انتخاب رئيس مجلس النواب من المعارضة يدخل في إطار ترجمة فصل السلطات الذي يعد أحد المبادئ الدستورية الأساسية في دستور 2011 والذي يؤسس للخيار الديمقراطية، بل ركنه الأساسي في إطار تعاون كل من السلطة الحكومية والتشريعية، هذا التعاون يكون من خلال توفر كل من مجلس النواب ورئيس الحكومة على أسلحة دستورية تتمثل في وضع حد للآخر من خلال سحب الثقة من طرف مجلس النواب وحلّ المجلس من قبل رئيس حكومة هذا الأمر يحول دون استبداد أي طرف بالطرف الآخر، ويحتم التعاون بينهما وتفعيل اختصاص كل واحد منهما، الأمر الذي من شأنه أن يؤسس لرقابة برلمانية فعالة على الحكومة في نطاق الاختصاص الذي خوله له الدستور.
وانتخاب رئيس مجلس النواب من المعارضة هو اتجاه في هذا المجال له العديد من الفوائد على التجربة السياسية المغربية والأطراف المعارضة، وضعت نفسها دون أن تعي رهينة الأعراف السياسية ولم تكلف نفسها عناء فهم النصوص، نتيجة ذلك وجدت نفسها أسيرة للفهم الخاطىء للمبدأ ، حال بينها و بين فهم المضمون الحقيقي للوثيقة الدستورية، مما جعل انتقاداتها تفقد كل قيمة دستورية وسياسية، باعتبار فصل السلطات يقوي المؤسسة الحكومية ومجلس النواب ويبعد اي طرف من التعسف التسلط.
بل يمكن أن يشكل اغناءا للتجربة البرلمانية المغربية، في زمن ما بعد التناوب التوافقي وزمن فصل السلط، وسيشكل محكا حقيقيا للعمل البرلماني، يخرجنا من منطق العقلنة البرلمانية التي تبناها النموذج المغربي من نظيره الفرنسي رغم أن التجربة المغربية لم تعش ظروف وسياق العقلنة البرلمانية، لندع التراكم ونبتعد عن ثقافة الوصاية والتشكيك و ليكن هذا محكا حقيقيا لبروز حالة التعايش السلمي داخل البرلمان المغربي وفق المنطق المؤسساتي؛ والتحرر من المنطق الرئاسي للتجربة الفرنسية في اتجاه بلوغ الملكية البرلمانية، وهنا أتحدث لمن يقول بمنطق الأيادي الخفية، عجبا لاحظوا التجربة الفرنسية مثلا ونموذج التعايش السلمي لحفظ قيم الجمهورية؛ فوعي النخبة السياسية، جعلها تحدث ضوابط مؤسساتية، ولم يتحدث اليمين الفرنسي عن قوى هلامية عندما اصطفت كل الأحزاب “الجمهورية” ضد مرشحي الجبهة الوطنية بالانسحاب لصالح الحزب الأوفر حظًّا لهزم اليمين المتطرف، في التحالفات الانتخابية أو حتى من خلال الترشيحات المشتركة، وقد بات هذا عرفا في مختلف الاستحقاقات الانتخابية كلما برزت معالم فوز اليمين المتطرف منذ الانتخابات الرئاسية 2002، التي تمكن جون ماري لوبين، من المرور للدور الثاني لمواجهة جاك شيراك، حيث وقفت الأحزاب كلها لصالح هذا الأخير بغية منع لوبين، بما فيها أحزاب اليسار الراديكالي، وبفعل هذا التحالف فوت الفرنسيون الفرصة على لوبين وحسم جاك شيراك النزال بحصوله على 82% من الأصوات مسجلا أعلى نتيجة في تاريخ الانتخابات الرئاسية في فرنسا.
يمكننا القول أن التأويل المحافظ بدعوى الأعراف السياسية هو دليل على البنية المحافظة لأطراف اللعبة السياسية التي اعتادت التوافق والمسكوت عنه، والخوف من الوضوح وهي تناور ضدا على جوهر الديمقراطية المتمثل في فصل السلط، ويظهر بالتالي طبيعة بنيتها السياسية، فهي نخب التكتيكات والإشارات؛ التي أضحت أحد أهم العوامل في إعاقة الإصلاح والتحول الديمقراطي والإسهام في المزيد من التراجعات، في الاتجاه نحو الملكية البرلمانية؛ مناورات تسعى لإفراغ مشروع الإصلاح من محتواه الحقيقي وتكريس ديمقراطية شكلية لبرلمان سريالي.
اللحظة الآنية للبرلمان الحالي، تستوجب التحرر من منطق قراءة النصوص وفق الإشارات والتكتيكات، إها لحظة وضوح وحسم، ولهذا فإن النخب البرلمانية الحالية مدعوة إلى تفعيل اختصاصاتها التي خولها لها الدستور، و يمكن أن تتجه إلى حدود تغيير قواعد اللعبة أو توضيحها من خلال إجراء تعديلات دستورية وممارسة فعلية لدورها الرقابي على أعمال السلطة التنفيذية. لكن ما هو أخطر هو التبعية الأوتوماتيكية للأغلبية الموالية للحكومة التي ظل البرلمان وسيلة لإضفاء الشرعية على السياسيات اللا شعبية والتعسفية وإعاقة الديمقراطية، حيث ظل غرفة تسجيل وتزكية بدل الرقابة على السلطة التنفيذية.
إن فك الارتباط بين الأغلبية الحكومية و انتخاب رئيس مجلس النواب؛ من المعارضة؛ خطوة في الاتجاه الصحيح، يمكن أن تعطي دلالات سياسية كبرى؛ في دخول البرلمان المغربي زمن التطبيق العملي لفصل السلطات وفق نظرية منتسكيو. إلى أن يختبر ذلك من خلال الممارسة العملية؛ يظل الامل قائما في مغادرة نظرية الماوردي الأحكام السلطانية و التقلدانية ولوج زمن مونتيسكيو وفصل السلطات.