د. رشيد لزرق
إذا كان دسترة الخيار الديمقراطي كثابت من ثوابث المملكة لحظة تاريخية، فإن التحول من دمقرطة الدولة إلى دمقرطة المجتمع، لازال يشكل مهمة شاقة وواقعية، و تعتبر أزمة الحسيمة مؤشرا على عجز قيادات الأحزاب عن ترجمة قيم الدستور إلى واقع حزبي معاش، إذ ساهمت طبيعة الممارسة السياسية في توسيع الهوة بين المواطن و المؤسسات ، مما قوى الشعور بالاستياء والإقصاء، هذا الواقع الذي تفاعل معه العاهل المغربي في خطاب العرش، معبرا عن عدم ثقته في جزء كبير من الطبقة السياسية. الأمر الذي يجب معه تسليط الضوء على القيادات الحزبية التي امتهن جزء كبير منها الشعبوية كأسلوب للممارسة السياسية، و استمرار هذه القيادات سيقودنا نحو الأسوأ، لكون هذه القيادات جعلت من العمل السياسي وسيلة لإلهاء المخيال الشعبي بشكل وصل لدرجة غير مسبوقة من الانحطاط القيمي ضيع على المغرب خمس سنوات في الصراع السياسي،فهل يعتبر عزل بنكيران و استقالة الياس العماري مؤشر بكون هذه القيادات ستخضع لنظرية”الدومينو”؟ مضمون هذه النظرية هو أن القيادات الشعبوية ستسقط تباعا، و يكون حراك هذا المنظومة الحزبية كموجة ثانية تتبع الموجة الأولى التي كانت في الشارع. باعتبار الواقع يؤكد أن ممارسة النخب الشعبوية أخفقت في استيعاب فلسفة الدستور، فأسلوبها بات سببا في عدم تقوية القنوات المؤسساتية، و نهجها االتدبيري الفردي و تقوية سياسة الأتباع، نفر جزءا كبيرا من النخب من العمل السياسي. مما جعل الديمقراطية تتجه نحول المجهول. وحادث الحسيمة مؤشر ملموس ينبغي التعاطي معه كنكوص خطر، في كون لغة التكتيكات التي تنتجها و القائمة على امتهان المزايدة، و إقصاء الكفاءات الواعية و المسؤولة. يبقى السؤال الجوهري هل عزل بنكيران ومغادرة الياس العماري سيكون ترجمة لنظرية “الدومينو”؟ من الصعوبة لحدود الآن الجزم ،فلازال شباط يناور شأنه شأن بنكيران، الذي زايد بإسم تصدر للانتخابات التشريعية، رغم انه فشل بفعل تطلعه للهيمنة في تشكيل الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة، جراء سلوكه الانفرادي وتصريحاته العشوائية القائمة على التنصل من المسؤولية السياسية و ضرب كل الأعراف السياسية ،الأمر الذي حط من هيبة المؤسسات، هذه الممارسة كانت من العوامل الأساسية، لعزله و تعيين الشخصية الثانية في هرم التنظيم لحزب العدالة والتنمية. وبدل التعاطي مع العزل بمنطق مسؤول اتجه إلى فعل المزايدة، من أجل البقاء لولاية ثالثة على رأس العدالة و التنمية. إن الشعبوية و أسلوبها في إثبات الذات يجعل من الصعب مواكبة الزمن الدستوري و تحقيق مرحلة التنمية لمواكبة التحولات الحاصلة، مما أفرز خطرا مؤسساتيا. هناك حاجة ملحة لرجة داخل المنظومة الحزبية تفرز لنا قيادات واعية و مسؤولة حتى لا تداهمنا التطورات كما حصل مؤخرا، في الحسيمة.