كان الله في عون سعد الدين العثماتي رئيس الحكومة والأمين العام لحزب “العدالة والتنمية”، فهو بخلاف ما يحاول الترويج له من حصيلة إيجابية، يعيش في مأزق حقيقي حسب الكثير من المؤشرات الوطنية والدولية، ويمر بأوقات عصيبة وحده الله يعلم شدتها وإلى أين ستنتهي به وما تبقى من حزبه المتشظي. إذ منذ تعيينه قائدا للحكومة وانتخابه أمينا عاما للحزب، وهو يترنح في دوامة من التيهان والقلق، أمام سلسلة من الحرائق المشتعلة بفعل الظلم والقهر والتهميش والإقصاء وتفشي الفساد، التي لا تكاد تخبو حتى تتأجج من جديد دون أن يملك الجرأة لمواجهتها وإخمادها. فلا هو استطاع لملمة شتات حزبه ولا تمكن من جمع ائتلافه الحكومي على قلب رجل واحد لكسب رهانات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ذلك أنه وجد نفسه فجأة متورطا في القيام بمهمة على غير مقاسه من حيث الكاريزما والكفاءة والقدرة على التواصل، ولم يكن البتة يحلم ببلوغه يوما رئاسة الحكومة، كما يقر بذلك في عدة مناسبات، لاسيما أنه سبقت إقالته من منصبه وزيرا للخارجية في عهد حكومة حزبه الأولى. حيث أنه جيء به وسط أجواء من التوتر مباشرة بعد عزل “أخيه” في الحزب و”حركة التوحيد والإصلاح” جناحه الدعوي، عبد الإله ابن كيران الذي أخفق في إدارة المفاوضات مع حلفائه المفترضين من أجل تكوين فريق حكومي، خلال ما اصطلح عليها إعلاميا ب”البلوكاج الحكومي”، الذي دام زهاء ستة شهور من الركود الاقتصادي وتعطيل المؤسسات، مما أدى إلى ولادة حكومة مشوهة، ذات مكونات متنافرة ومختلفة في برامجها وتوجهاتها الإيديولوجية.
ولسوء طالعه توالت عليه الضربات من كل الجهات، ليس فقط من خصومه السياسيين في المعارضة، بل كذلك من داخل حكومته وسلفه ابن كيران الذي يصر على تصفية حساباته مع من يراهم سببا في إبعاده عن قيادة الحكومة والحزب، ولا يدع فرصة تمر دون الانقضاض عليها رغبة منه في تدمير الائتلاف الحكومي، مستعينا بكتائبه الإلكترونية وبعض القياديين ممن وجدوا أنفسهم خارج مفكرة العثماني في نيل حظهم من “الكعك الحكومي”، فضلا عن نشطاء الشبكة العنكبوتية الذين يحرصون من جهتهم على تصيد هفواته أثناء ظهوره الإعلامي سواء عبر التصريحات الصحفية أو في جلسات المساءلة الشهرية بمجلسي البرلمان، جاعلين منها مادة دسمة للتفكه والسخرية، من خلال نشر أشرطة مصورة وتداولها بين المواطنين في مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة الفيسبوك والواتساب. للتعبير عن تذمرهم واستيائهم من حكومة تأكد لهم بالملموس أنها ليست أحسن حالا من سابقتها، ولا تعمل سوى على بث التيئيس والإحباط، وإجهاض أحلام الشباب وتكريس السخط والكراهية وفقدان الثقة في العمل السياسي والمؤسسات.
ومما زاد تورطه تعقيدا، أنه لم يمض على تنصيب حكومته سوى بضعة شهور حتى عرفت هي الأخرى “زلزالا سياسيا” عصف برؤوس عدة وزراء وموظفين إداريين كبار، على خلفية تعثر تنفيذ المشروع التنموي الكبير “الحسيمة منارة المتوسط”، وما ترتب عنه من حراك شعبي استمر أزيد من سنة وخلف الكثير من الآلام والأحزان في أوساط سكان منطقة الريف وخارجها، حيث أنه بناء على تقريري المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة لوزارة الداخلية، أقدم ملك البلاد في غشت 2017 على إقالة كل من وزير التربية الوطنية محمد حصاد ووزير الصحة الحسين الوردي ووزير الإسكان محمد نبيل بنعبد الله والعربي بن الشيخ كاتب الدولة لدى وزير التربية الوطنية المكلف بالتكوين المهني…
وكان طبيعيا أن يتواصل ارتباك الرجل والوقوع في حيص بيص من أمره، مما ساهم في إضعاف حكومته وفشلها في اجتراح الحلول الملائمة للمشاكل المطروحة بحدة والتدبير الجيد للملفات الاجتماعية، التفاعل الإيجابي مع موجة الحركات الاحتجاجية المتصاعدة بجميع أنحاء البلاد، والتجاوب مع حملة المقاطعة التي لجأت إليها شريحة واسعة من أبناء الشعب ضد ثلاثة منتوجات تجارية لثلاث شركات كبرى، احتجاجا على سياسة “الاحتكار” وارتفاع الأسعار. ناهيكم عن حرب الخطابات وتبادل الاتهامات بين قياديي حزبه وقياديي حليفه وغريمه الكبير في حزب “الأحرار” حول “انتفاضة التجار” الرافضين بقوة لقرار الحكومة المتعلق ب”الفوترة الإلكترونية”.
فالعثماني بدا وكأن لعنة ما تطارده، من حيث تواتر الهزات على حكومته إلى حد انسحاب حزب “التقدم والاشتراكية”، الحليف الاستراتيجي للحزب الأغلبي منذ عام 2012، واشتداد الأزمات وتعدد المشاكل في التعليم والصحة وكافة القطاعات والمناطق، ومنها: أزمة الماء، الأساتذة المتعاقدون مشروع القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين، المادة التاسعة في مشروع القانون المالي لسنة 2020 و..و.. ولا يجد من مخرج لتهدئة الأوضاع عدا الهروب إلى الأمام والابتهال إلى الله أن يخرجه من ورطته ويعجل بنهاية ولاية حكومته للظفر بمعاش استثنائي لا يقل عن معاش سلفه، خاصة أنه لم يعد يطيق تحمل المزيد من انتقادات الملك لأداء الائتلاف الحكومي المتعارض، الذي لا يعرف معنى “الانسجام” إلا لحماية مصالحه، عوض تلبية انتظارات الشعب.
إننا واثقون من أن تجاوز الاختلالات القائمة ومعالجة الملفات الحارقة، من قبيل إصلاح التعليم والصحة والقضاء ومجابهة الفساد والتملص الضريبي واحترام حقوق الإنسان والحد من معدلات الفقر والأمية والبطالة وتحسين ظروف عيش المواطنين وتوفير العدالة الاجتماعية والمجالية… لا يكمنان في إعادة هيكلة الحكومة وتقليص أعضائها من ذوي الكفاءة إلى قرابة النصف وحسب، بل في ضرورة توفر إرادة سياسية حقيقية وحكومة منسجمة وقوية.
اسماعيل الحلوتي