عامل بن جرير يتوسط رئيس المجلس الاقليمي ورئيس المجلس البلدي
بعد التقرير الصادم الصادر عن المفتشية العامة للإدارة الترابية الذي عرّى اختلالات تسيير بلدية ابن جرير،يخصص المجلس الجهوي للحسابات بمراكش مهمة رقابية جديدة للجماعة تتناول مشاريعها المتعثرة،بينها مشروع السوق الأسبوعي،الذي كان الملك محمد السادس وضع حجره الأساس،في نونبر من 2012،قبل أن تتوقف الأشغال ويتحول إلى بنايات متفرقة و متصدعة،بسبب ما تعتبره هيئات حقوقية محلية “اختلالات مالية شابت إبرام صفقتي إنجازه، وأخرى تقنية متعلقة بأشغال بنائه”.
وبعد مرور حوالي 14 سنة على آخر مهمة رقابية له ببلدية ابن جرير، من المقرّر أن يشرع قضاة المجلس الجهوي للحسابات في مهمتهم الجديدة ،ابتداءً من يومه الجمعة،بعد أن كانوا حلوا بمقر الجماعة، الثلاثاء المنصرم،وطلبوا من المسؤولين بها مدّهم بالوثائق الخاصة بصفقات ثلاثة مشاريع متعثرة.
سوق متعثر يكلف أكثر من 4 ملايير سنتيم
يتعلق الأمر بمشروع السوق الأسبوعي المحاذي لحي “التقدم”،شمال المدينة،والذي أبرمت الجماعة صفقتين اثنتين لإنجازه،في سنة 2013،مع مقاولة واحدة بغلاف مالي و صل إلى مليارين و800 مليون سنتيم،التزمت البلدية بالمساهمة في تمويلهما بمليار و400 مليون سنتيم،بواسطة قرض من صندوق التجهيز الجماعي،على أن تساهم وزارة الداخلية بمليار سنتيم،فيما يؤدي المجلس الإقليمي للرحامنة 400 مليون سنتيم لاقتناء العقار الخاص بالمشروع،الممتد على 20 هكتارا.
انطلقت الأشغال، في السنة نفسها، وحددت مدتها في عامين،غير أن تعليمات صادرة عن رئيس المجلس البلدي السابق،باستشارة مع العامل السابق للإقليم، أوقفت إحداث مرافق مهمة منصوص عليها في دفتر التحملات،من قبيل المجزرة البلدية،بذريعة أن المنطقة الصناعات الغذائية التي يجري إنجازها بالمدينة كان مبرمجا أن تحتضن مجزرة مفترضة،ودون أن يتم تعديل دفتر التحملات، بالرجوع إلى المجلس الجماعي،أعطيت التعليمات،مرّة أخرى،للمقاولة بإنجاز أشغال غير واردة في التصميم ولا في كناش التحملات،إذ ارتفع،مثلا، عدد الدكاكين المشيدة بالسوق ليصل إلى حوالي 250 محلا تجاريا.
ظلت وتيرة إنجاز الأشغال بطيئة ومتعثرة إلى أن قررت البلدية فسخ الصفقتين مع المقاولة،التي أكد مصدر مطلع بأنها توصلت بحوالي مليار و400 مليون سنتيم،سددتها لها البلدية من قرضها من صندوق التجهيز الجماعي،الذي تسلمت منه مليار و300 مليون سنتيم،ومن الشطر الأول من حصة وزارة الداخلية،الذي وصل إلى 650 مليون سنتيم.
بعد مرور أكثر من ست سنوات على وضع حجره الأساس،لا زال السوق غير مكتمل الإنجاز،ولا يتوفر،حاليا، على البنيات التحتية الأساسية،من صرف الصحي،إنارة العمومية،وتهيئة داخلية وخارجية،واقتصرت الأشغال المنجزة على الدكاكين المذكورة، محلات صغيرة للشواء،مراحيض،فضاء مغطى للجزارين،وآخر لبيع الحبوب،وهي المرافق التي يحيط بها سور متصدع،مشيد من الآجُرّ Briques ،لا يُتوقع بأن يصمد طويلا أمام التدافع والزّحمة اللتين تشهدهما،عادة،الأسواق الأسبوعية.
اختلالات تقنية ومسطرية..
ترجع جمعيات حقوقية تعثر هذا المشروع الملكي إلى ما تعتبره “إخلالا بمسؤولية مراقبة وتتبع سير الأشغال من طرف مكتب الدراسات والقسم التقني بالجماعة”،ناهيك عمّا تصفه بـ”المسؤولية السياسية والقانونية التي يتحملها رئيسا البلدية السابق والحالي”،موضحة بأن الاختلالات بدأت باختيار بقعة أرضية غير مستوية،إذ تخترقها منحدرات تستلزم إحداها إحداث قنطرة داخل السوق.
كما تشير الهيئات نفسها إلى ما تعتبره “عدم إعمال للشفافية منذ انطلاق الأشغال”، إذ لم يتم وضع لوحة تحمل البطاقة التقنية للمشروع، بل إن الرئيس الحالي للمجلس يرفض تسليم المعارضة نسخة من محضر تسليم السلط مع سلفه،والذي من المفترض أن تتم فيه الإشارة إلى المشاريع الجارية بالمدينة،ومن بينها مشروع السوق الأسبوعي الجديد.
ولم تتم بعد تسوية الوضعية القانونية للعقار مع مالكيه،الذين رفعوا دعوى قضائية ضد البلدية،بسبب عدم سلك المجلس للإجراءات القانونية لمسطرة نزع الملكية،وتدني المبلغ الذي حددته لجنة التقويم في 20 درهما للمتر المربع،والذي اعتبروه متدينا في ظل الطفرة العقارية التي شهدتها المدينة خلال سنوات الأخيرة.
وتطالب هذه الجمعيات بفتح بحث قضائي تمهيدي في شأن ما تعتبره “اختلالات مالية وتقنية شابت المشروع”،الذي تقول بأن أشغاله لم تحترم المواصفات التقنية الواردة في دفتر التحملات والدراسات التقنية.
لفتيت يضخ أموالا جديدة
أمام تعثر هذا المشروع الملكي، اضطرت البلدية، التي يسيرها حزب الأصالة والمعاصرة منذ 2009، لتعبئة اعتمادات مالية إضافية لتكملة الأشغال،فقد توجهت بطلب لوزارة الداخلية من أجل منحها مساعدة مالية إضافية لإخراج السوق إلى حيز الوجود،وهو الطلب الذي تمت الاستجابة إليه،منتصف السنة المنصرمة،حيث قررت الوزارة تقديم دعم جديد لها بمليار و300 مليون سنتيم،بالإضافة إلى 350 مليون سنتيم المتبقية من حصتها الأولى.
كما صادقت لجنة المالية،المنبثقة عن المجلس الجماعي،مؤخرا،على مقترح بتخصيص 250 مليون سنتيم من الفائض المحقق برسم السنة المالية المنصرمة،و120 مليون سنتيم في إطار تحويل اعتماد مالي لإتمام بناء السوق،وهما المقترحان اللذان من المقرّر أن يكون المجلس قد تداول في شأنهما،خلال الجلسة الأولى من دورة فبراير الجاري،الملتئمة أمس الخميس،علما بأن البلدية لم تتمكن من تغطية عجزها المالي وتحقيق فائض إلا بعد أن تسلمت،مؤخرا،شيكين من المجمع الشريف للفوسفاط، تبلغ قيمتهما المالية 860 مليون سنتيم،كواجبات للحصول على رخصتين من البلدية لإحداث تجزئتين سكنيتين بالمشروع الملكي “المدينة الخضراء”.
وتُضاف هذه الاعتمادات المالية الجديدة إلى 500 مليون سنتيم المتبقية من المبالغ غير المصروفة للمقاولة ،و100 مليون سنتيم المتبقية من قرض صندوق التجهيز الجماعي،وهي الاعتمادات التي جمّعتها البلدية من أجل تمويل أربعة صفقات أطلقتها،مؤخرا،وتتعلق الأولى بالتهيئة الداخلية للسوق، بتكلفة مالية تصل إلى مليار سنتيم،وتشمل أشغال إحداث قنطرة داخله،مد قنوات الصرف الصحي،شق طريق رئيس وممرّات،تبليط فضاء خاص بتجار الخضر والفواكه،وتبلغ القيمة المالية للصفقة الثانية الخاصة بإحداث مجزرة بلدية إلى حوالي 650 مليون سنتيم،وتناهز الصفقة الثالثة للتهيئة الخارجية للسوق المبلغ السابق،فيما تصل تكلفة الصفقة الرابعة المتعلقة بالإنارة إلى 400 مليون سنتيم.
وإذا أضفنا القيمة المالية الإجمالية للصفقات الأربع الأخيرة،التي تتجاوز مليارين و700 مليون سنتيم،إلى المليار و400 مليون سنتيم التي تقاضتها المقاولة نظير الأشغال “المتعثرة” التي أنجزتها، و400 مليون المخصصة لاقتناء العقار،فإن مصاريف إنجاز أشغال السوق تكون قد وصلت،حاليا، إلى 4 مليارات و500 مليون سنتيم، دون احتساب تكاليف الدراسات التقنية والتصاميم،علما بأن القيمة المالية للعقار مرشحة للارتفاع،على اعتبار بأن الجماعة خسرت،خلال السنوات الأخيرة،دعاوى قضائية أقامها ضدها أشخاص انتزعت منهم أراضيهم بسومة متدنية،و بدون احترام مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة،وقد رفع القضاء الإداري مبلغ التعويض على هذه الاعتداءات المادية على أملاك خاصة،لتصل المبالغ المحكوم بها ضد الجماعة إلى أكثر من 3 مليار و400 مليون سنتيم،ناهيك عن 86 دعوى أخرى مرفوعة ضدها أمام القضاء حول الموضوع نفسه.
مركب مهني في خبر كان
مشروع ثان متعثر بابن جرير من المقرّر أن يخضع لرقابة قضاة المجلس الجهوي للحسابات بمراكش،ويتعلق بالمركب المهني بحي “الوردة”،الذي كان مفترضا إحداثه بمقتضى اتفاقية شراكة مبرمة بين البلدية ووزارة الصناعة التقليدية،في سنة 2014،من أجل إحداث 250 محل مخصص لما يسمى بـ”المهن المزعجة”، وقد التزمت الجماعة الحضرية،في الاتفاقية التي صادق عليها المجلس الجماعي منذ أكثر من أربع سنوات،بالمساهمة فيها بمبلغ 900 مليون سنتيم مع تسوية العقار الذي كان مزمعا إقامة المشروع عليه،الممتد على حوالي هكتار،والذي تعود ملكيته لإدارة الأملاك المخزنية،فيما تساهم الوزارة بمليار سنتيم في تمويل أشغال بناء المحلات.
وقد التزمت الوزارة بما تعهدت به،فقد وضعت المبلغ المتفق عليه في الحساب الخاص بالجماعة في قباضة المدينة،على دفعتين،500 مليون سنتيم الأولى،في سنة 2015،والدفعة المتبقية في السنة الموالية،ولكن البلدية تعثرت،مرة أخرى،في إنجاز مشاريعها،فلقد عجزت عن توفير مبلغ مساهمتها،لتضطر إلى مراسلة وزارة الصناعة التقليدية من أجل تعديل الاتفاقية،بما يضمن لها التنصل من التزاماتها المالية السابقة،بمبرّر إرجاء تنفيذ هذه الالتزامات إلى شطر ثان مفترض للاتفاقية، وهو الطلب الذي استجابت له الوزارة،ولكن على أساس تخفيض عدد المحلات المزمع تشييدها إلى 153 محلا مهنيا.
ورغم مرونة وزارة ساجد في تعاملها مع بلدية عاصمة الرحامنة،فقد استنكف المجلس الجماعي عن الإعلان عن طلبات تلقي عروض لتنفيذ الصفقة،بل إنه لم يقم حتى بسلك مسطرة تسوية وضعية العقار،التي كان من المفترض أن تنتهي بتحويله من الملك العام للدولة إلى الملك الجماعي الخاص، في الوقت الذي تقول فيه الجمعيات المحلية المعنية بحماية المال العام،بأن الرئيسين الحالي للمجلس وسلفه كانا،خلال الولايتين السابقة وبداية الحالية، يصرفان بسخاء على أنشطة ظاهرها اجتماعي وعمقها انتخابوية صرف،وكانا يتباهيان،خلال دورات المجلس، بـ”إنجازاتهما في مجال المقاربة الاجتماعية”،التي كانا يختزلانها في صرف المنح للجمعيات،التي وصلت خلال السنة المالية التي أبرمت فيها الاتفاقية المذكورة،إلى أكثر من 800 مليون سنتيم،دون احتساب منحة 440 مليون سنتيم المقدمة سنويا لجمعية النائب الأول للرئيس،الذي كان يشغل مهمة نائب للرئيس،أيضا، خلال الفترة الانتدابية السابقة،و ناهيك عن كونه يوجد في حالة تنازع للمصالح، فإنه لا يقدم أية تقارير مالية وأدبية، طيلة السنوات التي استفادت فيها جمعيته من الدعم المالي، ابتداءً من 2011 وحتى السنة الحالية.
الصم والبكم بدون مركز
المشاريع الاجتماعية ليست أفضل حالا من المشاريع الاقتصادية والمهنية بابن جرير، فقد تعثر مشروع لإحداث مركز خاص بالأطفال الصم والبكم،بتكلفة مالية إجمالية تصل إلى 220 مليون سنتيم،فرغم تصويت المجلس الجماعي، في إحدى دوراته، قبل أكثر من أربع سنوات،على مقرّر بشأن اتفاقية لإنجاز هذا المرفق الاجتماعي بحي “الرياض”،على مساحة تقدر بحوالي 400 متر مربع،فلم يعمل لا الرئيس السابق أو الحالي على الإعلان عن صفقة إنجازه، باعتبارهما السلطة التنفيذية للجماعة،رغم مصادقة وزارة الداخلية على المقرّر الجماعي.
وكان المجلس صادق على برمجة 120 مليون سنتيم في ميزانية التجهيز، برسم السنة المالية لـ 2014، لتمويل أشغال البناء، فيما المبلغ المتبقي كان مبرمجا تمويله من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من أجل إحداث المركز،الذي كان مفترضا أن يحتوي على أقسام دراسية،وفضاء للألعاب الخاصة بالأطفال الصم والبكم،الذين يتجاوز عددهم 15 طفلا بالمدينة.
رئيس البلدية: نحن من طلبنا التدقيق
نفى عبد العاطي بوشريط،رئيس بلدية ابن جرير،بأن تكون المهمة التي يقوم بها المجلس الجهوي للحسابات رقابية،موضحا،في اتصال أجرته معه “أخبار اليوم”،بأنه وفي إطار اللقاءات التواصلية التي عقدها المجلس الجهوي مع العديد من رؤساء الجماعات،أرسل إليهم مذكرة لملئها بالمعطيات الخاصة بالمشاريع المتعثرة في كل جماعة ترابية.
وتابع بوشريط بأن بلديته عرضت بعض المشاريع على أنظار المجلس،وتتعلق بالسوق الأسبوعي،مركب الأنشطة الحرفية،مركز الصم والبكم،ومركز للقرب بحي “الشعيبات”،وهي المشاريع التي قال بأن قاضيين من المجلس قاما بمعاينة أوراشها،قبل أن يطلبا من الجماعة مدّهما بالوثائق الخاصة بكل مشروع.
وبخصوص مشروع السوق الأسبوعي،أشار إلى أن وزارة الداخلية خصصت دعما ماليا جديدا للبلدية،قيمته مليارا و300 مليون سنتيم،كما موّلت صفقة جديدة للتهيئة الخارجية للسوق،بتكلفة مالية تصل إلى 830 مليون سنتيم.
أما في ما يتعلق بمشروع مركب الأنشطة المهنية، فقد أكد بأنه تم الانتهاء من أشغال تجهيز البقعة الأرضية المزمع إحداثه عليها،والممتدة على حوالي هكتارين، وهي العملية التي قال بأن مؤسسة العمران هي من موّلتها.
وعزا تعثر مشروع مركز الصم والبكم إلى الصعوبات المتعلقة بتسوية العقار،و عدم كفاية الاعتماد المالي المخصص له،والذي قال بأنه لا يغطي سوى الجزء الأول،المتعلق بالمرافق الإدارية.
عبد الرحمان البصري (أخبار اليوم)