إفادة مطولة أدلى بها شاهد الإثبات الوحيد في ملف كازينو السعدي، الخميس المنصرم، أمام غرفة الجنايات الاستئنافية المختصة في جرائم الأموال باستئنافية مراكش، فقد فجرّ مفاجأة من عيار ثقيل أوضح فيها بأن المتهم الرئيس في الملف، المستشار البرلماني وعضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، عبد اللطيف أبدوح، سبق له أن عرض على مجلس بلدية المنارة ـ جليز، الذي ترأسه هذا الأخير خلال الفترة الانتدابية الممتدة بين 1997 و2003، وثيقة معاوضة، في دورة أكتوبر من 2002، لتفويت عقارين جماعيين بالحي الشتوي بمراكش لفائدة بنك المغرب مقابل 3000 درهم مربع، إذ خيّر أعضاء المجلس بين التصويت على المبلغ المقترح من طرف لجنة التقويم أو رفضه إذا لم يكن مناسبا، قبل أن يتم التصويت على التفويت، في الوقت الذي كان المجلس صوّت قبل ذلك بسنة على مقرّر تفويت الكازينو، الواقع بالحي الراقي نفسه، بمبلغ لم يتجاوز 600 درهم للمتر المربع، خلال الدورة المنعقدة بتاريخ الأربعاء 31 أكتوبر من سنة 2001، وهو ما كبّد البلدية خسائر قدّرها تقرير صادر عن المفتشية العامة لوزارة الداخلية، في أكثر من 19 مليار سنتيم بالنسبة للكازينو لوحده، فيما أكد التقرير نفسه بأن «أكثر من 27 مليار سنتيم أخرى ضاعت في تفويت أملاك جماعية أخرى لفنادق وخواص بأثمنة بخسة وفي أجواء غابت فيها الشفافية».
وحاول أبدوح أمام المحكمة أن يلقي بالمسؤولية بعيدا عن ملعبه، زاعما بأن إدراج نقطة تفويت الكازينو كان بطلب من والي مراكش الأسبق، محمد حصّاد، وأن سعر التفويت حددته لجنة التقويم دون أن يشير أبدوح لا من بعيد أو قريب إلى الإمكانية التي كانت متاحة أمام المجلس برفض التصويت على المقرّر من الأصل، وإحالته مجددا على لجنة التقويم من أجل رفع سعر التفويت، كما اقترح هو نفسه خلال مداولات المجلس المتعلقة بتفويت العقارين لبنك المغرب، أو كما فعل المجلس الذي سبقه، برئاسة عدنان بنعبد الله، الذي رفض تفويت عقارات جماعية بسعر 600 درهم للمتر المربع، وطالب على الأقل بـ 2500 درهم للمتر المربع بالنسبة لفندق «توبقال».
أكثر من ذلك، فقد أوضح الشاهد مصطفى بنمهدي، الذي شغل مهمة كاتب مجلس بلدية المنارة ـ جليز خلال الولاية الجماعية المذكورة، بأن تقرير لجنة التقويم المتعلق بتفويت عقار جماعي داخل فندق «توبقال»، وردت فيه الإشارة إلى أن العمليات العقارية بين الخواص في الحي الشتوي تفوق 4000 درهم للمتر المربع، بينما تتراوح الأثمنة بين 300 و600 درهم للمتر المربع بالنسبة للمرافق الإدارية والمؤسسات التابعة للدولة، علما بأن العقار المذكور كان يقع وسط منشأة سياحية ولم يكن مرفقا إداريا ولا ملكا خاصا للدولة حتى يتم تفويته بثمن بلغ بالكاد 600 درهم للمتر المربع، وهو ما أكد تقرير المفتشية العامة لوزارة الداخلية بأنه ضيّع على البلدية أكثر من مليارين و300 مليون سنتيم.
واستدل الشاهد على صحة الشريط المنسوب إلى أبدوح ومجموعة من أعضاء أغلبيته وهم يتداولون في شأن اقتسام رشوة مفترضة تسلمها من الشركة المستغلة للكازينو مقابل تفويته إليها، (استدل على ذلك) بتطابق التصريحات الواردة فيه مع المداولات الموثقة بمحضر دورة أكتوبر 2001، نافيا تصريحات بعض المتهمين الذين يقولون فيها إنه قام بفبركة تصريحاتهم، من خلال إجرائه عملية توضيب لمداولاتهم بالدورات، التي كان يسجلها باعتباره كاتبا للمجلس مكلفا بتحرير المحاضر، موضحا بأن دورات المجلس كان يحضرها ممثل السلطة والموظفون ووسائل الإعلام، ولا يمكن للمستشارين أن يثيروا فيها الاستفادة من امتيازات مقابل التصويت، مشددا على أن الشريط يتضمن مفاوضات بين أبدوح ومن معه حول اقتسام رشوة.
وبخصوص تجزئة «سينكو»، التي يتابع صاحبها على خلفية اتهامه بتقديم رشوة لأبدوح عبارة عن ست شقق سكنية فيها مقابل تسهيل حصوله على الوثائق والرخص الخاصة بها، فقد أكد الشاهد بأن أبدوح اتخذ قرارا بإحداث طريق في هذا المشروع الخاص دون الرجوع للمجلس، وعلى الرغم من أن هذه الطريق كانت في صالح المنعش العقاري، فقد أقام هذا الأخير دعوى قضائية ضد البلدية وحكم له القضاء الإداري بتعويض بملايين الدراهم. وأوضحت الإفادة بأن أحد شهود النفي، ويتعلق الأمر بالعضو السابق بالمجلس الوطني لحزب الاستقلال، «ع. ذ»، تسلم من بنمهدي الشريط الصوتي وتكلف بإيصاله إلى القيادي الاستقلالي، مولاي امحمد الخليفة، بحكم أنه كان من المقرّبين منه، ليعرضه هذا الأخير على اللجنة التنفيذية والأمين العام، ويطلعهم على ما كان يعتبره مسجل الشريط «خروقات مالية تشوب تدبير أبدوح للبلدية»، وتابع بنمهدي بأن تصريحات شاهد النفي المذكور أمام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية كانت متضاربة، فقد أكد بأنه تسلم الشريط في ظرف بريدي مغلق دون أن يطلع على مضامينه، وبعد أن أجرت له الفرقة مواجهة مع مسجل الشريط، الذي لم يكن سوى بنمهدي نفسه، عاد واعترف بأنه استمع للشريط قبل تسليمه للخليفة.
من جهة أخرى، أكد بنمهدي بأن أحد المتهمين «ع.ه» لم يكن حاضرا في الدورة التي تم التصويت فيها على مقرر تفويت الكازينو، مضيفا بأن علاقة المتهم المذكور، الذي كان يشغل مهمة النائب الثالث لأبدوح، كانت متوترة مع هذا الأخير، موضحا بأنه سبق وأن وجّه شكاية ضده للوالي ووقع على طلب عقد دورة استثنائية لإقالة أبدوح، ليقوم على إثرها الرئيس بسحب التفويض منه وسيارة الجماعة التي كان يستعملها ويفوّض مهامه إلى عضو من الحركة الشعبية، والذي ليس سوى أحد المشتكين في هذا الملف، ويتعلق الأمر بالمستشار الجماعي السابق «ل.أ»، الذي سبق لدفاع المتهمين أن واجهوه بأنه كان هو نفسه من بين المصوتين على مقرر التفويت، من بين 27 مستشارا جماعيا، مدلين للمحكمة بنسخة من محضر دورة أكتوبر من 2001.
وقد حاول بعض المتهمين مقاطعة الشاهد واستفزازه، بل إن أحدهم وصفه بـ»الكذاب»، وطالب دفاع المتهمين بأن تقتصر إجاباته على التأكيد أو النفي (نعم أو لا) دون خوض في التفاصيل، غير أنه لم يتأثر بذلك وواصل إفادته، مشيرا إلى أن خلافه مع أبدوح لم يكن «عداءً شخصيا» كما يحاول أن يصور المتهم الأول ذلك أمام المحكمة، بل إن الأمر يتعلق باحتجاج ضد سوء التسيير الذي شاب بلدية المنارة ـ جليز، والذي استدعى إصدار فرع حزب الاستقلال بمقاطعة المنارة لبيان، بتاريخ 29 فبراير من 2000، أدان فيه «المحسوبية والزبونية والرشوة والفساد داخل البلدية»، إلى أن وصل الأمر إلى تقديم طلب عقد دورة استثنائية لإقالة أبدوح، وهي الدورة التي رفض هذا الأخير عقدها رغم استيفاء الطلب للشروط القانونية المنصوص عليها في الميثاق الجماعي، كما عقد منتخبو الحزب وقياديوه بمراكش لقاءً مع الأمين العام الأسبق للحزب، عباس الفاسي، لمناقشة وضعية البلدية المذكورة.
هذا وقد تغيّب المشتكي «ل.أ» عن جلسة الخميس الماضي، بعد أن كان أدلى للمحكمة بشهادة طبية غير محددة المدة، توضح بأنه «غير قادر على الوقوف»، ليطلب دفاع المتهمين تأخير المحاكمة حتى حضوره، قبل أن يتدخل المحامي عبد الحميد المدهون، دفاع المطالب بالحق المدني الوحيد الذي لازال محاميه يحضر جلسات المحاكمة، ممثلا في الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة «ترانسبرانسي المغرب»، ملتمسا الاستماع إلى باقي الشهود حرصا على عدم إطالة هذا الملف، الذي تجاوزت مرحلته الاستئنافية 4 سنوات وشهرين، وهو ما استجابت له المحكمة، التي استمعت إلى شاهد الإثبات، فيما أرجأت الاستماع إلى شهود النفي لجلسة 20 فبراير الجاري.
عن اليوم 24