منانة

منانة

- ‎فيجهات, رأي
407
0

محمد النواية

امرأة من تخوم مدينة مراكش حيث الخضرة والبساتين ووفرة مياه القنوات الآتية من جبال الأطلس الكبير جربت كل أنواع خدمات المرأة في البادية وتحمل أتعاب
الأسرة الكبيرة إلى أن رحلت إلى المدينة حيت استقرت الأسرة في حي من أحياء
المدينة يعود إلى العهد السعدي . كانت تملأ المكان حيوية وانشراحا ترعى الأحفاد
وتساعد الزوجات وتدبر أمور البيت تجوب الدروب والأحياء تحيي الرحيم وتزور
قبور الأقارب لا شيء يثنيها عن مساعدة الناس لم تسمع أبدا منها شكوى ولا صوتها
ارتفع على احد صبورة حبوره تسعى لإسعاد الجميع جيرانها يحبونها لأنها دائما في
الموعد بيتها معروف ب “دار منانة” . رغم كبرها في السن لا زالت تموت حبا في
أمها العجوز التي تحظى باحترام الكل لمكانتها المتميزة في الحي فهي المرأة
التي تستقبل المواليد وتودع الموتى من النساء وتشرف على غسلهن إنها المهنة التي
تصل الحياة بالموت منانة كانت لا تقدر على فراق أمها فالإنسان يبقى دائما طفلا
ما دامت أمه على قيد الحياة فهي البنت البكر من ثلاث بنات وولد واحد.
هكذا كانت للا منانة كباقي نساء زمان اللائي كن يحملن هم الحياة الدنيا ويتحملن ما
لم يقدر عليه الرجال قدر المرأة هذا الذي يترك لها الأشغال الشاقة والمسؤوليات
الأسرية وتعلق على حبلها جميع الأخطاء وتنسب إليها كل المصائب وتنعت بأقسى
النعوت ولا يعترف لها بتضحياتها ولا بجميلها تتبوأ أدنى الدرجات وتوضع
في أسفل الترتيب هي النوع الذي عانى شتى أنواع الظلم ومختلف أشكال الاستعباد
إن وضع المرأة هو عنوان للتطور والتقدم ومقياس الحضارة والمؤشر للرقي الاجتماعي
ستضل أوجاع وألام ذلك السيف الذي لازال يطعن المرأة يذكي فينا المرارة ما لم يرفع
عنها هذا السيف.
منانة ستفقد أخاها وولدها وسيتخذ زوجها قراره القاسي بالرحيل إلى حي آخر وستجبر
على فراق أمها الطاعنة في السن وترك وراءها زمنا جميلا ممزوج بدفء الأم وشغب
الأطفال وجيرانا كانوا لها سندا وعونا كما كانت لهم ملاذا و ذخرا وستغدو كنبتة انتشلت
وتم إبعادها عن تربتها سيدب المرض في جسمها ويسري الوهن في جسدها وستبدأ
الزيارات إلى أضرحة الأولياء والصالحين داخل وخارج المدينة كالولي سيدي ميمون
وسيدي عبد الله غيات وسيدي الزوين وعبد الخالق بن ياسين وبعض رجالات المدينة
السبع أبي العباس ألسبتي وعبد العزيز التباع والغزواني وأخيرا الولية الصالحة للا
تكركوست المدفونة بموقع السد الذي يحمل اسمها بضواحي المدينة .
في ضريح هذه الولية أخذت للا منانة حمام بنية التبرك تم استسلمت لحصة علاجية
لقدميها اللتان لم تعودا تقوى على المشي لمسافة قصيرة الحصة تعتمد على وصفة عجين
من الطحين تطلى على قدمي منانة الجالسة على حافة صهريج قرب الضريح تم تلقي
بهما في الماء فتأتي السلاحف العائمة لتلتهم الطعم الذي يكسو القدمين والمريضة
في انضباط تام يحدوها الأمل في أن تقوم من جديد وتعود لحيويتها العادية
ترى أين يكمن سر هذه المعالجة السحرية أهو في التهام العجين أم في لسعات السلاحف
وكمداتها للقدمين . إن لكل ولي من هؤلاء الأولياء وصفته لمعالجة ومقاومة مرض ما
كما أن الضريح يعتبر المصحة التي تستقبل المريض بطقوس معينة باختلاف بركة الولي
بل منها من يوفر المبيت والإقامة. تعبت للا منانة من هذه الزيارات التي لا طائلة منها
وستنزوي بجسدها في زاوية بالبيت لتشعر بشحنة من الحياة كلما أتت أمها لزيارتها
إلى أن أسلمت الروح إلى الباري تعالى فأشرفت الأم على غسلها وكفنها ليوارى جثمانها
الطاهر الثرى وتلقى ربها راضية مرضية وتحجم أم للامنانة كعادتها عن البكاء وتصبر حتى ينفض المأتم فتخلو ببيتها لتشفي غليلها بالبكاء من حرقة الفراق . سيتزوج زوجها العجوز بامرأة تصغر بناته سنا وتطوى صفحة من صفحات تاريخ النساء اللواتي أفنين
عمرهن في الكد والتعب ومكابدة قساوة وآلام الحياة تم يفارقن هذه الدنيا بلا تكريم ولا اعتبار ولا اعتراف.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت