كلامكم/ الرباط
كشف رشيد لزرق، أستاذ في العلوم السياسية، أبرز تجليات عدم ثقة المجتمع في الحكومة، سيما في السنين الأخيرة. موقف عزاه الخبير في الشؤون الدستورية والحزبية إلى عدد من المتغيرات التي ميزت الحياة السياسية ككل، وانعكست بالتالي على التدبير الحكومي، الذي قال إنه اتسم في السنوات الأخيرة بالتطبيق الحرفي لتوصيات صندوق النقد الدولي دون تكييفها مع حاجيات وخصوصيات المملكة، ما أدى إلى جعل الحكومة وجها لوجه مع الشعب، الذي فقد الثقة في أي أثر إيجابي يمكن أن تنتجه، بعدما انتهت مرحلة الدولة الراعية فكانت النتيجة غليانا واحتقانا اجتماعيا غير مسبوقين.
وفي السياق ذاته، كشف لزرق، أن الحكومة اتجهت إلى نهج سياسية الاقتراض، “فبلوغ العدالة والتنمية لرئاسة الحكومة من دون أن يكون له برنامج اقتصادي واجتماعي ولا كفاءات عليا قادرة على صياغة مشروع مجتمعي يترجم وعوده الانتخابية، جعله يختفي وراء الإكراهات الاقتصادية وتدبير تركة الحكومات السابقة، وتبني حرفيا توصيات صندوق النقد الدولي في برنامجه، وتعامل مع التوصيات بمنطق الاتباع، الذي يخلو من إبداع، ما جعل الإصلاحات الاقتصادية تخلو من الجانب الاجتماعي”، هذه المعطيات يضيف أستاذ العلوم السياسية، جعلت المواطن، وجها لوجه أمام تقلبات السوق، فكان من الطبيعي بروز احتقان اجتماعي، وتوسع بؤر الفقر، في وقت انشغلت فيه الأحزاب المشاركة في الحكومة بتوزيع ريع المناصب العليا.
وأبرز أن المشكل الذي زعزع ثقة المواطن في الحكومة، يكمن في أن تطبيق سياسية الاقتراض، تم بدون أن تمتلك الحكومة سياسة إستراتيجية حيال الدين الخارجي، ومن دون التفكير في التبعات الاجتماعية التي تترتب على شروط المانحين القاسية، ومن دون أن تنتبه إلى الأصوات، الناقدة، وتملك الجرأة على تحليل خطابات “الليبراليين الجدد” المتعلقة بإصلاح الإدارة العمومية ودعم مناخ الاستثمار، “فكأنما الجميع، يريد أن يأخذ نصيبه من “النيوليبرالية” من دون أن يكون معنيا بالنتائج المستقبلية للجانب الاجتماعي لدولة، وللعلاقات الاجتماعية، فرفعت الحكومة شعار “كل شيء محدد داخل حيز “السوق””.
وأردف لزرق أنه “بما أن مرحلة “الدولة الراعية” قد ولت، كان من الطبيعي لمثل هذه السياسة الموغلة في الليبرالية، المتوحشة أن تذكي الغليان الاجتماعي، ما نجم عنه تزايد وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية، وجعل الجميع يحاول التمسك بتلابيب “الدولة الهاربة من المسؤولية الاجتماعية، فكانت النتيجة، حالة إحباط عامة، والشعور باللاعدالة”.
مؤسسة رئاسة الحكومة هي الأخرى كان لها دور في تعزيز انعدام الثقة، ففي الوقت الذي يفترض فيه أن منصب رئاسة الحكومة، منصب سياسي، دوره اتخاذ تدابير سياسية عمومية يتحمل من خلالها رئيس الحكومة مسؤولياته الدستورية، تحول إلى منصب بيروقراطي دوره التنفيذ دون إبداع، في وقت يلزم أن يطمئن المغاربة بأن لهم حكومة سياسية مسؤولة تفعل اختصاصاتها الدستورية، بكل مجالاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وليس موظفين برتبة وزراء منفذين، مع التهرب من المحاسبة.
ونبه لزرق إلى أنه كان من المفروض أن يضع رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، بصمته على كل الملفات التي تدخل ضمن صلاحياته الدستورية، “إلا أنه ترك ذلك واتجه إلى التخبط في مناورات الشعبوية وتمرير الرسائل من داخل أنشطته الحزبية، ما أدخله إلى دائرة الشك والريبة، وجعل حكومته تظهر كأنها حكومة ترضيات حزبية بين الأحزاب المشاركة فيها، وحكومة عجزت عن تدبير الملفات الحارقة وأبدعت فقط في التنصل من المسؤوليات السياسية، وعدم التفاعل مع حركية المجتمع”.