كالينينغراد: يونس الخراشي
بالنسبة إلى س.ي، من كندا، فهو سيغادر روسيا مرتاح البال. أي نعم لقد انتهى المونديال، ولكنه يؤكد بأن الفرحة كانت كبيرة. والكثيرون من مغاربة الداخل والخارج، ممن جاؤوا فرادى وجماعات عبر مختلف المطارات الوطنية والدولية إلى موسكو وسان بتيرسبورغ وكالينينغراد، لمتابعة مباريات أسود الأطلس، مثله سعداء. رغم الإقصاء. يؤكدون أنهم لم يندموا. فبالنسبة إليهم المنتخب المغربي أدى ما عليه. الفيفا ظلمته تحكيميا. وهذا فوق طاقته. لا لوم عليه إذن. بل كل التحية له ولأدائه.
جمهور استثنائي بالفعل..
عندما قال هيرفي رونار، مدرب المنتخب الوطني المغربي، عقب مباراة المغرب والبرتغال، إنه لن ينسى المشاعر التي غمره بها الجمهور المغربي، وأنه أحس بنفسه في ملعب محمد الخامس بالدار البيضاء وليس في ملعب لوجينيكي بموسكو، فقد كان يلخص صورة الحضور المغربي للدور الأول من مونديال فيفا 2018. وهو الحضور الذي سيبقى مسجلا في تاريخ روسيا إلى الأبد.
جاء الجمهور المغربي من شتى بقاع العالم. الآلاف جاؤوا من مدن المغرب، مستغلين الرحلات اليومية التي وضعت رهن إشارتهم بثمن 5 آلاف درهم. والآلاف مثلهم، أو يزيدون عنهم، أو ينقصون قليلا، جاؤوا من دول أوروبا وأمريكا وكندا والخليج العربي، بل حتى من ماليزيا، ومن مدن روسيا نفسها، ومن أمريكا اللاتينية. باختصار، جاؤوا من كل فج عميق. كلهم يبحثون عن الفرح، ويريدون رؤية منتخبهم يؤدي مباريات مميزة. ولم لا، يمضي بعيدا في كأس العالم لكرة القدم.
واتضح من خلال رحلة بين المدن التي أجرى فيها المنتخب الوطني مبارياته، وهي سان بتيرسبورغ وموسكو وكالينينغراد، أن الجماهير المغربية واجهت الكثير من الصعاب في رحلتها. فأثمان الرحلات لم تكن كلها متاحة. وأسعار المبيت بالفنادق لم تكن في متناول الجميع. بل إن الكثيرين وجدوا أنفسهم أمام رهان جديد ينضاف إلى رهان الرحلة ومصاعبها، وهو رهان البحث عن تذكرة لدخول الملعب، وتشجيع المنتخب.
صادفنا، ونحن ننتقل من مدينة إلى أخرى، في مسافات متباعدة جدا، في القارة الروسية الشاسعة، مغاربة يعلنون استعدادهم لدفع أي ثمن ليحصلوا على تذكرة الولوج إلى الملعب. واستعمل هؤلاء تقنيات “الگروبات” على مواقع التواصل الاجتماعي كي يعثروا على المطلوب. وفي بعض الأحيان كان الأمر يبدو مستحيلا، بل وحتى عبثيا، ما دامت المباريات على مرمى ساعات أو أقل، وهناك من ما يزال يبحث عن تذكرة أو أكثر. والمثير أن ذلك يحدث دون أن يظهر على من يعنيهم الامر أي مسحة يأس.
هذا هو ملح الأمكنة..
كان الأمر محسوسا. أينما وجد الجمهور المغربي، فضلا عن المصري، وبعض جماهير أمريكا اللاتينية، فهناك حياة. ومن اختاروا حضور مباريات لم يكن فيها منتخب من هذه الدول طرفا، اكتشفوا هذه الحقيقة. وتحدثوا عنها، إذ قالوا بأنهم فوجؤوا ببعض البرود قبل المواجهات، وحتى بعدها. في حين بصم الجمهور المغربي مناطق عبوره ببصمة خاصة للغاية، إذ خلف لدى الناس انطباعا عجيبا، وهو أنه جمهور حي ومتفاعل ومثير للطاقة الإيجابية.
الساحة الحمراء، وسط العاصمة موسكو، لم تكن الوحيدة التي شهدت على هذا الحضور النوعي والمميز للجمهور المغربي. حتى ساحات سان بتيرسبورغ وكالينينغراد كانت شاهدة وستبقى. والذين ذهبوا إلى مدينة القياصرة، شمالا، ليحضروا مباريات أخرى هناك، سمعوا، لمرات، من يقول لهم إن الجمهور المغربي أعطى للناس دما جديدا أثناء وجوده بها. وقال هؤلاء إنه جمهور يعرف كيف يملأ الدنيا ويشغل الناس بأشياء بسيطة جدا. يتحرك جماعيا. يجذب إليه الانتباه. ينشد أهازيج وأغنيات لطيفة ومثيرة للمسامع. يخطف الأنظار باللون الأحمر. يفتح ذراعية لغيره. يتقن استدراج الآخرين إلى عالمه.
في موسكو، وبالتحديد في الساحة الحمراء، ولمدة أيام، أصبح الجمهور المغربي معروفا. صار مطلوبا. فكلما حل بالساحة غيرت جلدها. لبست ثوب “جامع الفنا”، وراحت تتغنى بالأغاني المغربية الشعبية اللطيفة. وتردد أهازيج لتشجيع المنتخب الوطني المغربي. كل ذلك في جو بديع. لا خروج فيه عن النص، إلا في بعض الحالات المعزولة التي لم تكن لتشوه الصورة العامة. فالجمهور بالآلاف. ويتحرك في كل الاتجاهات. ولا يكتفي بالتشجيع، بل يحرك معه دورة البيع والشراء أيضا.
اتفق الجمهور المغربي، بعد المباراة بين المنتخب الوطني ونظيره البرتغالي، على ضرورة تحفيز أسود الأطلس. وكان المقترح، عبر “گروبات المواقع الاجتماعية”، على اللقاء في الساحة الحمراء، قصد بعث رسالة إلى اللاعبين مفادها أن أداءهم كان جيدا، وأن الجمهور لا يلومهم على الخسارة بهدف لصفر بقدر ما ينتظر منهم أداء أفضل أمام الإسبان. ولم لا الفوز على “لاروخا”، لتأكيد الحضور، والرد على الأخطاء التحكيمية.