عبد الرحيم الضاقية
أصدرت مؤسسة أفاق للدراسات والنشر والاتصال بدعم من وزارة الثقافة في إطار سلسلة مراكشيات التي تعنى بحاضر وماضي الحاضرة الحمراء . وقد تضمن المؤلف مجموعة من الدراسات والأبحاث التي أنجزها كتاب ومتخصصون في تاريخ ومجال حاضرة سبعة رجال من مشارب فكرية ومدارس مختلفة مما أضفى على المؤلف تنوعا في المقاربات ووجهات النظر. فالمدينة التي نمت من مجرد أرض خلاء انطلاقا ن حصن دار الحجر على مدى ألف سنة من التشييد والبناء وكذلك الهدم وإعادة التخطيط تستحق من الباحثين الالتفات لها ودراسة مسار العمران بها .
فالمطلع على نوعية عمران المدينة يقف على تنوع البصمات العربية والأندلسية والأفريقية والأمازيغية واليهودية .. وهي مرتسمة على الجدار والسور وشكل الحومة والتحفة والفنية . وتقدم هذه الدراسة قراءة توثيقية رصينة عن مورفولوجية المدينة ونشوء حوماتها واتساعها وتطورها ونوعية الأقوام التي استوطنتها . مما يساعد الدارسين على كتابة تاريخ اجتماعي لمدينة ممتدة عبر العصور، تحتفظ معالمها بنظام بديع من تدبير للمجال ونمط حياة متعايش مع التطورات السياسية والطبيعية .
إن قراءة في تنظيم الأحياء يؤشر على ذاك التمايز الهائل بين الساكنة من مقرات السلاطين والمخزن والأعيان إلى التجار والعامة والحرفيين .. إلى المرافق العمومية التي يرتادها الجميع كالأسواق والمساجد والساحات ..ولعل مدينة مراكش اختزال بديع لتاريخ المغرب من حيث تطوراته السياسية والعمرانية والاقتصادية ، فالحاضرة مرآة لحركة التاريخ سواء في شكلها البطيء أو السريع : مدينة يانعة بها زيادة العمران والعناية بالماء والحدائق والمرافق والآثار في فترات الازدهار ، ومدينة مأزومة مخربة تتراجع بها مظاهر العمران خلال فترات الأزمات. إنها اختزال بديع لتاريخ بلد بأكمله لدا لم يكن غريبا أن يسمى المغرب الأقصى” مراكش” لفترات تاريخية طويلة . ورغم هذا الزخم الحضاري الكبير فإن المراجع والمصادر الدراسات التي ترصد هذا الجانب الذي اهتم به المؤلف يبقى ضعيفا . لأن ما كتب متفرق بين المقالات الغير موثقة أو الضائعة وبعض الإشارات داخل المصادر والمراجع مع ألإشارة إلى أن الوثائق التي أنتجت في عهد الحماية على مستوى دراسة المجال والتوثيق لها قيمة حقيقية يمكن الاستفادة منها باستحضار السياق والأهداف .
لقد جمع هذا المؤلف ثلة من الباحثين من أجيال مختلفة ومن تخصصات متباينة مما أضفى على الكتاب قدرة على الإحاطة العلمية الرصينة حيث تنوعت الأبحاث من التاريخية عبر العصور والحقب إلى دراسة أسماء الحومات والدروب ودلالاتها وحمولاتها ، كما امتد البحث إلى الأحياء الخاصة كحومة الجذامى والملاح وحي ابن يوسف .
واتجهت الأبحاث إلى قراءات مستعرضة في المصادر والمراجع التي عالجت تاريخ المدينة مثل الإعلام للتعارجي ، والسعادة الأبدية لابن المؤقت ومراكش زمن الموحدين لرابطة الدين ..وقد اشتمل المؤلف على ملاحق وصور وتصاميم هندسية للمدينة القديمة وبعض آثارها المشهورة. ولم يكن هذا العمل ممكنا دون مثابرة السيد عبد القادر عرابي الذي جمع ونسق الدراسات والأبحاث الواردة في المؤلف وأخرجها . ويذكر أن الكتاب يوجد في 350 صفحة من القطع المتوسط يباع مرفوقا بخريطة شاملة لحومات مدينة مراكش مفهرسة ومرتبة حسب العصور التاريخية من وضع الدكتور المصطفى عيشان.