يونس الخراشي
احصل على شريحة روسية لهاتفك. ركبها جيدا. والآن يمكنك الإبحار في عوالم الإنترنيت بالمجان، وبجودة عالية. وسواء كنت في الشارع أو في غرفة الفندف أو في الملعب، أو حتى “تحت الأرض”؛ أي في ميترو الأنفاق، فإن بإمكانك استعمال الإنترنيت بصبيب عال، يمكنك من التواصل مع العالم. هذا بدوره أسهم كثيرا في إنجاح كأس العالم فيفا 2018. فالإنترنيت صار وضرورة، والروس هيأوا أنفسهم لها، وكسبوا الرهان بامتياز.
هنيئا لنا جميعا.. الإنرتنيت في الميترو..
لاحظنا، منذ اليوم الأول في روسيا، أن الناس، مثلما هم في العالم كله، اليوم، منكبون على هواتفهم المحمولة، وبقية الآليات الإلكترونية الأخرى المستعملة في التواصل. ونادرا ما تعثر على أحد من الشباب لا يضع في أذنيه سماعتين موصولتين إلى جهاز للتواصل. وسرعان ما اكتشفنا أن هناك شركات، مثلما في العالم أيضا، تتنافس لتوفير خدمات الإنترنيت بأسعار معقولة. وهو ما مكننا من التوفر على شريحة روسية للهاتف، يسرت لنا الارتباط بمن حولنا.
في اليوم نفسه سنكتشف، ونحن نبحث عن مكتب للأسفار، بالعاصمة موسكو، أن خدمة الإنترنيت متاحة بالمجان؛ نعم بالمجان. يكفي أن تدخل رقمك الهاتفي الروسي، وتتبع خطوات معينة، فتحصل بعدها على حظك من “النيت”، دون أي كلفة. أو لنقل إن الكلفة هي ثوان معدودات من مشاهدتك لبعض الإعلانات، والتي تكسب الشركات المعنية من وراء بثها، بتلك الطريقة الماكرة، الملايير. وهكذا، تجد نفسك مبحرا في عوالم الطرق السيارة للإعلام، وهو المصطلح الذي عرف به الإنترنيت في بداياته، كما عرف بالشبكة العنكبوتية للتواصل والاتصال.
الأجمل بالنسبة إلينا، نحن أهل الصحافة، لم يكن هو وجود خدمة الإنترنيت بالمجان، بل وجودها حتى على متن ميترو الأنفاق. فقد كان علينا أن نستعمل تلك الوسيلة للتنقل أكثر من غيرها، ما دامت أيسر وأكثر نجاعة. وما أن اكتشفنا بأن بالإمكان البقاء على اتصال بالعالم حتى ونحن على عمق أزيد من ثمانين متر تحت الأرض، حتى سررنا كثيرا لذلك. وكان العمل ينطلق، لمرات كثيرة، من النفق، أو يتواصل هناك.
فما أن نصعد الميترو، داخل العاصمة موسكو، حيث كان مقر إقامتنا، حتى نبحر في عوالم الإنترنيت. يبدأ ذلك بالخطوات المطلوبة. تسجيل الرقم الهاتفي الروسي. الانتظار لثوان معدودات، حتى تعرض بعض الإعلانات. ثم البدء باستعمال الخدمة؛ أي الاطلاع على أحدث المعلومات عن المونديال، والتواصل مع الزملاء في المغرب، وفي روسيا نفسها، وإرسال الأخبار وغيرها من المقالات أو الصور أو أشرطة الفيديو المصورة، والرد على الرسائل الواردة من الكثيرين.
مع مرور الوقت صار ذلك أمرا عاديا. ندخل المقطورة، ثم يبدأ العمل. ولا يشك أحد منا بأن خدمة الإنترنيت سيعتريها نقص في الصبيب أو ستنقطع لسبب من الأسباب. وإن حدث وانقطع الصبيب، فما من مشكلة. أعد الكرة، وسيأتيك الرد في الحين، إما عبارة عن قن سري يرسل إليك من خلال الهاتف، أو عبارة عن خدمة مباشرة استمرارا للطلب الأول. أما حين تغادر المقطورة، وترغب في المواصلة، فتكون مطالبا باستعمال “ويفي” المدينة. إنه أفضل، وخدمته متاحة، وفي كل مكان تذهب إليه، مع بعض الاستثناءات.
أنت في الملعب.. الصبيب عال جدا
وفر لنا المنظمون خدمة مميزة للإنترنيت في الملاعب. ففضلا عن الربط المباشر، هناك أيضا خدمة مجانية للويفي. وسواء كنت في محيط الملعب، بالخارج، أو في المركز الإعلامي الفسيح، أو في مقاعد الصحافيين، فإن الخدمة مضمونة، وبجودة عالية. ما يجعلك تشعر بهامش واسع للحركة. فأنت تبحث عن معلومات يحتاجها قارئك أو المستمع إليك أو من يشاهد موقعك أو قناتك الإخبارية. وتلك المعلومة العجيبة قد توجد في مسرح الملعب، أو في كواليسه، أو خارجه، أو في مركزه الإعلامي، وضمنه المنطقة المختلطة، التي يعبر منها اللاعبون، أو في قاعة الندوات، التي يحج إليها المدربون عقب المباريات.
ومن حسن حظنا أن خدمة الإنترنيت كانت جيدة. فقد شجعتنا على التنقل بحرية وفي كل وقت. مما جعل الوصول إلى المعلومة، ونحن في الملاعب، ومحيطها، ممكنا، ومتاح الاستعمال في الحين، سواء تعلق الأمر بخبر مكتوب أو صور أو أشرطة مصورة. يمكن الإرسال في أي لحظة، ومن أي موقع كان. ويمكن أيضا، وهذا مهم جدا، التأكد في الحين من وصول المادة الخبرية، ما سشعر المرسل بالاطمئنان، ويدعوه إلى البحث عن معطيات جديدة أخرى.
فقد جرت العادة الاحتياط الكبير من حركة قد تكلف كثيرا. غير أننا ونحن في ملاعب موسكو وسان بتيرسبورغ وكالينينغراد، حيث جرت مباريات المنتخب الوطني المغربي ضد كل من إيران والبرتغال وإسبانيا، كنا متحرك بانسيابية لا مثيل لها. نبحث عن الخبر في كل زاوية، مهما ضاقت. ونسارع إلى الكتابة. ثم نسارع إلى الارسال بعد التصحيح والتدقيق. ثم نسر كثيرا ونحن نرى الرسالة طارت بسرعة إلى المرسل إليه. ونسر أكثر وقد أبدى الأخير إعجابه بالسلاسة في العمل.
لم يكن بسيطا، بالمرة، توفير خدمة إنترنيت عالية الجودة لما يزيد عن 46 ألف متفرج حضروا مباراة المغرب والبرتغال. مثلا. فقد شهدت المباراة إقبالا غير مسبوق للجماهير. كان الجمهور المغربي الأكثر حضورا. غير أنه لم يكن لوحده في الملعب. كان هناك عدد مهم من البرتغاليين، وعدد أكبر من جماهير أخرى جذبها حبها للنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو. وكان هناك عدد غير مسبوق من الإعلاميين من كل العالم، جاؤوا لمتابعة “الدون”، ومعاينة أدائه، ومعرفة آخر أخباره إن أمكن، حتى وإن رفض الكلام مع الإعلاميين في المنطقة المختلطة، وهو يمر مسرع الخطى، بقامته المفتولة، ووجنتيه البارزتين في وجه دقيق الملامح، إثر لقاء صحفي خاطف بقاعة الندوات.
استعمال كبير ودون أي حساب..
الشعب الروسي خدوم جدا؛ إلى درجة تشعرك بالحرج إزاءه. كيف يمكنك أن تشكر شخصا آثرك على نفسه، بأن ترك وجهته، وحاجاته الشخصية، ليقدم لك خدمة قد تتطلب وقتا غير يسير؟ وكيف لك أن تشكر شخصا استعمل هاتفه المحمول، دون أي حساب، لكي يقدم لك خدمة ليس مجبرا عليها؟
تلك الخدمات، التي كنا نقابلها بقولة “سباسيبا”؛ أي شكرا، وبالابتسامة والتعبير عن الإحساس بالامتنان الكبير، جعلتنا نكتشف، هي أيضا، بأن خدمة الإنترنيت بثمن مناسب جدا. فكل الذين التقيناهم صدفة، وحدث ذلك لمرات كثيرة، وفي العلصمة موسكو والعاصمة الثقافية سان بتيرسبورغ، فضلا عن مدينة كالينينغراد، استعملوا هواتفهم ليقدموا لنا خدمات، من قبيل البحث عن عنوان غير واضح، أو عن سيارة أجرة، أو عن فندق، أو شيء آخر كنا بحاجة إليه.
وكان استعمال مواقع الترجمة الفورية، بتقنية الصوت؛ يحدث مرارا، وبهواتف من كنا نقصدهم ليقدموا لنا خدمات معينة، أو يبادروا، وهو الأرجح، ليقدموها لنا. مما جعلنا نقف على أنهم لا يدفعون مقابلا كبيرا لتعبئة الهواتف، أو أنهم يستعملون، مثلنا، الخدمة المجانية. أما سائقو سيارات الأجرة، وهي الخدمة التي استعملناها لمرات ونحن نمضي إلى المطارات، على مسافات بعيدة للغاية، فكانوا يعتمدون كلية على خدمة “الجي پي إس”. وكان ملحوظا أنهم يعولون على الإنترنيت دون أي حساب يذكر. وذلك يدل على أن الكلفة ليست فوق طاقتهم، أو تستنزف ماليتهم.
حراسة أمنية مشددة
تشير المعطيات المتوفرة إلى أن استعمال الخدمة المجانية للإنترنيت في أنفاق ميترو العاصمة الروسية موسكو، المسماة Metro_free، بدأ منذ دجنبر من سنة 2014. والمثير أن تلك الخدمة تستعمل في الميترو وهو في النفق، عكس ما هو معمول به في عدد من الدول الكبرى، حيث توجد الخدمة فقط في المحطات.
وحسب المعطيات ذاتها فإن الروس يتوفرون على تقنيات أمنية متقدمة للغاية، تجعل إتاحة خدمة الإنترنيت بالمجان، وفي كل المواقع، وبخاصة في ميترو الأنفاق، تحافظ على سلامة المستعملين من التحايل، والقرصنة. واتضح ذلك بقوة أثناء فعاليات كأس العالم لكرة القدم، إذ لم تطرح قضية أمن الإنترنيت؛ على الأقل بشكل مثير للانتباه.
يمتلك الروس شبكة خاصة للتواصل الاجتماعي باسم “فكونتاكتي”، وبريدا إلكترونيا لموقع www.ru. غير أن ذلك لم يمنع من دخول موقع غوغل الأمريكي الشخير على الخط، ونيل حصة مهمة جدا من سوق الاستعمال، مما أدى إلى انخفاض نسبة الموقع الروسي رقم واحد وهو “ياندكس”. ويأتي استعمال الروس للمواقع المعروفة؛ وهي “يوتيوب” و”فيسبوك” و”تويتر”، بعد المواقع الروسية الخاصة.
وغير بعيد، ذكرت مواقع إخبارية أن منع استعمال تطبيق “تليغرام” الروسي للتراسل المباشر أدى إلى خروج الآلاف في مسيرة للاحتجاج بالعاصمة موسكو، ذلك أن السلطات طالبت بمدها بشفرات معينة للاطلاع على بعض المعطيات، وهو ما رفضه مسؤولو “تلغرام”، المستعمل من قبل ما يزيد عن مائتي مليون شخص عبر العالم، ليأتي قرار المنع.