الشامتون في المصائب!

الشامتون في المصائب!

- ‎فيرأي
218
0

 

ليس الأمر بجديد… فبعد كل عملية إرهابية تستهدف مدنيين عزلا لا علاقة لهم من قريب أو من بعيد بعالم السياسة ومسؤولية الفاعلين فيه، ينبري البعض، من بين ظهرانينا للأسف الشديد، ليس فقط إلى تبرير ما جرى واختلاق كل المعاذير له بل وإلى ما هو أكثر فداحة من ذلك: الفرح به والإشادة بفاعليه.

يوم الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، كنت في دمشق استعدادا لتغطية زيارة الرئيس ياسر عرفات إلى دمشق بعد طول جفاء، وحدث ما حدث في واشنطن ونيويورك وهلل فرحا به قلة قليلة في الشوارع. لم يكن طبعا هذا هو المزاج العام في البلد وقتها فقد كان الذهول هو السائد ولم يترك لأي مشاعر أخرى أن تتبلور. أذكر جيدا وقتها أن شخصا على صلة بالأجهزة اتصل بي، وقد ألغيت زيارة عرفات بسبب الحدث، ليتمنى علي بكل لباقة ألا أذكر شيئا عن بعض هذه المظاهرات الصغيرة والمرتجلة، وقد فعلت..لأن هؤلاء ما كانوا ليعبروا عن السوريين وقتها وما كان يجوز أخذ الشعب بجريرتهم كما فعل البعض وقتها مع الفلسطينيين إثر إعراب البعض منهم في الضفة الغربية عن فرحة مماثلة.
وقتها لم يكن هناك شيء إسمه «فيسبوك» ولا «تويتر» ولا غيرها مما يسمى اليوم مواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت عندنا، نحن العرب والمسلمين، إلى ساحات ينفـّــس فيها بعضهم على أسوأ ما فيهم. في غضون أيام معدودات، تلك التي فصلت بيت تفجيري الضاحية الجنوبية في بيروت الذي ذهب ضحيتهما أكثر من أربعين لبنانيا وعشرات الجرحى الخميس الماضي وتفجيرات باريس الجمعة التي أودت بحياة مئة وثمانية وثلاثين وعشرات الجرحى، وكلهم مدنيون أبرياء، خرج من بيننا على مواقع التواصل الاجتماعي، من يفرح بهذه أو تلك أو بكليهما بلا حياء ولا حد أدنى من الاحترام لهؤلاء الضحايا الذين كان يمكن أن يكون أخاك أو أمك أو ابنتك من بينهم. بلغت بعض هذه التعليقات الساقطة حدا جعل أحد المغردين يرد عليها ساخطا بالقول « الشامتون في هجمات باريس مجردون من الانسانية». ومع ذلك وجد من يعقب عليه بالقول مثلا «خلينا الانسانية لكم» أو «رغم أن ما جرى عمل جبان وغير أخلاقي إلا أن قلبي لم ينكره».. وهذا ألعن!!
دعنا نأخذ تفجيري بيروت أولا: ستجد كل شامت يقول إن من سقط هناك إنما يستحق ذلك على أساس أن أبرياء سوريين يسقطون كل يوم في سوريا جراء براميل نظام بشار الأسد الذي يقف معه حزب الله اللبناني في نفس الخندق وعليه أن يذوق في معقله ما يذيقه هو والنظام الذي يدعمه لأبرياء آخرين يعانون الويلات كلها منذ أكثر من أربع سنوات. هنا نخلط بين تشخيص صحيح للمسؤولية السياسية والأخلاقية لحزب الله في ما يجري في سوريا، وهي كارثية ومعيبة بلا شك، وبين أن ترى أن الضحايا في برج البراجنة، ومن بينهم أطفال ونساء وشيوخ، يستحقون ما لحق بهم مع أنهم لا هم أصحاب قرار في هذا الحزب ولا هم بمقاتلين في صفوفه. الفرق بين الأمرين كبير جدا والربط بينهما متعسف وظالم.
أما مع تفجيرات باريس فالسقطة أكبر، لأن من الشامتين من ربط، ليس فقط بين ما حدث في العاصمة الفرنسية وقصف القوات الفرنسية لمواقع تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا أو ما فعلته القوات الفرنسية في مالي في الأشهر الماضية، بل وكذلك بين هذه التفجيرات وما كان أقدم عليه الاستعمار الفرنسي من أعمال مشينة في الجزائر قبل عقود. كأن على الفرنسيين الآن، وكثير من الأجانب الذين قادهم حظهم العاثر إلى هناك هذه الأيام، أن يدفعوا فواتير فترة لا هم عاشوا فيها ولا لهم بها أي علاقة. إنه منطق أعوج لا يبتعد كثيرا عمن يمكن أن يفجر يوما أبنية في مكة لأن أهل قريش أساؤوا إلى الرسول الكريم قبل 14 قرنا!!
كثيرون يخطئون بين التفسير والتبرير، والبعض الآخر يسقط في إثم الإشادة بموت أبرياء وهو من يلوم بشار الأسد ومن والاه بفعل الشيء ذاته مع أن من أكبر السقطات النهي عن خلق والإتيان بمثله، لأنه يحرمك من أي تفوق أخلاقي عن من تشهر به وتدين صباحا مساء، ناهيك عن أنه «لا تزر وازرة وزر أخرى» كما يقول الله في كتابه العزيز، أي أن كل شخص يُجازى بما يفعله هو ولا أحد غيره، خيرا كان أم شرا، وأن لا أحد يحمل خطيئة أحد غيره ولا جريرته.
ما هذا الدرك السحيق الذي لا يعد يرى فيه بعضنا غضاضة أو عيبا؟!!
٭ كاتب تونسي
محمد كريشان

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت