يبدو أن رقصة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة المعين عبد الإله ابن كيران، جاءت هذه المرة في لقائه الأخير مع النقابة والشبيبة، مخالفة كليا لسابقاتها من حيث الحركة والإيقاع، وتكاد تشبه رقصة ديك مذبوح، بعد أن فقد الكثير من “طراوته” ولم يعد يقوى على التحكم في مفاصله وأعصابه، ولا على مواصلة الاعتكاف بالبيت ملتزما الصمت، يترقب لحظة انفراج كربته.
ذلك أنه أمضى أزيد من أربعة شهور بين المد والجزر، وما إن تكاد الغيوم تنفرج حتى تعود أكثر سوادا. وعوض تكثيف الجهود بحثا عن المخارج الممكنة، لتجاوز ما أوصلنا إليه عناده وسوء إدارته للمفاوضات حول تشكيل أغلبيته الحكومية، من أزمة خانقة أرخت بظلالها على أوضاع البلاد والعباد، وما ترتب عنها من تكلفة باهظة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتعطيل للمؤسسات وعدم إقرار مشروع قانون المالية برسم عام 2017، الذي ستكون لتأخيره عواقب وخيمة على الاستثمار بوجه خاص. ومحاولة تبديد القلق السائد في أوساط الشعب، أبى إلا يتمادى في تعنته ويستمر في توزيع اتهاماته تارة على خصومه السياسيين، وأخرى على “الدولة العميقة”، وكأننا به يسعى متعمدا إلى تعميق “الأزمة” لغرض في نفسه.
وقد تجلى ذلك يوم السبت 18 فبراير 2017، عند حلوله ضيفا على الدورة العادية لكل من الذراع النقابي لحزبه (الاتحاد الوطني للشغل) بمدينة سلا، وأشغال اللجنة المركزية لشبيبته ب”بوزنيقة”، إذ غلبت على خطابه نبرة التأفف والغضب، وبدا أكثرا ارتباكا وانفعالا في انتقاء كلماته، حيث استنكر أن يظل المشهد السياسي جامدا إلى ما لانهاية، وأنه قرر انتظار عودة الملك محمد السادس من رحلته في إفريقيا، لتقديم إما تشكيلة حكومته أو الاعتراف بإخفاقه. وهو ما اعتبره العديدون مجرد كلام عابر، بينما رأى فيه آخرون نوعا من الاستسلام. فمن يا ترى غيره أطال عمر هذا “البلوكاج” الحاصل، وقد أتيحت له أكثر من فرصة لتجاوزه؟ ألم يكن آخرها ائتلاف حكومي من أحزاب الكتلة “الديمقراطية”؟
صحيح أن حزبه تصدر نتائج الانتخابات التشريعية ليوم 7 أكتوبر 2016، بحصوله على 125 مقعدا من بين 395 مقعدا في مجلس النواب، لكن ما ليس صحيحا هو الحديث عن “إرادة شعبية”، وجميع المتتبعين للشأن السياسي ببلادنا يعرفون بأدق المعرفة، أن من بين 15 مليون و 702 ألف و592 مسجلة ومسجلا في اللوائح الانتخابية، صوت فقط 6 ملايين و572 ألف و114 من الناخبين، حصل منها حزبه على (مليون و571 ألف و659 صوتا)، فعن أي إرادة شعبية إذن يتحدث الرجل وعشيرته؟ فالنجاح الأكبر هو القدرة على التشاور والتفاوض المثمرين، وجعل الآخرين يلتفون حول برنامج حكومي واقعي، يرقى إلى مستوى تحقيق رغبة ملك البلاد المعبر عنها من خلال خطاب دكار، والاستجابة لانتظارات الشعب، بدل التهافت الأعمى على المكاسب والحقائب بدون جدوى.
ثم بالله عليكم، كيف يبيح لنفسه من يأتي ثانيا في سلم السلطة ويحظى بثقة ملكه، أن يستمر في إطلاق الكلام على عواهنه، غير مبال بما قد ينجم عن ذلك من عواقب وخيمة على النظام العام للبلاد؟ ألا يتذكر الرجل ما جرته علينا انتقاداته الرعناء لروسيا بشأن “تدمير سوريا” من غضب، حتى كادت أن تعصف بالعلاقات بين الرباط وموسكو؟ فها هو يعود ليقول نهارا جهارا: “ما يمكنش الملك كيفرج الكربات ديال بعض الشعوب الإفريقية وحنا نهينو الشعب المغربي، وما نحتارموش الإرادة ديالو”. أفلا يبطن مثل هذا القول تحريضا لأنصاره وكتائبه على إيقاظ “الفتنة” ومهاجمة الخصوم، لاسيما بعد أن استطرد قائلا بأن الخصوم والأعداء يريدون لهف كل شيء، وأنه سيواجههم بالإيمان والصمود، وإن اقتضى الحال التضحية من أجل الوطن بأولادنا وأهلنا…؟ هذا في الوقت الذي كان البعض يروج لكون المشاورات التي جمعته مؤخرا برئيس حزب الأحرار عزيز أخنوش، تسير في الاتجاه الصحيح نحو التوافق.
فلا شك أن إنهاءه الكلام واعتكافه في البيت، أثرا كثيرا على نفسيته بشكل ملموس، وألحقا الغشاوة بعينيه والصمم بأذنيه، مما جعل الأحداث تتجاوزه إلى حد صار معه شبه منفصل عما يجري حوله من ارتياح لدى المواطنين. إذ أن أغلبهم أضحوا اليوم يفضلون العيش بدون حكومة، لا لشيء سوى للإفلات من عشوائيته وقراراته اللاشعبية. فقد نسي سيادته أن أكبر إهانة لهم كانت هي قيادته للحكومة في الخمس سنوات الماضية، حيث تكبدوا فيها شتى ألوان الظلم والقهر، تمثلت عامة في الإجهاز على المكتسبات، إغلاق قنوات الحوار الاجتماعي مع المركزيات النقابية، “إصلاح” التقاعد على حساب المأجورين، المس بالقدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، إغراق البلاد في المديونية، ضرب المدرسة والوظيفة العموميتين، ناهيكم عن الإخلال بالوعود الانتخابية والعفو على المفسدين… ثم أليست الإهانة الحقيقية، هي ما يحظى به قياديوه من مناصب سامية في الجامعات والإدارات العمومية، وما يناله الذراع الدعوي للحزب “حركة التوحيد والإصلاح” من كرم العناية، نظير تأطير الكتلة الناخبة التابعة للحزب، وما قام به وزراء حزبه من تفريخ لجمعيات موازية، تعمل وفق أجندات مرسومة بدقة، والإغداق عليها بدعم خيالي من المال العام ضدا عن باقي جمعيات المجتمع المدني؟
كفى تباكيا وتضليلا وتحريضا، فقد ضاق الشعب ذرعا بهذا العبث السياسي. وعلى المغاربة الأحرار أن يهبوا لإنقاذ الوطن، فهم وحدهم الأجدر بصناعة المستقبل، وليس غيرهم من المتسلطين…
اسماعيل الحلوتي