انطلقت يوم الثلاثاء (26 يونيو) أطوار محاكمة “فقيه ستي فاطمة” المتهم بالاعتداء الجنسي على عدد من الفتيات بدوار “بحلوان”، والذي ألقي عليه القبض قبل حوالي شهر. “تيل كيل” تعقبت أثر هذا الفقيه البيدوفيل وتعيد هنا نسج الحكاية المأساوية لفتيات هذا الدوار المعزول.
مارغو مازوليي
هذا اليوم في “بحلوان” يصادق موعد السوق الأسبوعي. الدوار الكائن بمنطقة “ستي فاطمة” غارق في صمت لا تكسره سوى زقزقة العصافير وخرير مياه الواد الذي يخترق هذا التجمع السكني. هناك في البعيد نلمح سيدة وفتاتين صغيرتين، ولكنهن سارعن إلى بيتهن ما أن انتبهن إلينا. فهمنا أن هذا الصمت الثقيل الذي يجثم على الدوار ليس صدفة عابرة.
فقبل أيام، استيقظ السكان هنا على إيقاع حدث مرعب: فقيه الدوار، الذي كان يعطي دروسا في القرآن لأطفال القرية، متهم باغتصاب حوالي عشر فتيات على الأقل، تترواح أعمارهن بين سبع وعشر سنوات (…)
منذ اعتقال هذا الفقيه البالع من العمر 45 عاما، بدا كأن رجال الدوار، الذين رفضوا أن يلتقي “الغرباء” بنساء وأطفال القرية، قد أحكموا إغلاق أبواب بيوتهم، ولا يقبلون الحديث عما وقع سوى تحت ظلال الأشجار في الخارج.
حقيقة لا تحتمل
يقول إبراهيم، الذي كان يرتدي جلبابا أنيقا، وعلى محياه نظرة فارغة وابتسامة حزينة، إنه لم يعد يقوى على النوم منذ الحادث المرعب، فابنته، ذات الـ17 عاما، هي أول من أماط اللثام عما جرى. فقد هربت هذه الفتاة من البيت صبيحة الأربعاء، 23 ماي الماضي، بعد أن تقدم شاب من الدوار لخطبتها. وقررت التوجه إلى الدار البيضاء رفقة صديقة من طنجة كانت بدورها ضحية لاعتداءات جنسية.
ولكن إبراهيم وزوجته تمكنا من إعادة المراهقة إلى البيت مساء اليوم ذاته دون أن يكونا على علم بسبب هروبها. ولم تكشف الفتاة ما كانت تتعرض له سوى في اليوم الموالي أمام رجال الدرك. “قالت لهم إنها تعرضت للاغتصاب أربع مرات على الأقل منذ 2011 من طرف الفقيه، وأنها كانت تخشى أن تعلم أسرتها بما جرى” يقول إبراهيم مطأطأ الرأس قبل أن يتابع “أضافت أن العديد من فتيات الدوار بدورهن ضحايا”.
أغمض هذا الأب عينيه، واستسلم لصمت طويل قبل أن يضيف “في البدء لم أصدق. كان صديقا مقربا. وبدا لي من المستحيل أن يرتكب هذا الفعل في حق ابنتي”. وافقه رجال أخرون القول بحركات لا تخلو من توتر. تدخل عبد اللطيف موضحا “بعد بضع ساعات، اعتقلوه وطلبوا من كل الأسر التي كانت لها بنات تتابع دروسه، التوجه إلى الطبيب للخضوع للفحص”(…) كان الرجل مصدوما جدا، فهو أيضا كان يعتبر الفقيه المتهم صديقا مقربا. ” فور علمي بالأمر سألت ابنتي إن كان قد اعتدى عليها، فأقرت بالأمر وحكت لي كل شيء” يقول عبد اللطيف. بعدها، كشف التحقيق أن سبع فتيات تعرضن للاعتداء الجنسي على يد الفقيه، وتقدمت العائلات بشكوى إلى القضاء.
حسب عنصر من رجال درك ستي فاطمة، كانت أثار الاعتداء بادية على العضوالتناسلي للفتيات، ولكن “فتاة واحدة أو فتاتين فقدتا البكارة”. هذا التوضيح له أهميته القصوى بالنسبة إلى سكان هذا الدوار. فلتجنب سماع مثل هذه الأخبار المؤلمة فضلت العديد من الضحايا السابقات، اللواتي تزوجن اليوم وأنجبن، عدم الكشف عن هذا السر، كما أن عددا من الأسر رفضت أخذ بناتها إلى الطبيب.
مغتصب بالتسلسل
يوجد المسجد، الذي كان يدرس فيه الفقيه، في أعلى التلة، وهو بناء صغير متواضع، تم تشييده بفضل تعاون سكان الدوار. وفي الباحة الصغير توجد الغرفة التي خصصت للفقيه المتهم. “هنا كان يغتصب بناتنا” يقول عبد اللطيف(…) حسب شهادات عدد من الضحايا، كان الفقيه يختار فتاة من بين التلاميذ ويطلب منها وسط الحصة أن تتكلف بغسل الأواني أو كنس الغرفة، ثم يقوم إليها ويغتصبها محتميا بصخب التلاميذ الآخرين المنهمكين في قراءة القرآن بصوت عال. لما ينتهي، يعطي لضحيته تمرة ويأمرها بالعودة إلى مكانها وسط الآخرين. “لعله كان يؤثر عليهن بأعمال السحر حتى لا يتكلمن” يهمس أحد سكان الدوار، في محاولة منه لتفسير المأساة. وسيكشف أمني أن فريقه عثر، خلال التحقيق، على خرق ملوثة المني معلقة على الحائط. وقد أرسلت هذه الأدلة إلى المختبر بالرباط(…)
في غرفة الفقيه، بدا عبد اللطيف غارقا في صمته، وهو ينظر بازدراء إلى محتوياتها. وأخيرا نطق “كنا نلح كل اليوم على بناتنا الانتباه وهن في الطريق إلى المسجد: لا تكلمن أحدا، لا تقبلن أي شيء من أي غريب… ولكن الخطر في الواقع لم يكن على الطريق بل داخل المسجد نفسه”.
مثل كل رجال الدوار، كان عبد اللطيف، وهو منتج للزيت، صديقا للفقيه. “كان بمثابة أخ لنا” قال أحد السكان. جاء هذا الفقيه إلى الدوار قبل 14 سنة. كان السكان قد أنهوا للتو بناء المسجد. وكان الرجل قد تخرج للتو من مدرسة قرآنية بأكادير. استقبله السكان هنا بالأحضان آنذاك.
كان الرجل يعيش في بيت صغير على بعد بضعة أمتار من المسجد، رفقة زوجته وطفليه الصغيرين (عامان للكبير وشهران فقط للصغير). “نحن الذين مولنا بيته وتكلفنا ببنائه. أعطيناه كل شيء وكافأنا بالخيانة” يقول إبراهيم(…).
ماذا عن مراقبة هؤلاء الفقهاء؟
دقت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ناقوس الخطر أكثر من مرة حول خطورة الممارسات التي تجري في مساجد الدواوير. “لقد سجلنا حالات البيدوفيليا في مساجد العديد من الدواوير، في شيشاوة وتارودانت أو ضواحي مراكش، ولكن ناذرا ما تتم معاقبة المتورطين أو يكون عقابهم خفيفا” يقول عمر أربيب، المسؤول عن فرع الجمعية بمراكش. بالنسبة إليه حل هذا المشكل له جزئيا طابع سياسي:”إن مثل هؤلاء الفقهاء لا يتلقون أجورهم من الدولة وليسوا تحت مسؤولية وزارة الأوقاف، إذ يتم اختيارهم من طرف سكان الدوار. يجب أن يخضعوا لسلطة الوزارة ومراقبتها”.
في انتظار ذلك، تنطلق محاكمة الفقيه هذا الثلاثاء (26 يونيو)، بينما تحاول أسر الضحايا لملمة أطراف حياتها التي تمزقت. وحسب رجال الدوار، فالنساء هن الأكثر تأثرا بما وقع. وقد أكدت متخصصة نفسية عينتها وزارة الصحة أن هؤلاء النسوة يرزخن تحت ثقل صدمة كبيرة. من جهته، أوصى الوكيل العام بتجنب تواصل الضحايا مع وسائل الإعلام في هذه المرحلة.
في طريق العودة، وعلى طول الطريق المؤدية إلى “أوريكا”، بدا وكأن الحياة تسير بوتيرتها العادية خارج دوار “بحلوان”: صخب الأطفال، النساء منهمكات في إعداد الفطور على جانبي الطريق. ولكن أحد المارة رفع نظرة قلقة صوب موقع تلك القرية في الأعالي وقال “إنه دوار ميت الآن”.