منظر جانبي لمشتل الأشجار المثمرة العضوية في أقريش، إقليم الحوز/ المغرب، الواقع في أرض منحتها الطائفة اليهودية المغربية بالقرب من ضريح “قديس” يهودي يدعى رفائيل هاكوهين (2018).
بقلم: جوليا العقاد
أسفرت عقود الصراع وديناميات السلطة المعقدة ، بين المجتمعات اليهودية والمسلمة عن نفور عميق تجاه المشاركة الثقافية. وهذا لا يزال يعرقل العلاقات المتعددة الأعراق في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومع ذلك ، لا يزال التاريخ غني بالتنوع العرقي والديني يشكل تجسيدا لا ينفصم عن الأجواء الثقافية في المغرب.
يناقش يوسف بن مير في العدد الصادر من مجلة رقم: 292 الفصائل المتوسطية يونيو 2018 :عرض المغرب الجدير بالإحترام لالتزام هذا الاخير بالتعايش السلمي وتقديم نتائج واعدة للمملكة.
في الوقت نفسه ، يطرح السؤال ما إذا كان هذا التكامل المغربي للحفظ الثقافي والتنمية المستدامة قادرًا على تجاوز الحدود عبر المنطقة العربية؟
كانت البلاد في بداية استقلال المغرب موطنا لأكبر عدد من السكان اليهود في العالم الإسلامي.
ظهر الملاح ، وهو حي يهودي في مراكش في القرن السادس عشر، شهادة بارزة على الهوية اليهودية التي غُرست في التاريخ المغربي المبكر. يتجلى هذا التاريخ النابض بالحياة متعدد الثقافات من خلال “قديسين” يهود يبلغ عددهم حوالي ستمائة قديس ، مدفونين في مواقع مختلفة في جميع أنحاء المغرب ، وقد تم الاعتراف بهم الآن ضمن برنامج حفظ التراث الوطني. وفي العمل التضامني الخيري ، بدأت الطائفة اليهودية المغربية بالتبرع بالأرض لمؤسسة الأطلس الكبير (HAF) في عام 2012 لانشاء مشاتل الاشجار المثمرة العضوية لصالح العائلات والمدارس الزراعية. وفي الوقت الذي لا تستطيع فيه الأسر الفقيرة أن تتحمل فترة السنتين اللازمة لنموّ بذور الشتلات لتصبح أشجار، فقد ساعد العمل المشترك بين الأديان في المجتمع اليهودي في التغلب على هذه العقبة ، حيث أطلق مشروع بيت الحياة.
ويهدف الوصول إلى الموارد المربحة اضافة إلى التبرع بالأراضي إلى زيادة مساهمة هذه المجتمعات المحلية في السوق ، وتأمين الحصول على شهادات المنتوج البيولوجي وزيادة الأمن الغذائي. إن خلق فرص مستدامة من قبل السكان المحليين يؤدي إلى تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي وبالتالي إمكانية الوصول إلى الموارد ، مثل التعليم والرعاية الصحية التي يمكن أن توفر الوسائل لمواجهة “مصيدة” الفقر. يتم تحفيز نتائج التنمية البشرية هذه في جزء منها بالعمل المشترك للمجتمعات اليهودية مع الأديان الأخرى من خلال التبرع بالأرض. ويسهم مكون التعدد الثقافي في نهج التنمية خلق الاحترام والثقة المتبادلين اللذين يبنيان بين المجتمعات ، مما يوحي باستدامة أكبر لهذه المشاريع.
ان مايخلق نزوعا في اذهاننا هو تداول البرامج الثقافية ذات المحتوى النمطي والروايات الكاذبة حول مجموعة من الناس . وما يضر بالحضارة والعمل ضد التحمل البشري هي تلك الظواهر التي تحث على التحامل والتحيز. وحتى عندما لا تشارك المجموعات المتعددة الأعراق في المنافسة الصريحة ،ما يؤدي الى حصول اختلالات في السلطة والوصول إلى الموارد القيمة بين مختلف المجموعات إلى مفاهيم القدرة التنافسية. يجب أن يُنظر إلى كلتا الطائفتين على أنهما مساهمتان وذات قيمة متبادلة لتقليص الميل إلى الشعور بالاعتماد على الآخرين. لذلك ، فإ ن اعتبار المجموعات الخارجية كمستفيدة من النجاح داخل المجموعات يمكن أن يقلل في الواقع من التحامل والتحيز بين الطائفة اليهودية و المسلمة لأنه يمكن أن يحول المجموعة الخارجية من منافس إلى حليف. إن تركيز مؤسسة الأطلس الكبير على تنمية الاحترام المتبادل والتقدير للمجموعات الأخرى يعطي رؤية واعدة نحو مستقبل التنمية عبر الأديان والتنمية المستدامة.
وعلى أية حال، ، تغيب في مقالة بن مير الأدلة على شرعية النهج المغربي في التنمية إلى حد كبير على المراقبة المباشرة للعمل الميداني لمنظمة واحدة فقط. من شأن تقييم نجاح أو فشل الجهود الخارجية في التنمية البشرية أن يسهم في توسيع فهم العوامل التي تسهل أو تعيق التنفيذ الفعال. ويشير المقال إلى إمكانات المغرب للعمل كنموذج إيجابي لتعزيز الحوار بين الأديان. على سبيل المثال كان الهدف من زيارة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى المشاتل الواقعة بالقرب من المقابر اليهودية في المغرب في السنوات الأخيرة إلى إلهام الأفراد لتنفيذ هذه المشاريع في مجتمعاتهم المحلية في جميع أنحاء المنطقة. ومع ذلك ، لم يكن هناك نقاش في المقال حول إمكانية أن تكون الظروف السابقة في المغرب ، والتي ليس بالضرورة أن تكون سائدة في مكان آخر ، أساسية بالنسبة لقدرته على تنفيذ المشاريع بكفاءة.
وفي سياق إسرائيل وفلسطين ، يجب أن نعترف بالتشكيل الوحيد الأخير للدولة اليهودية الذي عمل على زيادة التوترات الموجودة تاريخياً في المنطقة. وعلى الرغم من التوترات التي لا يمكن إنكارها والتي عانت منها الجاليتان اليهودية والإسلامية في المغرب ، لا يزال هناك سجل تاريخي وذاكرة معاصرة للتعايش السلمي. أضف إلى ذلك ، فإن ديناميات السلطة المعقدة تزرع عدم الثقة بين أفراد المجتمعات بسبب نقاط الضعف التي تنشأ داخل المجتمعات الفلسطينية المحرومة من الوصول للمساواة في الموارد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وعلى الرغم من أنه بالإمكان تنفيذ التنمية المستدامة من خلال النشاطات بين الأديان حتّى في خضم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ، فإن الدليل على وجود مثل هذه المشاريع سيؤكد صحة النهج المغربي. ومع ذلك ، فمن الضروري اختبار وتحليل العوامل التي تغذي أو تعيق التنفيذ الفعال للتنمية البشرية المتكاملة مع الأديان. وبعد ذلك فإن الجهود قادرة على خلق بيئة مناسبة لنمو المجتمع في السياقات الثقافية المختلفة.
في نهاية المطاف ، لا تحدث التنمية البشرية على مستويات تناسب معالجة الآثار الضارة للفقر الهائل والتهميش في المغرب. لذلك ، فإن الاستثمار في التنمية البشرية المتأصل في التعددية الثقافية أمر بالغ الأهمية لتحويل الإمكانات في المجتمعات الفقيرة إلى نجاح اجتماعي–اقتصادي غير محدود. ويستفيد العالم الذي يزداد عولمة بشكل جماعي من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مناخ مقبول وتعاوني وليس مناخ يدعو للإدانة. لذلك ، ينبغي دعم الاستثمار في النهج المغربي لكي ينمو ، حيث يمكنه بناء رمز قوي داخل مواقع مثل المقابر الدينية التي تعمل كملاذ لتهيئة الظروف لمستقبل موحد وأكثر ازدهارًا.
______________________________
جوليا العقاد متدربة في مؤسسة الأطلس الكبير في مراكش ، وطالبة في جامعة فرجينيا تدرس الشؤون الخارجية ودراسات الشرق الأوسط.