الشاعر الأمريكي مايكل روتنبرغ: أمريكا أصبحت سجناً كبيراً

الشاعر الأمريكي مايكل روتنبرغ: أمريكا أصبحت سجناً كبيراً

- ‎فيفن و ثقافة
245
0

 

 

حوار: نورالدين بازين

كتب الناقد الأمريكي دايل سميث عن تجربة مايكل روتنبرغ الشعرية قائلاً: لقد ساهم مايكل روتنبرغ في صياغة مشهد الشعر الأمريكي بوصفه محرِّراً ومُدافعاً عن التجديد في الشعر الأمريكي. وقد تمكّن القارئ الأمريكي المعاصر من خلال علاقات روتنبرغ الوطيدة مع دار نشر (بنغوين) من الاطلاع على قصائد مختارة من الشعر الأمريكي الحديث نشرت خلال العقد الماضي لشعراء أمريكيين أدّوا دوراً حاسماً في صوغ مفهوم جديد للشعرية الأمريكية خلال منتصف القرن الماضي، ومن بين هؤلاء الشعراء: ألن فيليب، وجوان كايغر، وميلتزر ديفيد، وإدوارد دورن، إضافة إلى جهود روتنبرغ مع مطبعة جامعة ويسليان التي أسفرت عن نشر أعمال شعرية رائعة وممتعة لألن فيليب، مُحقّقاً بذلك رقماً قياسياً في الإبداع الشعري والأداء البصري والالتزام الثقافي، وكل ذلك في مجلد ضخم وممتع يجمع قصائد شاعر عظيم.
في البداية نودّ أن نعرف كيف كانت بداية تأسيس حركة (100 ألف شاعر من أجل التغيير)؟
ظهرت الحركة في عام 2011م، وقد جاءت الفكرة بعد الإحساس بنوع من اليأس الذي كنت أعانيه بعد عام 2011م، الذي شهد عدة حروب؛ كحرب العراق، وأفغانستان، وانفجار أنابيب البترول بخليج نيوميكسيكو، فكل هذه الأحداث جعلتني أفكر في طريقة أدعو بها الشعراء والكتاب ليغيروا -ولو بطريقة غير مباشرة- السياسات التي تنتهجها بلدانهم صوب تدمير البيئة والحياة الاجتماعية بشكل عام؛ كل ذلك جعلني أتصل بصديق لي على موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك)، واقترحت عليه فكرة تأسيس حركة (100 ألف شاعر) تدعو إلى التغيير، وتكون انطلاقتها من (الفيسبوك). وقد أعددت ملصقاً في أول الأمر يدعو الشعراء إلى الاندماج من أجل تغيير اجتماعي يفيد كل مكونات المجتمع.

لكن يبدو أن حركتكم قد انحرفت عن تغيير ما هو اجتماعي، وراحت تدعو إلى تغيير سياسي، ولهذا أريد أن أعرف كيف يمكن أن تؤثّروا في السياسة الأمريكية الحالية؟
سؤال مهم جداً، فقد كبرت خلال الستينيات، إذ كان الشِّعر مرتبطاً بالسياسة، وقد لاحظت أن كل شعراء حقبة الخمسينيات والستينيات الذين درستهم كان لهم همّ سياسي، وساهموا في تغيير مجموعة من الأشياء داخل وسطهم المجتمعي، ومن بينهم شعراء (الإيقاع) أو كما يطلق عليهم شعراء (الجيل المهزوم). هنا لاحظت تأثيراً قوياً للكلمة، وخصوصاً الكلمة الشعرية، وهذا ما جعلني ألتحق بركب الشعراء؛ للمساهمة في التغيير في حقبة الستينيات والسبعينيات، وسرت على خطاهم من أجل إحداث تغيير اجتماعي وثقافي وسياسي إن أمكن في جميع بقاع العالم.

image

أنتم تتحدثون عن حقبة الستينيات والسبعينيات، لكن ماذا عن هذه الحقبة؟
بالفعل هذه المدة تختلف عن مدة الستينيات والسبعينيات، لكن السؤال الذي يطرح نفسه لأهميته هو: إلى أي مدى يمكن للشاعر أن يغير الوضع الراهن؟ وكيف يمكن للشاعر أن يساهم في تغيير واقع مفروض؟ وهل يصغي المجتمع إلى ما يقوله الشاعر وينشده؟ وإلى أي مدى يمكن أن يساهم الشعراء في تغيير المشكلات التي يمر بها مجتمع ما؟ هذه أسئلة مهمة جداً، لكن لا يمكن أن تمنعنا من المضيّ نحو مسارنا الإبداعي ولو لم يستمع المجتمع إلى ما يقوله الشعراء، ولا يعتقد في إمكانية التغيير بوساطة الشعر.. هذه كلها أسئلة أنا واعٍ بها، لكن لا يمكنها أن تمنعني من التقدّم في مشروعي الثقافي.
جدوى الشعر والشعراء، اليوم، أنها مسألة عميقة جداً.. نحن جميعاً نعرف أن المجتمع الأمريكي مجتمع مستهلك، وأن السياسيين في أمريكا يمارسون شيئاً من الدجل السياسي على المواطن الأمريكي، وهناك عدة محطات برهنت على ذلك.. أنتم بوصفكم مثقفين أمريكيين ونخبة متنورة، كيف يمكن أن تؤثّروا في السياسة الأمريكية بوساطة الشعر؟
لنوضح فكرة أولى، وهي أن هناك مفكرين ومثقفين أمريكيين تستغلهم الإدارة الأمريكية؛ لذلك يجب ألا نعتمد، بشكل مطلق أو بشكل محدود، على الجهود التي يقدمها المثقفون، فالمجتمع الأمريكي يسيطر عليه السياسيون، لذلك لا يمكننا أن نربط آمالنا بهذه النخبة. أما الشعراء المعاصرون بأمريكا، فإن الآراء تتضارب حول مدى وفائهم إلى القضية الإنسانية الأمريكية، إنهم شعراء النخبة الذين تستغلّهم السلطة الحاكمة في البلاد، كما تعدّ الأحزاب السياسية مجموعة من الشعراء من أجل الدفاع عن أيديولوجيتها، ولذلك ينسون قضايا إنسانية مهمة داخل المجتمع الأمريكي، وهذا لا يشجعني على التحدث عنهم، قدر ما يمكنني أن أتحدث عن دوري خارج جغرافية أمريكا عن طريق التواصل مع شعراء في قارات أخرى، وبلدان أخرى خارج أمريكا؛ ومنها المغرب حيث الاهتمام بقضايا إنسانية، فقد بلغت الأمسيات الشعرية في الدول المختلفة 700 أمسية شعرية، وهدفي اليوم هو إقامة علاقات مع شعراء لهم الهموم نفسها والمشكلات عينها، ويسعون إلى إيجاد حلول لها. وهذه العلاقات مع الشعراء في البلدان الأخرى هو انتصار لي، فقد أنقذتني من السقوط في براثن الشاعر الرسمي النخبوي داخل المجتمع الأمريكي.

لكن كيف علاقتك مع الشعراء الأمريكيين.. يبدو أنها ليست على ما يرام؟
يجب أن تعلم أن الشعراء الأمريكيين غير متحدين؛ لهذا فإني أتطلع إلى إيجاد وحدة تفوق الحدود الجغرافية للولايات المتحدة الأمريكية، وأنا سعيد بالتواصل مع عدد من الشعراء عبر شبكة الإنترنت، فكلهم يدعون إلى التغيير وتحسين الظروف المعيشية.

أعود إلى شعراء (جيل الإيقاع) أو (الجيل المهزوم) التي شهدتها الستينيات، هل ما زال الإحساس نفسه يغمر وجدان الشاعر مايكل وزملائه الشعراء بأمريكا، أعني الانكسار والانهزام؟
أريد أولاً أن أحدّد مفهوم (البييت) أو حركة (الجيل المهزوم)، إذ إن المفهوم قد استغلته الأكاديمية بطريقة وحشية لأغراض شخصية لا علاقة لها بتوجهاتهم، ومع أن فكرتي وشعري بدأا مع حركة (البييت) فإنني أسعى إلى إحداث تغيير ممنهج يختلف عما دعا إليه شعراء حركة (البييت)، واضعاً أمامي تلك الحقبة التاريخية، فحركة (البييت) ظهرت منذ أربعين عاماً، أما اليوم فقد اختلفت الظروف السياسية، ولذلك يجب أن نضيف إضافة نوعية إلى ما بدأه (البييت)، ويكون التغيير مناسباً للألفية الثالثة.

image

التغيير لدى الشاعر مايكل يعتمد على العالم الافتراضي، هل يمكن لنافذة «الفيسبوك» أن تؤتي أكلها، وتحقق أحلام الشاعر مايكل وزملائه؟
كلنا نعلم مدى أهمية الربيع العربي في إحداث تغيير عميق في الفكر الغربي بشكل عام، فقد حدثت ثورات أو دعوات إلى التغيير خلال الربيع العربي عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجي بالتحديد، وساهم (الفيسبوك) ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى في إحداث تغيير جديد ووضع أرضية للتواصل العالمي بين الشعراء والمثقفين والمهتمين والفاعلين الجمعيين وجميع جوانب المجتمع التي تتطلع إلى التغيير والاستماع إلى الآخر واقتراحاته؛ فـ(الفيسبوك) بالنسبة إلي هو بوابة تمكنتُ من خلالها من توسيع علاقتي وزرع بذور الأمل، اعتماداً على ما بدأته حركات التغيير في البلدان العربية. لقد منحنا أملاً لمجتمعات وأناس عبر (الفيسبوك) من خلال حركة (100 ألف شاعر من أجل التغيير) التي انطلقت بدورها عبر (الفيسبوك) فلم يكن يتوقع المجتمع الغربي بشكل عام، والأمريكي بشكل خاص، أن العرب سيدعون إلى التغيير.

إذاً أنتم تعتقدون أن (الفيسبوك) أعطى ما كان منتظراً منه لحركتكم؟
دعني أقول لك، أو أنعت هذه الوضعية التي نعيشها اليوم بـ(نافذة فرصة)؛ لأنني أعتقد أن يوماً من الأيام ستقوم الولايات المتحدة الأمريكية، والشركات ذات الرأسمال الكبير، بإغلاق هذه البوابات الإلكترونية، وتمنع أي تواصل بين المثقفين والشعراء؛ لذلك علينا أن نسرع ونرفع من وتيرة التواصل والتوعية والدعوة إلى تنظيم مجتمعاتنا بكل فئاته، فيجب أن تعلم أن وكالة الأمن القومي الأمريكي تطّلع على جميع رسائل الإنترنت، وتسعى إلى التجسس على المكالمات، وعاجلاً أو آجلاً ستعمل على إغلاق كل البوابات الإلكترونية؛ للحدّ من ارتفاع مستوى الوعي الاجتماعي بأمريكا، والدعوة إلى التغيير، فهذه فرصة يجب ألا تفوتنا.

هذا الربيع العربي الذي تحدثتم عنه، ألم يكن صناعة أمريكية محضاً، كما هو متداول؟
هذا سؤال عميق ومعقد، لكن يجب أن نوضح شيئاً مهماً جداً في البداية، فالحركة تدعو إلى السلم الاجتماعي والعدالة والتنمية المستديمة، وتجديد الطاقات.. وكلها قيم يجب ألا يقف ضدها أي إنسان. هذه فكرة أولى، ثانياً أنا لا أدّعي أنني محلل سياسي ولا كاتب سياسي، لكن لديّ رؤية مضمونها أن ما وقع في الدول العربية التي شهدت الربيع العربي إنما هو حدث لم يسبق إليه من قبل، وأعتقد، من وجهة نظري، أن الحدث لم تساهم فيه أيادٍ خارجية؛ لأنه مشروع انطلق من العفوية، ولا يمكن أن نتوقع ما سيؤول إليه هذا المشروع، فعلى الرغم من الدراسات التي قامت بها وكالة (سي آي إي) وسياسيون بالولايات المتحدة الأمريكية وجامعات أمريكية فإنه لا يمكنني أن أجيب بشكل قطعي عن هذا السؤال.

ألم يكن تورط أمريكا في حرب العراق دافعاً إلى تغيير سياستها المباشرة والتدخل العسكري من أجل النفط؟
من الواضح أن الولايات المتحدة الامريكية تسعى إلى تحقيق أهداف اقتصادية تخدم مصالحها، وأينما وجدت هذه المصالح في أي دولة فستسعى إلى الحصول عليها، ولن يمنعها أي نظام سياسي أياً كان، وهذا أمر حدث في العراق وفي أفغانستان أيضاً، ومؤخراً تم اكتشاف تقرير أعدته منظمة أمريكية يخبر الشعب الأمريكي بأن هناك مليارات الموارد الطبيعية تم اكتشافها في أفغانستان، وهي الدافع إلى الحرب، وليس تتبع (القاعدة). وهذه الأمور يعلمها الشعب الأمريكي؛ لذلك بدأ المواطن الأمريكي يستيقظ من غيبوبته التي أصابته نتيجة اعتقاده وإيمانه المطلق بالقيادات السياسية في البلاد، وأنا لا أنفي أن النظام الأمريكي قد يكون قد أحدث زعزعة في البلدان العربية؛ لتفتح المجال للدخول الأمريكي وشرعنة تدخّلها في الأنظمة السياسية والاقتصادية، وجعلها وتداً في هذه البلدان العربية؛ من أجل التحكم في صيرورة مسارها الاقتصادي والاجتماعي مستقبلاً.

هذا الجواب يحيلنا إلى قصيدة (من دمر أمريكا؟) للشاعر الأمريكي أميري بركة، التي تطرّق فيها إلى أحداث 11 سبتمبر، فهل شعرية مايكل تذهب في الاتجاه نفسه لتقريب العالَم الأمريكي إلى ما يقع في العالم الآخر؟
اسمع ديواني الأخير (حبس لأجل غير مسمى)، فهو دليل قاطع على مدى تعقّد المجتمع الأمريكي؛ حيث أصبحت أمريكا سجناً كبيراً لمواطنيها، بعدما غابت كل القيم التي نادت بها أمريكا في العهد القديم؛ من حرية التعبير، وحرية التنقل، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، كل هذه القيم تختفي الآن من حياة المواطن الأمريكي. فالسجون أصبحت ممتلئة، وأخذت الحكومة الأمريكية تنشئ سجوناً كبيرة مثل غوانتنامو، حيث يتم الزجّ بأناس أبرياء، وصرنا نقتل العنصر البشري بوصفه عنصراً لا قيمة له في الحياة، ونقتل -أيضاً- الإنسان الأمريكي. فقد كان الإنسان الأمريكي من قبلُ يحاكِم الإنسان الأمريكي داخل حدود أمريكا الجغرافية، أما الآن فيمكننا أن نقتل الإنسان في وطنه وخارج حدود أمريكا.
وهناك قصيدة في ديواني بعنوان: (ربما سأذهب إلى كندا) تعالج فكرة قلق الانتماء والهوية، وتطرح تساؤلات عن الديمقراطية الأمريكية، وأعبّر في هذه القصيدة عن مدى رغبتي في أن أصبح مواطناً مهاجراً في دولة أخرى؛ لأن الأوضاع الحالية في أمريكا لا تشجّعني على الانتماء إلى هذه البلاد؛ فأنا أتطلع إلى ديمقراطيات أخرى في دول اخرى.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت