عبد الرزاق هيضراني
ساهمت وسائل التواصل الاِجتماعي والصحافة الورقية والإلكترونية وكذا الكثير من المهتمين بالشأن التربوي من نقابات وجمعيات آباء في فضح السياسة التعليمية المتبعة وما تعانيه المؤسسات التعليمية من خصاص في الأطر التربوية وقد كان هدف هذه التدخلات على الرغم من آختلاف مرجعياتها ومنطلقاتها وأهدافها أحيانا أن تنحو الدولة بمختلف مكوناتها السياسية منحى يولي آهتماما أكبر للتعليم بآعتباره رافدا لا محيد عنه للنهوض الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتقني..الخ. ولقد آستجاب الملك لكل النداءات التي تدعو إلى الحد من الخصاص وتبني سياسة تعليمية مختلفة في مناهجها وفضاءاتها وأطرها. وكان القرار الأول لتدبير هذه الأزمة هي توظيف عدد كبير من الطلبة بدون تكوين بهدف الحد مرحليا من الانخفاض المهول في عدد الأطر التربوية. ومما يلاحظ أن الكثير من الفرقاء السياسيين الذين كانوا يرفضون هذا التوظيف المباشر لم يعبرو عن رفضهم لهذا القرار، وأخص بالذكر هنا حكومة عبد الإله بنكيران التي رفضت محضر 20 يوليوز الذي وقعته حكومة عباس الفاسي مع مجموعة من الأطر المعطلة لأجل التوظيف المباشر. فبعد توظيف ما يقارب 11 ألف طالب بدون تكوين سندخل مرحلة جديدة هدفها سد الخصاص الحاصل في المنظومة التربوية بغض النظر عن تداعيات ذلك على المنظومة. ومن ثمة فقد كان الهدف تقنيا محضا من أولوياته آمتصاص غضب الشارع والمهتمين والأطر المعطلة على حد سواء. إلا أن هذا القرار ستكون له تداعيات في ما يستقبل من الزمان، لاسيما أن حكومة بنكيران قد تواطأت مع قرار التوظيف المباشر وإن بصيغة أخرى وهي التوظيف بالتعاقد. ولم تكن في ذلك تستجيب لمتطلبات وحاجيات المجتمع وإنما كانت تستجيب من جهة لتوجه المؤسسة الملكية ولضغوط صندوق النقد الدولي.
ما الذي حصل بعد ذلك؟ سنلاحظ أن الحكومة السابقة والحكومة الحالية وبعض النقابات البيروقراطية تؤول هذا الوضع الكارثي من منظور آقتصادي محض بتبني سياسة البلدان المتقدمة تعليميا. غير أن الذي حدث وهو أن مجموع التأويلات المغرضة لم يكن هدفها تطوير المنظومة بقدر ما كان هدفها تكييف الوضع الكارثي مع متطلبات السوق العالمية بالقول مثلا إن التوظيف بالتعاقد الذي هو شكل من أشكال التوظيف المباشر الكارثية قد عملت به الكثير من الدول كالولايات المتحدة الأمريكية وأن الهدف منه هو المردودية بعدما تحولت الوظيفة العمومية بشكل عام إلى خزان للطاقات السلبية ولذوي الخبرات المحدودة لأجل ربط المسؤولية بالمحاسبة من جهة وفتح الكثير من الآفاق لفئة واسعة من الأطر المعطلة لولوج سوق الشغل ولو مرحليا..
في هذا السياق نسجل بعض الملاحظات:
أولا: إن التوظيف بالتعاقد ليس مشكلا في حد ذاته، وإنما طرق تدبير هذا القرار؛ فصحيح أن دولا متقدمة تتبنى هذه السياسة غير أن الشروط الاقتصادية والأهداف مختلفة تنعكس سلبا على هدف القرار.
ثانيا: من بين تداعيات التوظيف بالتعاقد مستقبليا توسيع دائرة الاحتقان، بحيث لا يمكن أن نتبنبأ بما ستؤول إليه الأوضاع إذا ما آستغنى المسؤولون عن فئة واسعة من الأطر المتعاقدة.
ثالثا: إن تبرير آختيار التوظيف بالتعاقد بالقول إن دولا متقدمة آختارت التوجه ذاته لا أساس له ذلك أن الموظف المتعاقد في تلك الدول يتقاضى أجرة في حال الاستغناء عنه مثلما يتقاضى أجرة كتعويض عن عدم العمل.
رابعا: إن ما يلفت في هذا القرار بعيدا عن خلفياته ومرجعياته التي يستند إليه أصحاب القرار والمتجهة نحو الخوصصة هو عدم تهييء الظروف المناسبة لتنزيله؛ إذ نعاين أن الهدف سد الخصاص بغض النظر عن جودة التكوين. وكأمثلة على ذلك أن إقرار هذه الصيغة الفجائية هدفها تكوين المتعاقدين تكوين شذريا قد لا يتجاوز 20 ساعة في السنة وهذا ما حدث بالفعل .
وكنتيجة لما سبق ذكره يبدو أن هذا القرار تدميري في جوهره لا يراعي الشروط ولا يستند إلى أهداف علمية محضة وهو ما سيؤدي إلى نتائج وخيمية على مستقبل التعليم بل وسيضاعف من حدة المشكل عوض أن يساهم في حله. لقد تم القبول بالتعاقد ولم تعد النقابات ولا المهتمين- إلا فيما نذر- يعبرون عن رفضهم كما أن الطالب أصبح يقارب الوضعية من منطلق مادي كمخرج للعطالة بغض النظر عما ستؤول إليه الأوضاع مستقبلا، وأمام هذا الوضع الكارثي فإن بعض المراكز الجهوية تعبر عن رفضها لهذا التكوين كما تابعنا في مركز وجدة الذي رفض مكونوه التكوين بهذه الصيغة لعدم توفر مجموعة من الشروط الموضوعية، في الوقت الذي تنتصر فيه آنتهازية الكثير من المهتمين ويعملون على تدبير ما أسند إليهم بدون أدنى آهتمام ما دامت ظروفهم ووضعياتهم محصنة وقد تعالوا عن كل هذه النقاشات لآستفادتهم من مجموعة من الامتيازات. غير أن هذه الفئة الواسعة من المهتمين التي ترفض الريع وتعيش منه تتعالى عن كل ذلك بتدبير المرحلة في آنتظار ما يتأتي وما لا يأتي…..اما المتعاقد فلن يستفيد مما استفاد منه الموظف.. والخاسر الأكبر هو الوطن