عبد الواحد الطالبي
بإعلان موت القيادي في جبهة بوليساريو المعارض لمبادرة الحكم الذاتي في الاقاليم الجنوبية والمناوئ لمغربية الصحراء امحمد خداد، يفقد المغرب خصما لذوذا للديبلوماسية التي يقودها في افريقيا او في أروقة الامم المتحدة ومجلس الاتحاد الاوروبي دفاعا عن عدالة قضيته الوطنية.
وبغياب خداد تنفرط حبة أخرى من عقد الحرس القديم للجبهة الانفصالية الذي قادت كتيبتَه ظروفُ الحرب الباردة في عالم القطبية الثنائية خلال ستينيات القرن الماضي الى الدعوة العاجلة للحركة الوطنية والسلطات المغربية لتسريع المطالبة بالحقوق السيادية للمغرب في الصحراء وتحرير مناطقها من الاستعمار الاسباني ثم معارضة النظام وخوض الحرب ضده في أخبث تواطؤ إقليمي تورط فيه حكام الجزائر ونظام القدافي في ليبيا.
لم يكن خداد سوى نموذج للشباب الذين تعرضوا بسبب الاختلاف الايديولوجي والانتماء اليساري للتنظيمات الطلابية إلى مطاردة آلة القمع “الأوفقيرية” وملاحقة البوليس السري فتلقفتهم المخابرات المعادية في دول الجوار وكان هؤلاء الشباب قرصا فائرا بالأماني والطموحات من أجل استكمال وحدة المغرب واستقلاله فيما كانت البلاد تستكمل بناء أركان الدولة حديثة العهد بالاستقلال وإقامة المؤسسات الوطنية في اطار سياسة خطوة خطوة على غرار ما تم فعلا على ارض الواقع بعد ضم اقاليم الشمال والمنطقة الخليفية ثم طرفاية وسيدي افني.
لم يثبت أن كان الشباب المنحدر من اقاليم الصحراء في الجنوب المغربي ومنهم خداد وزعيمهم الراحل الوالي مصطفى السيد ذووا نزعة انفصالية ولم يكن احد من رفاقهم يتوقع المآل الذين آلوا إليه والورطة التي ورطتهم في مستنقع الحسابات الجيوسياسية بمنطقة المغرب الكبير التي خضعت لمصالح القوى العالمية الكبرى وقتئذ في سبعينيات الالفية الثانية ولحساسيات الأنظمة السياسية والتجاذبات الشخصية للحكام لفرض الهيمنة إبان المد القومي العروبي وما واكبه من معارضة للملكيات السائدة وقتئذ.
وقد يكون خداد فارق الحياة وفي نفسه شيء كتمه الموت ربما يكون الوقت المستقطع في جولات طاولة تجسير الثقة بين اطراف النزاع بشأن التسوية الأممية في الصحراء أتاح فرصة البوح به مع فنجان قهوة للطرف الصحراوي المغربي المفاوض، فهو كغيره من الشباب والطلبة الذين أغوتهم شعارات “الثورة” التي خبت جذوتها بعدما انكشف زيف المرجعيات التي أطرتها وانفضحت الخلفيات من وراء المناداة بها وتأكدت بعدئذ الأطماع التوسعية للجهات الحاضنة والداعمة باسم مناصرة حق الشعوب في تقرير المصير وتحت دريعة “مغرب الشعوب“.
لن يكون موت خداد مكسبا جديدا للديبلوماسية المغربية في سلسلة الانتصارات لتصحيح المغالطات بشأن الوحدة الترابية وتراجع الدول عن الاعتراف بجمهورية الوهم والقطيعة مع سياسة السير الى الامام دون التفات مع تحجيم البلدان على اعتبارات ديمغرافية وجغرافية، قدر ما يكون غيابا مؤسفا مؤلما لمواطن مغربي رحل والشوق يحمله على غرار آلاف المغاربة الصحراويين المحتجزين في تندوف أو المغرر بهم أو الذين عادوا لوطنهم الأم ليشهدوا تحقيق الآمال التي تطلعوا اليها أن يكون المغرب بلدا مستقلا موحدا مستقرا مطمئنا آمنا في إطار السيادة الوطنية على كامل التراب من طنجة الى لكويرة وفي إطار ملكية دستورية اجتماعية برلمانية تضمن هذه وحدة الأمة واستمراريتها.
وهذا الموت ينكأ جرحا في خصر المغرب الكبير الطموح لتكتل اقليمي اقتصادي وسياسي، مؤهل ليضمن لكل ابناء شعوبه العيش في اطمئنان وفي تنمية اقتصادية واجتماعية تغنيهم عن الموت غرباء عن أوطانهم وأهليهم إما في الاحتجاز رهائن للوهم أو في البحر غرقا في هجرة الهروب من الجوع والفقر والبطالة ما يستدعي الرحمة إذا لم يكن بد من الخصومة وصراع المصالح بين بلدان المغرب الكبير.
إن امحمد خداد وقبله محمد عبد العزيز والوالي مصطفى السيد وآخرون مضوا ماتوا مغتربين وفي نفوسهم غصة ندم وضياع أسروها تجاه الوطن والملك وإن موتهم لهو وصمة وجرم في حق شعوب ظلمتها سابقا الإيديولوجيا وتواصل أطماع الهيمنة الاقليمية إغراق خيرة شبابها وسواعدها في البحر بحثا عن فرص العيش الكريم الضائعة في بلدانهم بسبب أنانيات بعض أنظمتها.
فعسى تتيح مراسيم العزاء في ظل عارض كورونا القاتم، فسحة مراجعة قيادة جبهة بوليساريو لمواقفها المتصلبة من مبادرة الحكم الذاتي المقترحة والموصوفة دوليا وأمميا بالواقعية والجادة والقبول بها حلا دائما متوافقا عليه لنزاع الصحراء الذي تفهم كثير من قياديي الجبهة العائدين الى وطنهم الأم أن كل الحلول الأخرى مستحيلة التحقق ما لم يتم الوعي والفكاك من كماشة الطغمة الماسكة في الجزائر بخيوط الصراع المفتعل في المنطقة والانفلات من عقال الرهينة في يد الذين يطمسون تناقضاتهم الداخلية على حساب العداء للمغرب.
والأمل معقود ان يتفهم قادة بوليساريو الظرفية المناسبة المتاحة للعودة الى وطنهم الذي ما يزال غفورا رحيما للانضمام الى إخوانهم الذين سبقوهم الى الجبهة، حتى يتداركوا الوقت الذي ضيعوه للمساهمة في مشاريع الإنماء الاقتصادي والاجتماعي والعمراني في أقاليم الصحراء المغربية التي تقودها النخب الصحراوية المنتخبة ديمقراطيا في افق جهوية موسعة وحكم ذاتي بتوجيه حكيم ورعاية سامية من عاهل البلاد وتحت العلم الوطني قبل أن تدرك الموت باقي القيادة وأجيالا من الصحراوين وهم في المخيمات وقبورهم في الفيافي والمنافي.
((انتهى)