د محمد فخرالدين
تم إن جندبة تزوج المرأة الفارسة واسمها قتالة الشجعان، و سارا معا الى ارض الحجاز و بينما هما سائرين إذ بدا لهما جبل كأنه الثلج الأبيض حتى اشرفا على واد كثير النبات مخضر الجنبات كأنه قطعة من الجنان ..
و اذا هما يسمعان صياحا و قعقعة سلاح و همهمة خيل و فرسان ، و لما سمع صياح الفرسان :
ـ يا لبني كلاب ..
علم جنذبة أنهم من قومه ، و أنهم في حرب مع الأعداء اللئام ، و قد صاروا على وشك الخيبة و الانهزام ، فناداه الحسام و حب الحرب و القتام ، و نزل في الحال الى الميدان رفقة زوجته الفارسة قتالة الشجعان ..
ومال جندبة على اليمين و زوجته قتالة الشجعان على اليسار، فافنوا الشجعان و الأبطال من أهل العدوانالاعداء ، و مالت الكفة لبني كلاب و تشتت اعداؤهم في البراري و القيعان ..
و فرح بنو كلاب بالنصر و احتفوا بالفارسين كل الاحتفال ، و اكرموهم غاية الإكرام ، ولما علموا ان جندبة هو ابن زعيمهم الحارث بايعوه عليهم في الحال بالإمارة ..
و حدث ان جندبة سمع بهجوم جماعة من اللصوص على جباة الخراج و أنهم سلبوا أموال الخلافة في دمشق، فخرج اليهم في الحال هو وزوجته قتالة الشجعان ، و سقى اللصوص كأس الوبال ،وخلصا الخراج من اللصوص اللئام ، و سارا بالخراج الى الخليفة مروان بن الحكم الى دمشق فأكرمهما غاية الاكرام و أنعم عليهما كل الإنعام .
و كان لمروان ابن اسمه هشام ، فلما رأى الفارسة قتالة الشجعان أغرم بها غاية الغرام ، فطلبها لنفسه فأبت و رفضت ، فدبر مكيدة أسرها فيه بعد معركة شارك فيها خمسمائة من فرسانه ، و لما رفضت الزواج به قتلها خوفا من كلام العرب .
اما ما كان من جندبة فإنه افتقد زوجته و لم يعثر لها على خبر ، ثم إنه تزوج من امرأة شريفة من قومه بني كلاب ..
و لم تمض إلا مدة يسيرة بعد علمه بموت زوجته قتالة الشجعان حتى مات حزنا عليها ، و ترك زوجته الأخرى حاملا ، و أوصاها إن هي انجبت ذكرا أن تسميه الصحصاح و أن تربيه على الحرب و الكفاح ..
و شبَّ الصحصاح على حب الفروسية ، و كان كثير الخروج الى الفلوات ينافس أقرانه فيتفوق عليهم في الحرب و الطعان ..
و في يوم من الايام و بينما هو في رحلة صيد في البراري و القفار ، لجأ الى ظل ليستريح ، وغفا قليلا فاستيقظ على صورة شيخ جليل يقود حصانا من الخيل الجياد ، فلما أقبل عليه سلم عليه بتحية الاسلام ، و قدم اليه زمام الفرس و قال له :
ـ اعلم يا صحصاح ان هذا الحصان اسمه اللاحق ، و هو يسابق الرياح ، ويسبق الرماح ، و ليس في الخيل مثله، و هو لك دون غيرك ..
فشكر الصحصاح الشيخ و قبل يديه و رأسه ..
وانطلق الصحصاح فوق فرسه، و التحق به الفرسان و الشجعان حتى صار له جيش جرار مجهز بالسيوف و الرماح و النصال ..
و في يوم من الايام رآى هودجا تحيط به جماعة من قطاع الطرق ، و هم يريدون سبي ما فيه من الحريم و قد قتلوا الحراس و الفرسان ، فهجم عليهم بما يملكه من الفرسان، و حرر النساء و الصبيان من ذلك الطغيان، و لم يكن ذلك الهودج إلا لابنة الخليفة مروان ابن عبد الملك ، التي شكرته كل الشكر .
و لما علم الخليفة بالأمر دعاه للمجيء إلى عاصمته ، ودخل أبواب دمشق محاطاً بجيش من الفرسان الأجواد و قد ركب على أحسن جواد ، إلى أن دخل قصر الخلافة معززا مكرما هو و من معه من الفرسان ..
و لما علم الخليفة مقدار شجاعته ، و قدراته القيادية في تخطيط الحروب و معرفته بالأبواب و الثغور ، و بعد ان تداول معه في الامور ، و ما يهدد ثغور الخلافة من شرور ، كلفه بنزال الروم الذين كانوا يهددون ثغور بلاد الخلافة من جهة البحر ، رفقة الامير مسلمة ابن الخليفة عبد الملك بن مروان ..
فانطلقا على رأس جيش جرار لمقاتلة الروم والبيزنطيين، وكان زاده الإيمان و الإقدام والدربة على قراءة الخرائط التي ترسم الجزر والثغور والمسالك البحرية الصعبة ..