سائق تاكسي يوجه رسالة إلى مسؤول ولائي مدان بالفساد

سائق تاكسي يوجه رسالة إلى مسؤول ولائي مدان بالفساد

- ‎فيرأي, في الواجهة
327
0

 

بقلم يوسف الطالبي

يا لسخرية الأقدار!…كنا أمامك دائما في قفص الاتهام، تشتبه في ذممنا حتى من دون بينة، كنت تعاملنا وكأن لنا استعدادا قبليا للجنوح، وكأن انعدام الأمانة جزء من نسيج جيناتنا، كنت تحشرنا في الزاوية، ونحن نجهد قاموسنا وقدرتنا في تحرير مذكرات الدفاع،  لكن، كنت وكنا نعلم علم اليقين، أنك إنما أنت ككبير اللصوص الذي يقسو على افراد وعصابته، تدفعهم إلى المزيد من الحصاد، في عينيك كان يلمع بريق الفساد، كنت وكنا نعرف أنك إنما تخفي وجهك الحقيقي تحت قناع التطرف في التنكيل بالصغار، تتهمنا دون أن تكون لك الشجاعة لتركز النظر في أعيننا، تتحاشى ذلك بطمر وجهك في الأوراق التي أمامك، وفي الحقيقة كنت تتحاشى النظر الى حقيقتك، أو تخأف أن تفضحك عيناك. 

أنت تسرق الملايين وتسرق فرص الاغتناء، تسرق الوجاهة والنفوذ، ولكن الأنكى من ذلك تسرق حلمنا في وطن ننعم فيه بالكرامة، وفي نفس الآن، لا تأخذك بنا الرحمة ونحن نتدافع لنخطف حقنا في كسرة خبز، تجبرنا على السرقة لنوفر لك ما تسرق، كنا نسرق لنشتري حليب الأطفال ودواء الأباء، وما يكفي لنوفر لك ما تسرقه أنت، نسرق ما يلزم لتقضي عطلتك في أرقى وأشهر المنتجعات في العالم، نسرق لعلنا نستطيع توفير أقساط تسديد الديون و توفير ما يملأ حساباتك البنكية، نعم نعترف أننا مذنبون، لكن لم نكن إلا أدوات يتحكم فيها الجشع الرأسمالي الموسوم بالفساد، لقد كنا كأطفال يسرحون في الأسواق والساحات، يسرقون محفظة نقود أوحليا أو ساعات يدوية، لكن في المساء كانوا يسلمون كل ما يسرقونه لعراب أعرج أعور يسئ معاملتهم، يأخذ ما تحصلوا عليه من النشل، ويبيتون جوعى متجمدين وسخين.  

لطالما أبهرتني بذكائك الثاقب، لطالما أشعرتني بالغباء والفشل، لطالما راودتني أفكار فنطازية، من أين لك بملكات كملكاتك تستطيع بها إيجاد حلول في أحلك الظروف وأعقد الوضعيات، تجاري الرياح كيفما اتجهت، وتدعو بالتمكين للسلطان الذي أصبح، أي سحر هذا الذي يبقيك رئيسا لمصلحتك ربع قرن، لكن كما كانت تردد أمي، “يعلو الباطل حتى السماء السابعة فيعود إلى الأرض حقا” ، وأنه مهما تاه الحق لابد أن يجد طريق أصحابه، العدل يقضي أن تكون في السجن منذ مدة طويلة، لكنك استفدت وتستفيد من ردة عارضة لن تلبث أن تزول ويهوى عرشك الى الحضيض.

 ها أنت تقعي في زنزانتك دليلا وضيعا دون شرف، وليس من وصفة ترد لك الاعتبار وتنقد سمعتك، لن تغتسل مما غصت فيه من الهوان والعار حتى لو استفدت من عفو أو تم تدبير تبرئتك، فأنت الآن كأجرب أجدم مطلي بالقطران  يعاف الناس الاقتراب منه. ترى ما عساك تقول لنفسك اليوم؟ وبأي لون تمر بذهنك ذكرياتك المعجونة من الشرور والضغائن؟

لقد جندت كل طاقاتك، بالرغم من تعدد مشاغلك، لتعقيد أحوال الكادحين، كم من العمال تآمرت عليهم وشردتهم، وكم أجهدت نفسك للتنكيل بممتهني الطاكسي، بكل إصرار تجتهد لتبوء كل جهودهم الرامية إلى تحسين ظروف ممارسة مهنتهم  بالفشل، قطعت رزق الشرفاء منهم أو ضيقته، وقربت الوضيعين منهم، حتى صرت أكثر من القايد سي عيسى في قصائد الشيخة خربوشة. زرعت المخبرين والواشين ومتعتهم بالحظوة، وها هم اليوم يرنون إلى من عساه يخلفك، ويجمعون ما يكفي من اللعاب في أفواههم ليلعقوا حذاءه، تماما كما يتناول مشيعو ميت طعام الجنازة ويتفرقون.

أكاد أتخيلك تقبع في زنزانة تشهد على اختلاف الأحول والمقامات، زنزانة ربما تمدد على بلاطها أبطال وطنيون عظماء وشرفاء  بعد جولة تعذيب وحشي حتى إنسلخ جلدهم عن لحمهم، قد يرمون بك في زنزانة مر منها مولاي بوبكر الدريدي أومصطفى بلهواري أو سعيدة المنبهي قبلهما. زنزانة شهدت انطلاق كرنفال الشهادة.

انت في زنزانتك الرطبة المظلمة ليس لأن سلطة العدالة قوية مستقلة مهابة الجانب، أو لأن العدل التاريخي قد تحقق، وإنما انت هناك كأكسسوار لتأثيث مشهد مسرحي عابر، لقد كان المخرج في حاجة إلى كومبارس ينشط مشهدا تحت عنوان “الشفافية ومحاربة الفساد”، لكن حظك العاثر جعلك تكون أنت ذلك الكومبارس، المخزن سيدك وصاحب الفضل عليك، اكتسب عبر قرون طويلة مهارة التنكر بحسب الظروف، يتوشح في كل مناسبة بالوشاح المناسب، لكن لا وفاء له إلا لنفسه، يوظف الكثير من الناس المناسبين للمرحلة، لكنه يتخلص منهم عندما يشعر أنه بأمان، لقد مر قبلك من هو أعتى منك وأجبر، لقد مر أوفقير والدليمي والبصري… لكن نهاية كل واحد منهم كانت أسوأ من الآخر، والثابت في سلوك المخزن التنكيل بخدامه كما معارضيه تماما، المخزن كائن خلق دون قلب، دون عاطفة.

ربما تتمتع بدهاء كبير، لكنك لم تلتقط الإشارات القادمة من مدرجات “فبلادي ظلموني” الرجاوية أو “القلب حزين” الودادية أو “أيام الحكرة والظلام” العسكرية او “غير الرشوة والفساد” الطنجاوية، وهي الإشارات التي تتوافق تماما مع شعارات الطبعة الثانية من الربيع العربي في الجزائر والسودان والعراق ولبنان، حيث يشير المتظاهرون بالأصبع التابث الى الفساد والرشوة قبل عيوب السياسة، والمخزن، سيد نعمتك، فهم الرسالة وقرر تغيير الوشاح مرة أخرى، لقد أعطى إشارات بذلك، ومال في  خطاباته إلى انتقاد الإدارة، لكنك لم يسعفك فهمك في الإفلات بجلدك وأنت الذي تجاوز سن التقاعد منذ سنتين أو ثلاث، أبيت إلا أن تتشبث بكرسيك دون أن تعلم أنك ستعدم عليه.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت