عاش المغرب إبان حكم السلطان السعدي، أحمد المنصور الذهبي، إحدى أبرز محطاته التاريخية ازدهارا. لكن قبل ذلك، كان الصراع حول السلطة على أشده. بعض المراجع التاريخية تعتبر أنه، لولا امرأة اسمها سحابة الرحمانية، ما انفكت خيوط هذا الصراع.
كيف ذلك؟ تلك هي القصة التي نتعرف عليها ضمن هذا البورتريه عن سحابة الرحمانية.
بعد أن اغتال العثمانيون السلطان السعدي محمد الشيخ، عام 1557، شب بين أبنائه صراع شرس حول السلطة، انتهى بتولي عبد الله الغالب بالله، الحكم، وفرار أخيه عبد الملك إلى الجزائر.
حين توفي السلطان عبد الله، عام 1574، كانت التقاليد تفترض أن يؤول الحكم من بعده إلى أخيه الأكبر سنا، وقد كان في هذه الحالة، عبد الملك. لكن ابنه محمد، الملقب بالمتوكل، استولى على الحكم حينذاك.
في هذه الفترة، ستظهر في المراجع التاريخية سحابة الرحمانية، وقيل في مراجع أخرى إن اسمها مسعودة الوزكيتية. أيا كان اسمها، ستلعب هذه المرأة دورا سياسيا بالغ الأثر في فترة حرجة من تاريخ المغرب.
لا تذكر هذه المراجع شيئا عن حياة سحابة الرحمانية، فلا إشارة إلى تاريخ ميلادها ولا وفاتها، ولا كيف شبت ولا شابت، عدا أنها من قبيلة الرحامنة.
لكنّ سحابة هذه، هي زوجة السلطان محمد الشيخ، وأم أبنائه، عبد الله الغالب وعبد الملك وغيرهم. أما المتوكل، ابن عبد الله، فقد كان ابنه من إحدى إمائه.
قيل في مراجع أخرى إن اسمها مسعودة الوزكيتية. وأيا كان اسمها، ستلعب هذه المرأة دورا سياسيا بالغ الأثر في فترة حرجة من تاريخ المغرب.
نظرا لفطنتها وما خبرته في دهاليز القصور، تمتعت سحابة بقراءة جيدة للحظة السياسية، فكانت على دراية بموقع المغرب في الخريطة السياسية الدولية، وحدوده فيها… كل هذا ستوظفه في مسعاها: مبايعة ابنها عبد الملك، سلطانا على المغرب.
هكذا، وبالرغم من أن العثمانيين قد ذبحوا زوجها محمد الشيخ، وعلقوا رأسه في قلعة بالقسطنطينية، إلا أنها لجأت إليهم قصد بلوغ غايتها.
يشير العلامة المغربي عبد الله كنون في كتابه “موسوعة رجال المغرب”، إلى أن عبد الملك بعدما كان فارا إلى الجزائر، التجأ وأمه إلى اسطنبول، واستقرا في كنف السلطان العثماني سليم الثاني.
أمل عبد الملك في أن يعينه السلطان العثماني في زحزحة أخيه عن العرش ولاحقا ابن أخيه، لكن عبد الله الغالب كان على صلة جيدة بالعثمانيين، فلم يجب السلطان العثماني طلبه.
ثم حدث ذات يوم، دائما وفق كنون، أن بلغ عيث الإسبان بتونس أشده، ففكر السلطان العثماني في توجيه حملة عسكرية لفتحها وطرد الإسبان منها، فانتدب عبد الملك لمرافقتها.
حين توفي السلطان عبد الله، عام 1574، كانت التقاليد تفترض أن يؤول الحكم من بعده إلى أخيه الأكبر سنا، وقد كان في هذه الحالة، عبد الملك. لكن ابنه محمد، الملقب بالمتوكل، استولى على الحكم حينذاك.
انتصرت الحملة على الإسبان، فيما كان السلطان العثماني يترقب ليل نهار البحر لعل خبرا يصله عنها. حينها، كان الغزاة الأتراك قد جهزوا ثلاث مراكب بحرية لإبلاغ خبر الفتح إليه.
لكن عبد الملك، وفق ما يورده كنون، ذهب إلى أصحابه، وقال لهم: “اخرجوا في هذه الفرقاطة إلى اسطنبول واذهبوا بكتابي إلى أمي بدار السلطان وادفعوه لها إن سبقتم المراكب الثلاثة وإن سبقتكم فلا تدفعوه”.
سارت الفرقاطة ليلا قبل سفر مراكب السلطان، فوصلت قبلها، ثم دفع أصحابها كتاب عبد الملك إلى سحابة، فقامت إلى السلطان مسرعة، فوجدته يراقب البحر، ثم بشرته بالفتح فيما اندهش بهذا السبق.
هذه الواقعة كانت سببا مباشرا في قبول السلطان العثماني طلب عبد الملك، فأصدر أمرا حملته سحابة إلى والي الجزائر ليساعد ابنها على استعادة ملك أبيه.
يقول كنون: “وهكذا أدت هذه السيدة مهمتها كما يجب وسجلت اسمها في تاريخ المغرب، وقد كانت من أهم العوامل على نجاح قضية ابنها”.
سار الجيش العثماني حتى بلغ نواحي فاس دون صعوبة، وكان عبد الملك في الأثناء يراسل وجوه الدولة ورؤساء الجنود، وقد اتضح أن قلوبهم كانت معه على ابن أخيه، المتوكل، الذي اعتبرته كتب التاريخ، متعجرفا ومتكبرا لم يحظ بشعبية كبيرة.
كان الاحتماء بالأجانب غير المسلمين، يقول كنون في كتابه “موسوعة رجال المغرب”، فعلا مذموما، لم يلاحظ كظاهرة سيئة في المغرب قبل هذا العهد. أحس المتوكل بشناعة فعلته، فراسل أعيان المغرب وأشرافه يبرر ما قام به، لكنهم قابلوه بإبطال كل حججه.
حين تقابل عبد الملك والجيش العثماني مع المتوكل، مال معظم رجال الأخير إلى عمه، ففر إلى مراكش، ثم دخل عبد الملك فاس، فبايعه أهلها وأقام بها أياما، ثم ودع جيش العثمانيين واستصلح جيشه ثم قام لملاحقة المتوكل إلى مراكش.
فر المتوكل مرة أخرى إلى سوس، دون جدوى. ثم إلى بادس التي سلمها والده إلى الإسبان، طمعا في أن يعينوه، دون جدوى أيضا. بعدها، فر إلى سبتة ثم إلى طنجة، مستنجدا بملك البرتغال، وقد كانت طنجة حينذاك في حكمه… وهناك، أخيرا، وجد أحدا ينجده.
كان الاحتماء بالأجانب غير المسلمين، يقول كنون في كتابه “موسوعة رجال المغرب”، فعلا مذموما، لم يلاحظ كظاهرة سيئة في المغرب قبل هذا العهد. أحس المتوكل بشناعة فعلته، فراسل أعيان المغرب وأشرافه يبرر ما قام به، لكنهم قابلوه بإبطال كل حججه.
في الأخير، وقعت إحدى أشهر المعارك في تاريخ المغرب، معركة وادي المخازن، وقد سميت بمعركة الملوك الثلاث؛ ذلك أن ملك البرتغال والمتوكل وعبد الملك، راحوا ضحيتها جميعا.
بعد ذلك، تولى أحمد المنصور الذهبي، أخ عبد الملك وابن سحابة، الحُكمَ، وقد كان من أبرز سلاطين المغرب على امتداد تاريخه، ذلك أنه قد وسم عهده بالازدهار والرخاء.
هكذا، لولا سحابة، تقول كتب التاريخ، لسارت الأمور في منحى آخر.
كريم الهاني / موقع مرايانا