محمد عبد الوهاب رفيقي
مع كل حادثة اغتصاب -وما أكثرها هذه الأيام- يتجدد الحديث عن الثقافة الجنسية وما إن كانت ضرورية أم أنها ثقافة دخيلة لا يمكن تنزيلها ولا تعليمها في مجتمعات مسلمة، تعتبر الجنس وكل إيحاءاته من قبيل العيب والممنوع الذي لا يتحدث عنه إلا همسا وفي غرفات مظلمة.
في نظري أن إثارة هذا النقاش عند وقوع حادثة اغتصاب أو اتهام أحد بذلك له مبررات واقعية ومنطقية، فلا شك أن تعامل مجتمعاتنا مع مواضيع الجسد والجنس عموما بكثير من التوجس والريبة، وتصور المخيال الجمعي له على أنه عيب وطابو يجب السكوت عنه، أو أنه ضرورة بيولوجية لغاية التكاثر وتكثير النسل، كل هذا من أسباب هذه الفوضى الجنسية، وهذه الآفات المتعلقة بالتعامل مع المرأة، من تحرش واغتصاب وغيرها.
بل بلغ الأمر أن يؤدي هذا التوجس من التعامل مع الموضوع إلى اصطحابه إلى غرف الزوجية، حيث كان من المفروض أن تكسر الحميمية كل الحدود، وأن يطلق العنان لكل الخيالات والرغبات والشهوات، لكن هذه الطهرانية في التعامل مع الموضوع حل غرف النوم إلى مصانع للإنجاب بدل أن تكون فضاء للمتعة وتخفيف الضغوط النفسية والجسدية، وهو ما أنتج عددا غير قليل من المشاكل الزوجية والنفسية.
العجيب في الموضوع أن هذا الكبت في التعامل مع الموضوع لا نجده بالمجتمعات الإسلامية إلا في القرون المتأخرة، بل لا نجد له أثرا حتى زمن النبوة الأول، لا تستحي المرأة من أن تسأل أمام الرجال عن أحلامها الجنسية بكل جرأة وسلاسة، وتأتي المرأة للنبي شاكية في ملأ من الرجال قصر عضو زوجها ورغبتها في الطلاق بسبب ذلك،دون الإحساس بأي حرج أو خجل، وكذا كان الحال في القرون التي تلت، فمن طالع كتب التاريخ والأدب أدرك ما كانت تتمتع به تلك القرون من حرية التعبير عن الموضوع والخوض فيه من الجنسين دون أي تأثم أو تحرج.
ومن طالع المكتبة الإسلامية وجد المسلمين كسائر الأمم مبدعين في الحديث عن الباب وأخباره وأوضاعه وأحواله، كان ذلك في كتب الأدب الشهيرة كالأغاني للأصفهاني أو العقد الفريد لابن عبد ربه، أو كفصل مهم من فصول الكتب التي خصصت للحديث عن الحب والغرام، وأفردت للجنس فصلا باعتباره أحد أهم تجليات الحب، كما فعل ابن قيم الجوزية في كتابه : ” روضة المحبين”، وابن حزم قبله في كتابه المشهور ” طوق الحمامة”، أو كان ذلك في كتب مستقلة شبيهة بكتب الكاما سوترا الهندية، ومن أشهرها ما كتبه جلال الدين السيوطي الفقيه والمحدث المشهور من خلال كتابيه: ” نواضر الأيك في فن النيك”، و” الوشاح في فن النكاح”، وما كتبه النفزاوي التونسي في كتابه الشهير ” الروض العاطر في نزهة الخاطر”، وما استعرضه أحمد بن سليمان من معارف جنسية في كتابه” عودة الشيخ إلى صباه”.
كل ذلك دليل على شيوع ثقافة جنسية واسعة في تلك العصور، مما يشرح عدم وجود كثير من آفاتنا في ذلك الوقت، ولم تعرف مجتمعاتنا هذه الكوارث إلا حين أصبح التعامل مع الموضوع محاطا بكثير من السرية، بل أصبح الجنس دنسا و عيبا ونقصا في الحياء والمروءة.
ومما زاد الطين بلة، محاولة تحكم بعض الفقهاء في علاقة الفرد بجسده وتحديد نوع العلاقة وكيفية التعامل، وكذا التحكم في علاقة جسده بجسد غيره، وهو ما تولد عنه عدد من المفاهيم المشوهة المرتبطة بالجنس والاختلاط وغيرها.
ما الحل اليوم إذن؟
الحل بنظري هو إعادة الجنس إلى أصله وطبيعته، والتعامل معه كسلوك طبيعي غريزي لا تقل أهميته عن أهمية باقي الغرائز الجبلية، وتربية الناشئة على حسن التعامل مع الموضوع، بالشرح الوافي والمقنع، بعيدا عن ثقافة ” لحشوما” و العيب والخجل، فدروس التربية والثقافة الجنسية، ليست جلسات إباحية ولا أفلاما إيروتيكية، بقدر ما هي دروس معرفية، وحصص تربوية، تهدف بالأساس لعقد مصالحة تاريخية بين الإنسان وجسده، ليعرف ماله وما عليه، ويتمكن من حمايته من كل معتدي، والأهم من ذلك كله، أن نؤسس لحرية الإنسان في التعامل مع جسده دون أي إملاء أو وصاية خارجية.