قال الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف بمراكش، أحمد نهيد، أن التقدم الإلكتروني في ميدان استعمال الحاسوب، يعرف تطورات كثيرة ومتسارعة مع ما يصاحبها من ظواهر انحرافية تستلزم مواكبتها من طرف المشرع لزجرها والحد من آثارها.مضيفا أنه على هذا الأساس بدأ الحديث منذ الستينيات عما يسمى بالجريمة الإلكترونية، ويمكن تعريفها بأنها سلوك غير قانوني يتم باستخدام الأجهزة الإلكترونية ينتج عنها حصول المجرم على فوائد مادية أو معنوية مع تحميل الضحية خسارة مقابلة.
وأكد الرئيس في كلمة في ندوة علمية حول موضوع” الجرائم الالكترونية” من تنظيم محكمة الاستئناف بمراكش، أنه غالبا ما يكون هدف هذه الجرائم هو الترفيه من أجل سرقة وإتلاف المعلومات، أول الحصول على كسب مادي.
وتتميز الجريمة المعلوماتية بكونها عابرة للحدود لا تعترف بعنصر الزمان والمكان بفضل التقنيات الحديثة، قد ترتكب هذه الجريمة عن طريق حاسوب موجود في دولة بينما يتحقق الفعل الإجرامي في دولة أخرى.
وأبرز أن المجال مفتوح لكل الأنواع التي يصعب حصرها أو تعدادها نظرا لازديادها وتنوع أساليبها كلما أمعن العالم في استعمال شبكة الأنترنيت، وهذه الجرائم الإلكترونية تكلف الاقتصاد الأمريكي على سبيل المثال ما يقارب (250) مليار دولار سنويا، أي ما يعادل ميزانيات أغلب دول العالم الثالث تقريبا، بسبب عمليات القرصنة الإلكترونية من نسخ برامج أو أفلام أو مواد موسيقية أو بسبب هجمات على المواقع، ويمكن القول ببساطة أن الأنترنيت هي ساحة إجرام مثالية تتحدى الأجهزة الأمنية والقضائية بثغرات قانونية ضخمة.
وأوضح أن الجريمة الإلكترونية لا يمكن تصورها إلا من خلال ثلاث مظاهر : إما أن تتجسد في شكل جريمة تقليدية يتم اقترافها بوسائل إلكترونية أو معلوماتية، أو في شكل استهداف للوسائل المعلوماتية ذاتها وعلى رأسها قاعدة البيانات أو البرامج المعلوماتية أو أن يتم اقتراف الجرائم العادية في بيئة إليكترونية كما هو الأمر بالنسبة لجرائم الصحافة.
والحديث عن الجريمة الإلكترونية لا بد أن يعود بنا إلى اتفاقية بودابست لسنة 2001 التي وقعت عليها 26 دولة أوروبية من أعضاء الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى كندا والولايات المتحدة وجنوب إفريقيا واليابان وكانت أول معاهدة من نوعها لمواجهة الجريمة الإلكترونية، وقد صادق عليها المغرب سنة 2012.
واضاف أن أهم المواد التي تناولتها هذه الاتفاقية هي المادة 2 التي تتحدث عن جريمة النفاذ إلى النظم بطريقة غير شرعية مما يؤدي إلى عدم استفادة مستخدميها منها أو تغيير البيانات المضمنة بها أي تزويرها وهو تزوير في وثائق غير مادية، وتكريسا للمبادئ الواردة في اتفاقية بودابست صدرت في المغرب عدة تشريعات تهم هذا المجال، منها المقتضيات الواردة في الباب العاشر من الكتاب الثالث من القانون الجنائي الذي خصصه المشرع للجرائم المتعلقة بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات والتي أضيفت بموجب القانون رقم 03.07.
مؤكدا أن المشرع المغربي جرم في الفصل 607/3 الدخول إلى نظام المعالجة الآلية عن طريق الاحتيال ونص أيضا على جرائم معلوماتية أخرى.كما أن القانون المغربي رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب (الفصول 2018.1 إلى 218.9) يستوعب ظاهرة الإرهاب الإلكتروني فمثلا الفصل 218.2 من هذا القانون يعاقب على استعمال الوسائل الإلكترونية في الإشادة بالإرهاب.
وعلى ضوء هذه النصوص القانونية المرتبطة بموضوع الجريمة الإلكترونية يظل التساؤل قائما والذي ننتظر من المتدخلين الإجابة عنه حول ما إذا كانت المقتضيات الزجرية الواردة في القانون الجنائي شاملة لكل أنواع الجرائم الإلكترونية علما أن من مبادئ القانون الجنائي أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وأنه لا يجوز تفسير نصوص القانون الجنائي أو القياس عليها؟ أم أن هناك فراغات سيستفيد منها الكثير من مقترفي هذه الجرائم. وهل تطرق المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية لكيفية متابعة مقترفي هذه الجرائم وإلى أي حد يؤثر الفراغ الموجود في هذا الباب ؟ ما هو موقف القضاء المغربي من الجرائم التي تكتسب طابعا إلكترونيا على ضوء ما تم عرضه من قضايا أمام المحاكم ؟ كيف يمكن إثبات الجريمة الإلكترونية ؟
هذه التساؤلات وغيرها أجابت عنها المداخلات التي تقدم بها المحاضرون وهم الدكتور ضياء نعمان الذي تحدث عن “موقف القضاء المغربي من الجرائم المرتكبة عبر الوسائط الإلكترونية”، والدكتور ادريس النوازلي الذي تحدث عن “الإثبات في الجريمة الإلكترونية”، والأستاذ عبد الغني وافق الذي تحدث عن “البحث والتحقيق في الجريمة الإلكترونية وعلاقتها بالحكامة الأمنية” والأستاذ جواد الرجواني الذي تحدث عن موضوع “الحماية الجنائية للبيانات المعالجة إلكترونيا”.