لم يكن حتى أشد المتشائمين يتوقع البتة أن تتحطم آمال وأحلام الجماهير المغربية عامة والودادية خاصة على صخرة التحكيم بتلك الطريقة الفظيعة وغير المسبوقة في تاريخ كرة القدم. وهي التي ظلت تترقب بلهفة كبيرة أن تعيد “وداد الأمة” إنجاز الرجاء البيضاوي خلال عام 1999، وتعود سالمة غانمة من “معركة” نهائي عصبة أبطال إفريقيا إلى أرض الوطن حاملة معها كأس اللقب، بعد تحقيق الفوز على غريمها نادي الترجي التونسي في مقابلة الإياب بملعب راديس الأولمبي يوم 31 ماي 2019، بعد أن كانت مباراة الذهب انتهت قبل أسبوع بالتعادل الإيجابي 1/1 في المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط.
بيد أن الحكم الدولي الغامبي باكاري غاساما كان له رأي آخر، حيث أنه لأمر في نفسه أبى إلا أن يستغل ما قيل عنه عطل في تقنية التحكيم بالفيديو “الفار”، ويقدم أمام مرأى ملايين المشاهدين على ذبح الفريق المغربي نادي الوداد البيضاوي، عبر عدم احتساب هدف التعادل الذي أحرزه اللاعب الودادي وليد الكرتي في الدقية 59 بدعوى تسلل، مما اضطرت معه عناصر الوداد إلى المطالبة بالاحتكام إلى جهاز “الفار”، قصد الحسم في صحة الهدف من عدمها لتطمئن قلوبها، رافضة مواصلة المبارة إلى حين أن يتحقق ذلك أو اتخاذ قرار إرجاء المقابلة إلى وقت لاحق تكون فيه جميع الشروط التنظيمية متوفرة للفريقين معا. لكنه وبعد استشارة حكام غرفة “الفار” الصوري الذي وضع للتمويه فقط، أصر على عدم تلبية طلبهم بحضور رئيس الاتحاد الإفريقي، ويعلن بعد مضي أزيد من ساعة ونصف على توقف اللعب عن تتويج الترجي التونسي باللقب.
وهو القرار الذي أثار جدلا واسعا في الأوساط الرياضية وموجة عارمة من السخط والسخرية على منصات التواصل الاجتماعي وفي مختلف وسائل الإعلام الدولية بما فيها التونسية، إذ هناك من اعتبر أن المشكل يعود إلى عدم وجود تقنيين تونسيين متخصصين في إصلاح “الفار”، وهناك من اعتبر أن إهداء اللقب على طبق من ذهب للفريق المضيف دون إتمام المباراة، فضيحة كبرى ستظل راسخة في أذهان الرياضيين وسجلات كرة القدم العالمية، وهناك من رأى أنها وصمة عار على جبين الاتحاد الإفريقي الذي أوعز إلى الحكم بتنفيذ القرار الكارثي، ليوجه بذلك ضربة أخرى قاصمة إلى ظهر كرة القدم الإفريقية، ونحن على مشارف نهائيات كأس الأمم الإفريقية المزمع تنظيمها في مصر ما بين 21 يونيو و19 يوليوز 2019.
وجدير بالذكر أن الفريق التونسي “المتوج” باللقب كان قد اعترض في البداية على تعيين الحكم غاساما لقيادة النهائي ثم سرعان ما تجاوز الأمر لأسباب وحده يملك حقيقتها. وغاساما هذا هو نفس الحكم الذي ظل يثير الكثير من اللغط حول تحكيمه السيء في عديد المقابلات، كانت آخرها تلك التي جرت بين نادي الأهلي المصري وصن داونز الجنوب إفريقي في إياب دور الثمانية من نفس دوري أبطال إفريقيا، حيث اتهمته الفعاليات الرياضية والجماهير المصرية العريضة بانحيازه التام للفريق الخصم، إثر حرمانهم من هدف مشروع وتغاضيه عن ضربتي جزاء حقيقيتين وتوزيع البطاقات الصفراء بسخاء على عناصر الفريق الأحمر، وكأن الرجل يعاني من حساسية مفرطة للون الأحمر. فهل كان ضروريا أن يتم تعيينه من جديد لإدارة مقابلة بدت أكبر حجما من مستوى تحكيمه الهزيل وملايين الأنظار في العالم متجهة إليها عبر القنوات التلفزيونية الرياضية؟ ألم يتعظ من قرار إيقاف الحكم المصري جهاد جريشة لمدة ستة شهور، على خلفية أدائه الضعيف وإلغاء هدف ضربة جزاء محققين لفريق الوداد رغم استعانته بتقنية الفيديو في أكثر من مناسبة، عند إدارته لذهاب نهائي الدوري بين الفريقين بالمغرب؟ وهل من الأخلاق العالية والروح الرياضية السامية أن يتوج فريق كروي ذو شهرة دولية بقرار إداري خارج رقعة الملعب؟ فأي مذبحة لفريق الوداد البيضاوي أشنع من ذلك؟
فأمام هذه المهزلة الكروية المستفزة لمشاعر ملايين المغاربة، يتأكد مرة أخرى أن التحكيم الإفريقي مازال ضعيفا وغير قادر على التخلص من قبضة بعض المفسدين، الذين لا يريدون للكرة الإفريقية أن تنهض وتتطور، وهي التي ما انفكت تغذي الفرق الأوربية بأجود اللاعبين الموهوبين. إذ لا تكاد مباراة في البطولات الإفريقية تخلو من أخطاء متعمدة وقرارات جائرة انعكست آثارها الوخيمة على فرق دون أخرى وخاصة منها المغربية، وهي المهازل والمذابح التي يبدو أنها لن تتوقف مستقبلا مادام التحكيم الإفريقي خاضعا لجهات نافذة، تتحكم في مصير البطولات الإفريقية…
إن المذبحة الشنيعة التي ذهب ضحيتها فريق الوداد البيضاوي ومن خلاله كل الفرق المغربية خاصة والإفريقية عامة، تستدعي وقفة صارمة لإعادة ترتيب الأمور وإيقاف ما يجري من تسيب داخل الاتحاد الإفريقي”كاف”، الذي لا نعتقد أن يحجب قرار رئيسه الملغاشي أحمد أحمد بعقد اجتماع طارئ للجنة التنفيذية يوم الثلاثاء 4 يونيو 2019 بشاعة الحادث وينصف الفريق المغربي، أو أن يأتي بما يلزم من حلول ناجعة ولو من خارج القارة الإفريقية للنهوض بالرياضة الأكثر شعبية، ما لم نتحرر من هيمنة لوبيات الفساد على مفاصل الاتحاد…
اسماعيل الحلوتي