كلامكم/ ا. سلام/ الشارقة
في ليلة دافئة من ليالي الشارقة كان الموعد مع صونيا أو سكينة مكيو وهو اسمها الحقيقي . تلك الجزائرية التي طوت وراءها عمرا طويلا من التجربة والعمل في حضرة المسرح, أتت من بلد المليون شهيد إلى الشارقة لتشهد على مسيرة كانت مزروعة بالشوك والحجارة قبل أن تلينها جسارة ابنة جيجل وتحول شوكها إلى زهرات تتفتح على الركح كلما تسيدته صونيا تمثيلا أوإخراجا.
ولأن المرأة العربية بشكل عام والمغاربية بشكل خاص كان عليها خلال حقبة زمنية معينة تقديم تضحيات كبرى قبل الحصول على إذن بالدخول إلى عالم الفن. فإن صونيا كانت واحدة من اللواتي كلفهن المسرح ثمنا باهضا. فهذه المرأة الشغوفة بالمسرح تحملت بسببه قطيعة طويلة الأمد مع عائلتها دامت لأزيد من عشرين عاما قبل أن تحدث المصالحة التاريخية كما وصفتها بينها وبين والديها.
والحقيقة أن جيل صونيا سواء في الجزائر أو في المغرب بالتحديد قدم تضحيات كبيرة من أجل عيون المسرح وهنا أتذكر الفنانة المغربية الراحلة زينب السمايكي التي وقعت صريعة هوى المسرح وتدربت رفقة فرقة مسرحية بمراكش طيلة أشهر خفية عن عائلتها قبل أن تضطر إلى مكاشفة العائلة عندما تقرر عرض المسرحية في توقيت كان يمنع عليها الخروج فيه من البيت. وفي يوم العرض قامت الدنيا ولم تقعد في بيت عائلة زينب قبل أن تقرر المضي نحو الخشبة وتقدم دورها في المسرحية التي تعبت من أجل التدرب عليها.
هو عذاب مشترك عاشته زينب وصونيا وكل من جايلتهما والسبب شغفهن بالفن والمسرح. فماذا أعطى هذا الأخير لهن وماذا أخذ منهن؟
هذا السؤال طرحه المسرحي المغربي عبد الحق الزروالي على صونيا خلال سمر فني جمعها بقبيلة الفنانين والإعلاميين والمهتمين بأب الفنون, فكان أن سبقتها دمعتها إلى الجواب. قبل أن تقول “أخذ مني كل شيء وأعطاني حريتي”.
صونيا, جال بها هوى المسرح بين سكيكدة وكيفان فعنابة, بدأت ممثلة وانتهت مخرجة وقدمت روائع عديدة للمسرح الجزائري من أبرزها مسرحية “حضرية والحواز” التي قدمتها في تسعينيات القرن الماضي أيام الهم والميزيريا كما قالت, فكان المسرح سلاحا لها ولرفاقها من أجل مجابهة الظلام إذ اتخذوا المسرحية ذريعة من أجل مقاربة ما كان يحدث حينها في الجزائر التي عاشت عشرية سوداء أودت بحياة كثيرين. وقد ساهمت صونيا أيضا في تأسيس مهرجان الإنتاج المسرحي النسوي الذي يشترط في المسرحيات المشاركة فيه أن يعود إخراجها أو تأليفها لامرأة أو غيرها من المهن المسرحية مثل السينوغرافيا وتصميم الملابس والديكور..
بعد كل هذه السنوات في رحاب المسرح تقول صونيا إن النظرة المسيئة التي لاحقت المرأة التي تلج عالم الفن لم تعد موجودة بعد أن “قضينا عليها منذ زمن” وأن الفتيات الآن أصبحت تشجعهن عائلاتهن ويحظين بالدعم والتقدير في المجال. نتيجة لم يكن الوصول إليها سهلا لكنها تحققت ولو بعد حين.
ختاما.مسحت صونيا دموعها وقالت بلهجتها الجزائرية الممزوجة بفرنسية طاغية “أنا راضية على مشواري المسرحي وأرى أنه كان يستحق كل التضحيات التي قدمتها من أجله”.