الحكومية المكلفة بتدبير حالة الطوارئ الصحية اتخاذ الاجراءات المناسبة لحماية صحة و أمن المواطنين و السهر على تطبيق كافة التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، و ذلك بموجب مراسيم و مقررات تنظيمية و إدارية ، أو بواسطة مناشير و بلاغات.

   وبالرجوع إلى المادة الرابعة من نفس المرسوم بقانون يتأكد بأنها تحيل صراحة على المادة الثالثة و تلزم كل شخص يوجد في منطقة من المناطق التي أعلنت فيها حالة الطوارئ الصحية التقيد بالأوامر و القرارات الصادرة عن السلطات العمومية المشار غليها في المادة الثالثة –و هي طبعا الحكومة بمختلف مكوناتها الوزارية- تحت طائلة إيقاع العقوبة المحددة في الفقرة الثانية من المادة الرابعة في الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر و بغرامة تتراوح بين 300 و 1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين .

   ويتجلى من صياغة المادة الرابعة من المرسوم بقانون 2.20.292 بأنها لم تتول تحديد شق التجريم مادام أن الفقرة الأولى منها اكتفت بالإلزام بالتقيد بالأوامر و القرارات الصادرة عن السلطة العمومية دون تحديد أوجه ذلك التقيد أو مضمون القرارات و الأوامر الواجب التقيد بها كما درج في تحديد الأفعال و السلوكات سواء بالإيجاب أو الامتناع التي يعتبر المشرع ارتكابها يشكل فعلا جرميا.

   وأيضا المدلول الاصطلاحي لكلمة “الصادرة” و ما يحمل عليه من معنى في سياق النص يفهم منه بأنه دال على القرارات و الأوامر المستقبلية التي ستصدر فيما بعد أكثر من تلك الآنية أو الحالية. و يكتمل هذا المعنى بالإحالة على المادة الثالثة التي تخول الحكومة صلاحية واسعة لتطبيق كافة التدابير اللازمة التي تقتضيها حالة الطوارئ الصحية. و صياغة “التي تقتضيها هذه الحالة”دالة كذلك في معناها على ما سيطرأ في المستقبل من تطورات.

   ويعتبر ما أسفرت عنه الأبحاث العلمية لمظاهر تفشي وباء فيروس كورونا و توصيات المنظمة العالمية للصحة في هذا الصدد بضرورة وضع الكمامات للحد من هذا الانتشار ،مما يدخل فيما تقتضيه حالة الطوارئ الصحية بتدخل الحكومة لإقرار إلزامية وضع الكمامة بصيغة بلاغ مشترك لثلاث وزارات من مكونات الحكومة .

   وبالتالي،وباعتبارأن البلاغ المشترك للسلطة الحكومية بإلزامية وضع الكمامة يبقى هو الشق التجريمي المحدد بالإلزام بالقيام بفعل والذي لم تتضمنه المادة الرابعة بالتحديد كما حددت صراحة العقوبة الواجبة التطبيق .

   وما يؤكد بالملموس عدم التنصيص على الشق التجريمي للأفعال التي تدخل في دائرة عدم التقيد بأوامر و قرارات السلطة المعنية التي تعاقب عليها المادة الرابعة من المرسوم بقانون المذكورة أعلاه هو حتى بالنسبة لجنحة خرق الحظر الصحي بمغادرة المساكن في غير الحالات المرخص بها هو اتجاه الحكومة إلى إصدار المرسوم رقم 2.20.293 بتاريخ 24 مارس 2020 بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا- كوفيد 19 ، و هذا المرسوم قد حدد بدوره شق التجريم الذي يخول تطبيق العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من المرسوم بقانون رقم 2.20.2020 .

   إذ حددت المادة الثانية في المرسوم 2.20.293 الحالات الواجب التقيد بها من الأشخاص في ظل حالة الطوارئ الصحية، و نصت على عدم مغادرتهم لمحل سكناهم مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة طبقا لتوجيهات السلطات الصحية ، و أقرت منع التنقل خارج محل السكنى إلا في حالات الضرورة القصوى المحددة كذلك حصرا، و أكدت أيضا منع أي تجمع او تجمهر أو اجتماع لمجموعة من الأشخاص مهما كانت الأسباب الداعية إلى ذلك ، مع استثناء الاجتماعات التي تنعقد لأغراض مهنية.

   ونصت كذلك على إغلاق المحلات التجارية و غيرها من المؤسسات التي تستقبل العموم خلال فترة الطوارئ الصحية المعلنة .

و نعتقد بأن هذه الحالة التي حددها المرسوم في المادة الثانية المذكورة هي التي يتحقق معها شق التجريم وفق ماتقتضيه الفقرة الأولى من المادة الرابعة من مرسوم قانون 2.20.292 .

   واعتبارا لما تقدم بيانه يمكن القول بأن العناصر المحددة لماهية القاعدة الجنائية على بياض وفق ماتم عرضه في الفقرة الأولى من هذا الموضوع ، و خصوصا عدم تحديد الشق التجريمي النص القانوني المحدد للعقوبة و تركه لنص قانوني لاحق أو قرار صادر عن السلطة المختصة يكمل تحديده قابلة للانطباق على قاعدة التجريم المعمول بها من طرف مشرع مرسوم قانون 2.20.292، و هذا ما يعطي السند القانوني لتجريم عدم وضع الكمامات و اعتبارها جنحة قائمة الذات تخضع مرتكبها للعقوبة المنصوص عليها في المادة الرابعة من المرسوم بقانون المذكور.

   وانسجاما مع هذا الاستنتاج، يمكن الوقوف عند اصطلاح “جنحة منفصلة” الوارد في حيثيات دورية رئاسة النيابة العامة الصادر بتاريخ 7 أبريل 2020، و نعتبر بأن هذا الاتجاه القانوني مبني على رؤية عميقة سواء للنص القانوني المحدد للعقوبة أو للبلاغ الوزاري المشترك الذي يقضي بإلزامية وضع الكمامة و يحدد بذلك الشق التجريمي لقيام هذه الجنحة بمعزل عن جنحة خرق الحظر الصحي بمغادرة المساكن التي يبقى الشق التجريمي مستقلا كذلك و محددا في المرسوم 2.20.293 .

   هذا، و تجدر الإشارة إلى أن تطبيق قاعدة التجريم على بياض و إن كان استثناء في المبادئ المستقر عليها في صياغة القاعدة الجنائية الصرفة المفترض وضعها بتحديد دقيق لعناصر التجريم و العقاب، سيما و ان بعض الفقه الجنائي يعتبرها- أي القاعدة الجنائية على بياض- مساهمة في أزمة الشرعية الجنائية ، إلا أنه ومع ذلك فإن هذا الاستثناء الذي يخول السلطة التنفيذية تشريع التجريم بمرسوم و قرارات و بلاغات لا يمكن التوسع في اللجوء إليه بشكل مفرط و يبقى خاضعا في نظر بعض الفقه الذي يقبل بتفويض السلطة التنفيذية وضع التشريع الجنائي إلى شروط منها استيفاء المعايير المميزة للنصوص التشريعية و هو كونها قواعد عامة و مجردة ، و ليست قرارا إداريا فرديا يواجه حالات محددة بالذات ، بالإضافة إلى كونها صادرة عن سلطة مختصة بذلك طبقا للنظام القانوني العام للدولة كما يحدده الدستور 

   وإن كان لا جدال بأن المرسوم بقانون 2.20.292 قد راعى المقتضيات الدستورية كما جاء في ديباجته ( المواد 21 و 24 و 81 من الدستور) و تبقى الحكومة ملزمة بعرضه على البرلمان للمصادقة عليه في أول دورة تشريعية ، و بالتالي يكون مستوفيا للإجراءات القانونية التي ترخص للسلطة التنفيذية وضع تشريع جنائي و ذلك في إطار استحضار الظرفية الاستثنائية الحالية التي فرضت التدخل الاستباقي لحماية السلامة الصحية للمواطنين و للحد من انتشار وباء فيروس كورونا الذي يهدد الحق في الحياة. إلا أنه و مع ذلك لا بد أن نسجل ملاحظة بخصوص عدم مراعاة العقوبات التي حددتها المادة الرابعة من المرسوم 2.20.292 لابعاد السياسة الجنائية الحديثة و ما تنتجه من ضرورة إعمال بدائل العقوبات السالبة للحرية لتجاوز الاكتظاظ بالمؤسسة السجنية خصوصا و أن هناك في الفترة الحالية مخاوف مقبولة من تسرب الوباء إليها.

   وكان حريا بمشرع مرسوم 2.20.292 أن يأخذ بعين الاعتبار هذه الوضعية سيما و أن هناك إجراءات استباقية بمبادرة ملكية سامية للعفو عن مجموعة مهمة من السجناء بلغ عددهم 5654 من نزيلات و نزلاء المؤسسات السجنية .

   وهنا نعتقد بأنه كان بالإمكان التنصيص على بدائل عقوبات سالبة للحرية تكون أكثر وقعا و تأثيرا من منطلق أهداف السياسة الجنائية في شقها الوقائي و العلاجي، ومن بين تلك العقوبات “أداء خدمة عمومية بتنظيف المستشفيات العمومية” “الحرمان من الدعم المؤدى من صندوق الطوارئ لمواجهة جائحة كورونا ” و غيرها من الإجراءات المحفزة على احترام إجراءات حالة الطوارئ، مع الإبقاء على العقوبة الحبسية كحل نهائي، علما أن تلك العقوبة الحبسية قد تكون أشد إذا كان الفعل المرتكب أثناء خرق و مخالفة القرارات المتعلقة بإعلان حالة الطوارئ ينطبق عليه تكييف أو وصف جنائي آخر حدد له المشرع عقوبة أشد من تلك المنصوص عليها في المادة الرابعة كما في حالة ارتكاب السرقة بعد مغادرة المسكن خرقا للحظر الصحي. و نستحضر هنا على سبيل المثال الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بالقنيطرة في الملف الجنحي رقم 495/2103/2020 بتاريخ 9/4/2020 و الذي قضى بعدم الاختصاص النوعي بعدما تبين للمحكمة بأن وصف فعل السرقة تنطبق عليه مقتضيات الفصل 510 من ق ج بعلة أن تعدد الفاعلين من جهة أولى و من جهة ثانية ارتكاب السرقة أثناء حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها من طرف الحكومة، و هو ما يعد في نظر المحكمة كارثة بمفهوم الفصل 510 من ق ج ، و هو اجتهاد في نظرنا مبني على تفسير قانوني سليم تمليه خصوصية الظرفية التي تستدعي كذلك الحد من انتشار أشكال الجريمة الخطيرة.

   ومن هذا المنطلق، وبعد محاولة عرض أبرز مظاهر تطبيقات “القاعدة الجنائية على بياض”و تجليات إعمالها لزجر عدم الالتزام بوضع الكمامات، فإننا نؤكد بأن اللجوء لهذه الصيغة في التجريم و اقترانها بعقوبات سالبة للحرية قد تمليها فعلا هذه الظرفية الاستثنائية و الخطيرة على الصحة العامة، إلا أنه و مع ذلك لا ينبغي الإفراط في هذا المنهج التشريعي .

الاستاذ يونس ابوسكسو

المحامي بهيئة مراكش

المراجع و المصادر

– د محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات-القسم العام- ط 1982 

– دأحمد فتحي سرور ، الوسيط في قانون العقوبات- القسم العام، دار النهضة العربية، القاهرة 1996 

– د رمسيس بهنام ، الجريمة و المجرم و الجزاء، منشأة المعارف بالاسكندرية، 1973

– د عصام عفيفي حسن عبد البصير، تجزئة القاعدة الجنائية ..دراسة مقارنة في القانون الوضعي و الفقه الجنائي الاسلامي، دار النهضة العربية، القاهرة، ط 2003 

– د مولاي جعفر العلوي، محاضرات في أزمة الشرعية الجنائية..مقدمة لطلبة دبلوم الدراسات العليا المعمقة بجامعة عبد المالك السعدي طنجة، السنة الجامعية 2003/2004 

 

– بلاغ مشترك لوزارة الداخلية ووزارة الصحة ووزارة الإقتصاد و المالية ووزارة الصناعة و الاستثمار و التجارة و الاقتصاد الرقمي ، نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء مساء يوم الاثنين 6 أبريل 2020

– مرسوم بقانون 2.20.292منشوربالجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 23 مارس 2020

– مرسوم بقانون 2.20.293منشوربالجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 24 مارس 2020

– دورية موجهة إلى السيدات و السادة المحامي العام الأول و المحامين العامين بمحكمة النقض و الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف و محاكم الاستئناف التجارية و نوابهم ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية و المحاكم التجارية و نوابهم تحت مرجع 16 س / ر.ن.ع

– قرار محكمة الإستئناف الادارية عدد 210 بتاريخ 26/3/2020 في الملف عدد 422/7202/2020

 

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت