لم تمر توصية أخيرة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب، تقضي بالمساواة بين الرجل والمرأة في الإرث، دون أن تثير جدلا في البلاد لم يهدأ بعد، تحول معه إلى ساحة صراع أيديولوجي بين الحداثيين والمحافظين.
ينطلق داعمو توصية المؤسسة الحقوقية المغربية، أو “الصف الحداثي في المغرب” من أن المرأة لها كامل الحق بالمساواة مع الرجل في الحقوق كما تتساوى معه في الواجبات، كما تنص على ذلك دولة القانون والمؤسسات التي يرفع المغرب شعارها .
كذلك ومن هذا المنطلق يرون، أن على المغرب الانسجام مع الاتفاقيات الدولية الحقوقية التي وقع عليها، وأهمها البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو”.
لكن في مجتمع محافظ كالمجتمع المغربي، ويحمل فيه الملك لقب أمير المؤمنين، تلح أصوات علماء الدين والأحزاب والجمعيات ذات المرجعية المحافظة، على عدم السماح لـ”هذه الأفكار بالتفشي، بالأخص وأن النص الديني في موضوع الإرث واضح وصريح” كما يقول عبد الله اكديرة، رئيس المجلس العلمي المحلي للرباط، الذي كلمته “TRT العربية” ورفض الإدلاء بتصريح من باب أن الأمر “مغضب ويتطلب ردا مفصلا يعده للتعميم”.
من جهته قال عبد الباري الزمزمي، رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في فقه النوازل لـ”TRT العربية” إن النص القرآني في قوله “للذكر مثل حظ الانثيين، قطعي ولا يحتمل التأويل، كما أن قسمة الإرث فيه عادلة ومنطقية وليست مجحفة بأي طريقة للمرأة، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار إلزام الإسلام للرجل بالقوامة المالية على المرأة وكافة أهل البيت”.
ونحى الزمزمي، إلى اعتبار أي دعوة لتقسيم الإرث بالتساوي بين الذكر والأنثى “باطلة، ولا تراعي المرجعية الإسلامية للمغرب أو إمارة المؤمنين به” وإذ يصر المتحدث نفسه على أن الأمر لا يتعلق بالمرونة الاجتماعية بل بالقطعية الدينية، تقول وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن السابقة، والنائبة البرلمانية نزهة الصقلي في تصريح لـ”TRT العربية” إن “النص الديني قابل للاجتهاد، ويتيح إمكانية إيجاد حلول لرفع الظلم، وهو ما يمس النساء عندما يباح، في حالات، للأقارب بتقاسم كل الممتلكات معهن”.
وأضافت الصقلي، أن الباب النقاش عليه أن يكون دائما مفتوحا “شريطة أن يكون حوارا هادئا ومتفهما ومستوعبا لكافة وجهات النظر” مذكرة بأن المغرب وقع على اتفاقيات دولية عليه الالتزام بها.
وعما إذا كانت توصية المجلس الحقوقي قد تترجم إلى مشروع قانون يناقش في البرلمان المغربي، قالت الصقلي إن “الأمر ممكن طالما يكون تتويجا لنقاش مجتمعي جاد ومنتج”.
ولم يفت النائبة البرلمانية أن تذكر معارضي توصية المجلس، بأن تقرير المجلس لم يقتصر على مسألة الإرث لوحدها، بل تضمن نقاطا اجتماعية متعددة كمناهضة العنف والمشاركة السياسية للنساء وغيرها “تم بكل أسف تجاوزها وإسقاطها من النقاش”.
النقاش الخلافي فتح جبهات أخرى له، على مواقع التواصل الاجتماعي هذه المرة، معظمها كان أصواتا معارضة تنطلق من “وضوح النص القرآني بخصوص الموضوع” فيما ذكرت الأصوات المساندة بالحالات الإنسانية للنساء اللاتي لم ينجبن أطفالا ذكورا، والبنات اللاتي ليس لهن أخوة، وكذلك بحالات تتقاطع كالنساء “السلاليات”. وهن فئة ترث قطع أرض عن أجدادها لكن ملكيتها تعود للجماعة فيما يسمى في المغرب بأراضي “الجموع”. ويمنعن من التصرف فيها، وفي حال كن أرامل يستفدن فقط إذا كان لهن مولود ذكر” وهو ما تقول بشأنه تعليقات مغاربة على الفايسبوك إن “الإسلام من السماحة والعدل بحيث لا يرضى به”.
وفي حين انتظر داعمو طرح المساواة في الإرث، من حزب العدالة والتنمية الحاكم في المغرب، الإدلاء برأي يفتح الباب إيجابا أمام التوصية لمناقشة إمكانيات تفعيلها، جاء رده حازما حين قال “التوصية غير مسؤولة وتتضمن خرقا سافرا لأحكام الدستور” لكن الاحتكام إلى الدستور، أرفع وثيقة قانونية في المغرب، سيف بنصلين فالمجلس الوطني لحقوق الإنسان احتكم في توصيته للفصل 19 منه ويقول “يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في الدستور، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها”.
TRT العربية