د. يوسف توفيق
لا أعرف كيف ورد اسمي في لائحة الحكومة الجديدة، فلست منتميا الى حزب او نقابة وما امت الى احد الواصلين بقرابة، بل لم يسبق لي ان اشتغلت بالسياسة ولا تدخلت في أي من الشؤون الحساسة.
جاءني اتصال من رقم غريب يختلف عن أرقامنا الهاتفية، وصوت قوي كان يصل سمعي واضحا يخبرني فيه بأني عينت في الحكومة وعلي أن التحق بعين المكان في تاريخ محدد بالساعة والدقيقة ..طبعا اعتبرت الامر مزحة ثقيلة من احد الاصدقاء لكن اتصالا ثانيا أعقبه بعد دقائق معدودة من شخص آخر أكد الامر ذاته واخبرني ان السائق سوف ياتي قبل الموعد بساعة لكي يقلني الى المكان المعلوم من اجل بعض الاجراءات والترتيبات وطلب مني ان ارتدي قميصا ابيض وبذلة سوداء وربطة عنق في اللون نفسه ..فبدأت عفاريت الشكوك تنط في راسي وتخيلت الرفاق يضحكون ويسقطون على قفاهم من الضحك على المقلب الذي اوقعوني فيه لسذاجتي وأنا ارتدي البذلة المعلومة وأقف على ناصية الشارع انتظر السائق الذي سيقلني ..لكن شكوكي ستتوقف وبشكل نهائي بعد اتصال ثالث وهذه المرة من رئيس الحكومة بلسانه وبحته الصوتية ومن لا يعرف باحة رئيس الحكومة الصوتية؟ هنأني بالوزارة وقال إنه يشرفه ان اكون في حكومته وتمنى ان اوفق في مهامي وان اكون في مستوى تطلعات البلاد والعباد فقطعت الشك باليقين وقرصت نفسي لأتأكد من اني في علم وليس في حلم ..وبدأت الاتصالات في التهاطل على هاتفي بعد ان سرى الخبر في الجرائد الالكترونية وخصوصا منها التي تنشر عناوين من قبيل فلان في وزارة كذا وهاعلاش ..او مثل: فلان وزير في وزارة كذا وها كيفاش..او مثل: فلان في وزارة كذا وهاذي سيرته .. وانا اكتفي بعبارات شكر قصيرة فقد اثقلت المفاجأة لساني وزعزعت الصدمة كياني و صرت لا أعرف ماذا أقدم وماذا أؤخر..وطارت زوجتي بالفرحة عندما قرات ذلك في الفيسبوك حتى دمعت عيناها وسرت فيها طاقة عجيبة وأخذت ترتب البيت وتزيل آثار حياتنا السابقة البئيسة ولم تمر الا ساعة او اكثر حتى غص المنزل بالمهنئين من الاقارب والجيران والمعارف والاصدقاء ومن بينهم اشخاص لم يسبق لي ان رايتهم في حياتي وجيران لم يكن يربطني بهم حتى السلام والبعض يحمل في يده اظرفة متفاوتة الحجم واللون حتى ان جدارا صغيرا يفصل بين الصالون وردهة الدخول كنا نضع عليه المفاتيح وما يتبقى في الجيب من عملات معدنية صغيرة امتلأ عن آخره بالاظرفة ..وأنا تائه وحائر وافكر في سبب وجيه واحد أعين من اجله وزيرا فأنا لست من الكفاءات ولا املك شهادة من كندا او الولايات المتحدة ولا اتقن اية لغة اجنبية ولا اعرف في المعلوميات ولا في التواصل فقلت مع نفسي ربما قرأ واحد من الذين يعينون في هذه المناصب احد مقالاتي في الفيسبوك فأعجبه وقرر في حالة غاية في الغرابة والمزاجية ان يعينني وزيرا ..وتذكرت اني لست الوحيد الذي عين في هذه المناصب بهذه الطريقة القدرية العجيبة فكثيرون عينوا فيها من غير حول منهم ولا قوة، بل منهم من لم يكن يطولها حتى في خياله وعميق احلامه وانتظرت لساعات لا اعرف قدرها ان يخلو البيت من المهنئين و تناولت هاتفي فوجدت تعليقات كثيرة من اصدقائي ودعوات صداقة من جدد ورسائل وفيديوهات واعترتني رغبة جامحة في الكتابة وتذكرت اني الان وزير في حكومة وليس علي ان اكتب في الفيسبوك الا بمقدار صغير فحز ذلك في نفسي واعترتني غمة شديدة وتحسرت على مستقبلي الادبي الذي سيضيع في هذه المهمة البليدة وتأملت حسابي في الفيسبوك ومر شريط ذكرياتي معه امام عيني وبدات ابكي وابكي وانتحب حتى افقت من نومي مذعورا فحمدت الله على نعمة الفيسبوك وبدات اكتب ما رأيت.