بقلم أحمد نشاطي
بحلول اليوم 5 نوفمبر 2015 تكون مرت 23 سنة على رحيل الشهيد عبد السلام الموذن أحد أبرز مؤسسي وقادة اليسار الجديد المغربي، أو الحركة الماركسية اللينينية المغربية، أو كما يسمي البعض مكونات هذه الحركة باسم اليسار السبعيني. تميز هذا اليسار بكونه تيارا مجتمعيا ناهضا عماده الأساس من الشباب، الذي تفاعل مع الاستنهاض الثوري الذي كان العالم يعرفه آنذاك، مع انطلاق الثورة الفلسطينية، ومع انتفاضة الحركة الطلابية في أوروبا سنة 1968، ومع انتصارات الثورة الصينية، ونجاح الثورة الفيتنامية في دحر قوى الاحتلال وتحقيق الاستقلال، ما دفع هذا الشباب المغربي إلى تمزيق جلباب الأب التقليدي، ممثلا في الحركة الاتحادية والحركة الشيوعية، والانطلاق في آفاق رحبة بحثا عن “حرب التحرير الشعبية” مع منظمة “إلى الأمام”، وعن “الثورة الوطنية الديمقراطية” مع منظمة “23 مارس”.
في هذه المسيرة، كان الشاب العشريني عبد السلام الموذن من أبرز منظري الثورة في حركة 23 مارس، يزاوج بين الاجتهاد السياسي والفكر النظري والقيادة الميدانية، والعيش في السرية، إلى أن تمكنت الأجهزة الأمنية من اكتشاف ومداهمة مقر قيادة 23 مارس في الدارالبيضاء، حيث جرى اعتقاله ورميه في غياهب معتقلات سرية، وعاش مع رفاقه المعتقلين مختلف أشكال التعذيب الوحشي، قبل تقديمهم للمحاكمة، حيث كان نصيبه حكم بالسجن 32 سنة نافذة، قضى منها 18 سنة خلف القضبان، قبل أن يستفيد، ضمن مجموعة تتكون من الأغلبية الساحقة من معتقلي اليسار السبعيني، من عفو ملكي سنة 1989.
وسواء داخل السجن أو خارجه، ظل عبد السلام الموذن يبحث وينقب ويجتهد ويكتب ويناقش ويحاضر مهموما بأمل الثورة الوطنية الديمقراطية…
التحق الموذن، عقب الإفراج عنه، بالعمل في جريدة أنوال، التي كان يكتب فيها باستمرار، ويوميا، يزرع في النفوس الأمل، وينتقد “جيل الانشغالات التافهة”، في محاولة لاستنهاض الهمم، يكتب عن الإصلاح والتغيير، عن دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع، وعن تغيير الدستور…
ويوم الخميس 19 مارس 1992، عندما خرج، كعادته في السابعة والنصف صباحا من بيته، في اتجاه محطة القطار، في رحلته اليومية من الدارالبيضاء إلى الرباط، ليكون دائما في موعده بجريدة “أنوال”، فاجأه 3 أشخاص وأدخلوه بالقوة والتهديد بالسلاح الأبيض إلى سيارة “فاركونيت”، ووضعوا عصابة على عينيه، واقتادوه إلى وجهة مجهولة…
عملية الاختطاف تلك جاءت في ظرفية سياسية بالغة الدقة، تتميز، آنذاك، بخاصيتين جوهريتين، يقول الموذن، الخاصية الأولى، تكمن في احتداد الصراع الاجتماعي ومن أبرز مظاهره الحركات النضالية الاجتماعية الواسعة المنتشرة على صعيد الوطن ككل.. والخاصية الثانية، تكمن في احتداد الصراع السياسي المتمحور حول المسالة الدستورية، بحيث إن كل الأحزاب الوطنية والتقدمية المغربية آنذاك (حزب الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي، التقدم والاشتراكية، منظمة العمل الديمقراطي الشعبي)، أصبحت تطرح بحدة مسألة تغيير الدستور. وكان الاختطاف، يقول عبد السلام الموذن، رسالة من “أعداء الديمقراطية يحاولون وضع خطوط حمراء أمام النقابات العمالية المناضلة وأمام الأحزاب الوطنية التقدمية لكي لايتم تجاوزها، وعملية الاختطاف التي تعرضت إليها هي بمثابة رسالة موجهة لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، التي لدي شرف الانتماء إليها، ولجريدة أنوال الناطقة باسمها، حتى لايتم تجاوز تلك الخطوط الحمراء”.
اللافت أيضا أن عملية الاختطاف، التي اقترنت بالتهديد بالتصفية الجسدية، جاءت أيضا عقب أيام فقط على مقال رأي كتبه عبد السلام الموذن عن سطوة وزير الداخلية آنذاك إدريس البصري، وطالب بمحاكمته باعتباره يمثل رمزا يكثّف كل أشكال القمع والتزوير في تاريخ البلاد. حدث ذلك، في وقت لا أحد، يمينا ولا يسارا، كان بمقدوره أن يقول كلمة نقد ولو بالإشارة لإدريس البصري، الذي جعله بلاغ للديوان الملكي في السنة الموالية، ضمن مقدسات البلاد، عندما رفضت المعارضة أول عرض للتناوب الحكومي، فيما كانت أحزاب الكتلة آنذاك، تريد الانطلاق نحو تناوب ديمقراطي…
المثير هنا، أنه لم تكد تمر سوى شهور معدودات، وبالضبط يوم 5 نوفمبر 1992، حتى جاء خبر وفاة عبد السلام الموذن في حادثة سير غامضة بمنطقة بوقنادل، بين سلا والقنيطرة.
كان الموذن في عطلة آنذاك، وفي فترة نقاهة، لالتقاط بعض الأنفاس والراحة، عقب شهور من العمل اليومي المكثف والمتواصل، المهني في الجريدة، والسياسي في الحزب. وقبل يوم من الحادثة، وكان يوم أربعاء، حل عبد السلام الموذن بالجريدة، سلم على جميع الزملاء، واختلى بزميله حمدان في الجريدة، لبعض اللحظات، استقى منه أخبار العمل، وأمده ببعض مستجدات الوضع السياسي، قبل أن يودعه، على أمل لقاء قريب، لكنه لم يحدث أبدا… والذي حدث أن عبد السلام، الذي غادر مقر “أنوال” بالرباط، وهو في حالة صحية ونفسية عادية، سيتعرض لحوادث غريبة أفضت إلى وفاة أكثر غرابة… قيل إنه فقد عقله، وإنه شوهد في فاس، وآخرون شاهدوه في سوق أربعاء الغرب، وقيل إنه لم يقع التعرف عليه، وتقرر نقله في سيارة إسعاف إلى مستشفى الرازي للأمراض العقلية في سلا، وإن الممرضين توقفوا في بوقنادل لتناول لحم مشوي، وإن عبد السلام نزل من السيارة وقطع الطريق ناحية الرصيف المقابل، فصدمته شاحنة أو حافلة كانت تسير بسرعة، علما أن وسط بوقنادل، لمن يعرف المنطقة، لا يمكن لأي سيارة أو شاحنة أو حافلة أن تسير بسرعة، بحكم حركة الراجلين المتنقلين بين جانبي الطريق…
عبد السلام الموذن أحد أبرز مؤسسي ومنظري اليسار الجديد، ينتهي في لحظة سريعة، وكل ما هو متوفر رواية رسمية عن حادثة سير غريبة، لم تزل السُّتُر والحُجُب عن موتة ملغزة غامضة إلى اليوم…
المصدر ، صفحة الفيس بوك