أمراء النكور.. منفيو التاريخ في المغرب

أمراء النكور.. منفيو التاريخ في المغرب

- ‎فيآخر ساعة
584
0

 

فاطمة سلام -الدريوش/شمال المغرب

في قيادة تمسمان التابعة لإقليم الدريوش في الشمال الشرقي من المغرب، تقبع أربعة قبور لأربعة من أمراء “النكور” الإمارة التي تقول المراجع التاريخية إنها حملت الإسلام السني إلى المغرب الأقصى، ويعود لها الفضل في اتباع المغرب إلى اليوم مذهب الإمام مالك بن أنس.

ثلاثة قبور يبدو وصف “مهملة ومغتربة” ضئيلا أمام حالها. بينما من التقتهم “مجلة الجزيرة” من سكان الجماعة القروية بني مرغنين التي تحتضنها، لا يعرفون بالمرة شيئا عن تاريخ من يرقدون بها.

هذا التاريخ يمكن أن نتصور أهميته، عندما نعرف أن الإمارة امتد وجودها حسب المصادر على مدى ثلاثة قرون وخمسين سنة، أي منذ تأسيسها سنة 81 هجرية/699 ميلادية إلى 410 هجرية/1019 ميلادية، وهو الوجود السابق على دولة الأدارسة أولى ممالك المغرب (172 هجرية). وعندما يحصي مؤرخ كأبي عبيد البكري، رقعتها الجغرافية في كتابه “المغرب في ذكر بلاد أفريقية والمغرب” بمسيرة عشرة أيام.

image

قبر الأمير سعيد أقوى حكام إمارة النكور على حافة طريق وتقول الروايات أن الجثة نهبت (الجزيرة)
15 أميرا تعاقب على إرساء حكم النكور، أربعة منهم ما زالت قبورهم موجودة بريف المغرب، ويصف البكري في مؤلفه واحدا منهم وهو مؤسس الإمارة صالح بن منصور بالقول “صالح المعروف بالعبد الصالح هو الذي افتتحها زمن الوليد بن عبد الملك، ودخل أرض المغرب في الافتتاح الأول، فنزل مرسى تمسمان، وعلى يديه أسلم بربرها وهم صنهاجة وغمارة. ثم ارتد أكثرهم لما ثقلت عليهم شرائع الإسلام وقدموا على أنفسهم رجلا يسمى داود ويعرف بالرندي وكان من نفزة، وأخرجوا صالحا من البلد ثم تولاهم الله بهداه وتابوا من شركهم وقتلوا الرندي واستردوا صالحا فبقي هنالك إلى أن مات بتمسمان”.

الأبرز في تاريخ صالح بن منصور، الخدمة العظيمة التي قدم للمغرب الأقصى، عندما أنهى تمذهب سكانه بمذهب الخوارج الصفرية، الذي كانت تتبناه أيضا إمارتا برغواطة وبنو مدرار. وأسس لجمع أمراء النكور بين السلطة الدينية والسياسية، فكانوا متفقهين في الإسلام يخطبون في الناس ويسوسون أمورهم، بالأخص وأن المؤسس الأمير صالح، تفقه بالقيروان ومنها تحرك بداية إلى الريف في مهمة إدماجه بنفزة، بتوجيه من حسان بن نعمان الغساني، القائد العسكري بأفريقيا زمن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان وأبنائه، كما يذكر الزياني في الترجمانة الكبرى.

ما سلف لا ينصف بأي حال أمراء النكور، بالأخص صالح بن منصور (81-132 هجرية) وابنه إدريس بن صالح (132-134 هجرية) والحفيد سعيد بن إدريس (134-180 هجرية) أقوى ثلاثة حكام للإمارة، كبرت في عهودهم وصمدت في وجه حكم بني أمية وهجومات الفايكينغ النورمانديين، ومحاولة العبيديين الفاطميين بأفريقيا السيطرة عليها. كما باتت على أيديهم منارة ثقافة وأدب اقتبست منه الأندلس وأوفدت إليها من رجالاتها، كما عمر حواضر العلماء الذين خرجهم جامع النكور، وتقول المصادر إنه بني على غرار جامع الإسكندرية.

image

قرية سيدي إدريس (الجزيرة)
اليوم بعد قرون من انقضاء حكم إمارة النكور، تقف القبور الأربعة شواهد وفاة حقيقية عنوانها الإهمال. تمكنا كغيرنا وكأي عابر سبيل أو أي ذي صفة من أن نلج ضريح صالح بن منصور غير المحروسة حرمته، فإذ تبدو تسمية ضريح دالة على الفخامة والأهمية، إنما تحاول فقط التخفيف من إجحاف الوضع الذي عليه مقام “الرجل الصالح”. في غرفة حول ما بالإمكان أن يزخرفها الزليج ترقد جثته، بينما دفن في غرفة مجاورة بقبر متواضع، ابنه المعتصم الذي حكم بعده ثلاثة أشهر فقط وتوفي.

يقول اليزيد الدريوش -الباحث في تاريخ الريف- لمجلة الجزيرة، إن الحياة تبعث في الضريح ليلة الـ27 من رمضان، حيث تقام احتفالات دينية داخل غرفه الفارغة “لكن تركه دون حراسة وفي وضع مأساوي، تهدمت فيه أجزاء منه وكثرت حفر الضريح وصدئت الأبواب وتعددت فيه أعمال الشعوذة، كما تركه دون أي إشارة تشير إلى هوية ساكنه، أو زيارة تفقدية من المسؤولين له أو اهتمام به، يعكس عدم التقدير لمؤسس إمارة النكور وعدم الاحتفاء بتاريخه”.

لا بد لمن يغادر القرية أن يتوقف كيلومترات قليلة خارجها، بالتحديد عند مكان يبدو أقرب إلى خرائب ترابية منه إلى قبر. على ناصية الطريق العمومية القريبة لا تحدد ماهيته، هو في قبر الأمير الحفيد، سعيد بن إدريس بن صالح، الذي تقول المراجع التاريخية إن النكور عرفت عصرها الذهبي على يديه، وغدت فيه محطة للدعوة والجهاد.

image

ضريح الأمير إدريس الذي أخذت القرية عنه اسمه (الجزيرة)
يقول عنه اليزيد الدريوش نقلا عن روايات محلية، إن جثة الأمير بداخله نهبت من قبل الباحثين عن الكنوز المدفونة. ولا يبدو الأمر بعيدا عن التصديق، بالنظر إلى وضع القبر كما توضح الصور التي التقطناها، هو على الهامش لينسى، لا شاهد ولا حرمة.

غير بعيد عن “زاوية سيدي صالح وقبر سيدي سعيد” كما يعرف سكان المنطقة المكان دون إضافات، حسب شهادات استقتها المجلة. في تمسمان أيضا، بقرية يتداول اسمها على أنها قرية “سيدي إدريس” بينما تحمل اسم “آيت تيار” ضريح الأمير إدريس بن صالح. هو الآخر دون اسم إلا شفوي أو إشارة تقود إليه، وكما وقفت على ذلك المجلة (بالصور) دون حراسة ومفتوحة الغرف الملحقة به لكل الوافدين، بالأخص لإقامة عابري السبيل وعمال البناء والفلاحة المرور بالمنطقة. وإذ قد يعكس هذا نوعا من التضامن الاجتماعي يعكس أيضا حسب الدريوش “اللامبالاة”.

داخله قبة الضريح المتواضعة ارتسمت على الجدران (كما في زاوية سيدي صالح) أكف الحناء، وهي واحدة من الأعمال التي تتباين الآراء بشأنها إن كانت عرفا أو شعوذة، حيث تضمخ الراغبات في الزواج أكفهن بالحناء وتطبعنها على جدران الضريح تبركا به.

توجهنا بسؤال لسكان القرية الذين تحلقوا حولنا، إن كانوا يعرفون شيئا عن هوية الراقد بالضريح والذي يشاع اسم القرية باسمه، شباب وكهول في شهادات موثقة لا يعرفون أكثر من ما يعنيه أن توجد قبة على قبر “هذا رجل صالح”.

image

قبر الأمير صلاح ابن منصور مؤسس إمارة النكور دون حراسة (الجزيرة)
إلى جانب الضريح مقبرة تبدو خاصة بأموات القرية، بينما تضم رفات المجاهدات اللاتي كن بجيش قائد ثورة الريف المغربي الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، وسقطن في معركة سيدي إدريس ضد الاستعمار الإسباني بتاريخ 2 يونيو/حزيران 1921، كما يذكر ذلك مؤلف “أنوال” للمؤرخ محمد بن عبدو الحكيم.

هذه المقبرة تنال أيضا حظها من النسيان -حسب الدريوش- الأمر الذي بدا باعثا أكبر على الحزن، بالأخص حزن الباحث في تاريخ الريف والذي رافق المجلة في جولتها بين القبور الثلاثة، فتطوع لتقديم شروحات تاريخية عن الأمير إدريس ومقبرة المجاهدات، أمام واقع أن لا أحد من السكان الذين تجمهروا حولنا كان يعرف أي معلومة عن الاثنين، وأن اللافتتين الوحيدتين في المكان، تحمل إحداهما اسم الفرعية المدرسية للقرية، والثانية لتذكر بأن المنطقة عانت قبلا من عدم ربطها سابقا بالماء الصالح للشرب، خط عليها “الماء أساس الحياة لنحافظ عليه جميعا”.

وفي حين تحدث وزير الثقافة المغربي محمد الأمين الصبيحي -في جلسة برلمانية سابقة- عن “مقاربة جديدة تجعل من حفظ وصيانة وتثمين الموروث الثقافي، عملا تشاركيا بين كافة المعنيين، سواء بالنسبة للمجالس البلدية والسلطات المحلية وهيئات المجتمع المدني، وكذا قطاعات حكومية أخرى، كقطاع السياحة والصناعة التقليدية بالخصوص تقبع دون إشارة أو دليل، على أعتاب قرية آيت تيار أو سيدي إدريس، وكالة أثرية فينيقية يعود عمرها إلى ثمانية قرون قبل الميلاد. حسب اليزيد الدريوش عمرها الفينيقيون أعلى جبال “طاشا” لتسهيل معاملاتهم التجارية مع منطقة الريف وباتجاه الضفة الأخرى، كما توثق لذلك اكتشافات البعثة الإيطالية التابعة لسفارة إيطاليا في المغرب، التي نقبت عن معالمها وعثرت عليها سنة 2001.

أسوار وقطع أثرية كاملة، كان يمكن أن تنضاف لإرث إمارة النكور الثقافي والتاريخي، وتشكل عامل جذب سياحي مهم في منطقة الريف، لكنها اليوم أماكن قفار وأسماء طي النسيان مشاعة للإهمال والإتلاف. يحضر في وجع الحسرة عليها شعر إبراهيم بن أيوب:
ونور الأرض من تلك الجبين ويحجب عن بينك طرف لحظي
إليك بكل ناحية أمون وقد جبت المهامه من نكور

المصدر : الجزيرة

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت