هكذا يتم تنفيذ عقوبة الإعدام في المغرب شهود عيان راقبوا وقوع الموت عن قرب

هكذا يتم تنفيذ عقوبة الإعدام في المغرب شهود عيان راقبوا وقوع الموت عن قرب

- ‎فيآخر ساعة
761
0

 

 

ادريس ولد القابلة

كل الذين ساهموا بشكل أو بآخر، في الإعدامات وإيقاع الموت قانونيا من جهة، والذين فقدوا حياتهم جراء ذلك، كلهم كانوا نتاج ظرفية تاريخية أو مجتمعية ، فكيف يتم تنفيذ عقوبة الإعدام؟

“حي الإعدام” بالسجن المركزي بالقنيطرة، فضاء يكاد يكون مظلما لولا ضوء خافت ينبعث من مصباح غشاه غبار السنين المتراكم..نور ضعيف لا يضيء إلا جزءا ضئيلا من الحي.. يشعر والجه بأن الموت قريب منه، يحوم حوله من كل الجوانب. فقد تناسلت الكثير من القصص حول هذا الحي وقاطنيه الطين كانوا نادرا جدا ما يستعملون أفعال المستقبل كأن لا غد لهم مهما كان قريبا.. وجوههم يائسة لا لون لها.. نظراتهم ذابلة وباردة لا حرارة حياة فيها.. عيون مثقلة من قلة النوم بالنهار والاستيقاظ بالليل..إذ كانوا يأتون ليلا لأخذ المحكومين بالإعدام عندما تحين ساعتهم.. لهذا لم يكن أحد من نزلاء حي الموت يقوى على النوم ليلا حتى لا يفاجأ بموعد حلول الموت وهو نائم.. كل دقائق الحياة اليومية لنزلاء حي الإعدام تدور حول الموت.. وقد تكيف حراس هذا الحي وموظفو الإدارة مع هذا الواقع.. التزموا “ببروتوكول” خاص لا مثيل له في أحياء السجن الأخرى.. مثلا كلهم يرتدون أحذية رياضية ليلا خشية إحداث صوت عند تحركهم، لأن صوت الأقدام ليلا يفهم منه أنهم آتون لاقتياد أحد النزلاء إلى عمود الإعدام، كما أنهم يتجنبون فتح أو إقفال الأبواب الحديدية بقوة، لأن صوت المفاتيح في الأقفال ليلا، يوحي هو كذلك بنفس الشيء.. هكذا تكيف نزلاء حي الإعدام بالسجن المركزي مع الموت وصاحبوه في كل شبر من هذا الفضاء.. لا أمل لهم إلا واحد لا ثاني له، انتظار عفو ملكي يحول عقوبة الإعدام إلى المؤبد لاسترجاع حقهم في الحياة التي سلبوا منها بمجرد أن نطق القاضي الحكم في آخر جلسة.
عموما، يخضع تنفيذ عقوبة الإعدام في المغرب لإجراءات مسطرية خاصة، فمباشرة بعد النطق بالحكم النهائي من طرف غرفة الجنايات في محكمة الاستئناف، حيث جرت المحاكمة، يقدم طلب فوري بالعفو، ويعامل السجين المحكوم بالإعدام بطريقة ينظمها القانون، كما يجري التنفيذ حسب إجراءات محددة، ويمارس رميا بالرصاص، بعد أن يصدر وزير العدل قرار التنفيذ.

الأستاذ عبد الرحمان بن عمرو
شاهد عيان حضر أكثر مرة تنفيذ عقوبة الإعدام
يعتبر النقيب عبد الرحمن بن عمرو من المحامين الذين حضروا الكثير من حالات تنفيذ عقوبة الإعدام بالمغرب. عاين تنفيذ عقوبة الإعدام في القضايا السياسية التالية:
– تنفيذ عقوبة الإعدام على المقاومين الأربعة : بنحمو الفواخري ورفاقه وقد كان التنفيذ سنة 1961 وبداية 1962.
– تنفيذ عقوبة الإعدام على المحكوم عليهم في القضية المعروفة بقضية المقاوم عمر دهكون ومن معه، والتي صدر فيها حكم في 30 غشت 1973 متضمنا 16 إعداما ونفذ في 15 منهم في فاتح نونبر من نفس السنة، أما المحكوم عليه السادس عشر فقد أجل تنفيذ الحكم فيه، لينفذ، بعد إضافة ستة آخرين أعيدت محاكمتهم، ولينفذ أخيرا في حق هؤلاء السبعة في غضون شهر غشت 1974.
– تنفيذ عقوبة الإعدام على الضباط العسكريين، فيما عرف بقضية الهجوم جوا على الطائرة الملكية، وعدد المحكوم عليهم بالإعدام 11 (قضية محمد أمقران ومن معه)، وقد صدر الحكم في 17 نوفمبر 1972 ونفذ ليلة عيد الأضحى.
نفذ الإعدام في القضايا المذكورة قرب السجن المركزي بالقنيطرة، في ساحة قرب المهدية وذلك بعد عصب العينين وتقييد الأيدي وربط المنفذ عليهم بأعمدة، وعن طريق الرمي بالرصاص من طرف مجموعة من الجنود يقفون على مساحة معينة (حوالي 100 متر)، ويتم الإعدام في جنح الظلام وبالتدقيق قبيل الفجر.
و حسب الفصل 19 من القانون الجنائي، قبل نسخه بمقتضى الفصل 756/6 من المسطرة الجنائية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في فاتح أكتوبر من سنة 2003، فإنه يحضر عملية التنفيذ رئيس المحكمة التي أصدرت الحكم، وإلا فقاض يعينه الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، وعضو من النيابة العامة، وأحد قضاة التحقيق، وإلا فأحد القضاة من محكمة المكان الذي يقع به التنفيذ، وأحد كتاب الضبط، ومدافعو المحكوم عليه، ومدير السجن الذي يقع فيه التنفيذ أو كان المنفذ عليه معتقلا به، ورجال الأمن الوطني المكلفون من قبل النيابة العامة، وطبيب السجن وإمام ثم عدلان.
بعد نسخ الفصل 19 وذلك بمقتضى المادة 756/6 من المسطرة الجنائية الجديدة، فإن هذه الأخيرة أعادت، عن طريق المادة 603 من المسطرة الجنائية ذكر من يحضر عملية التنفيذ، وهم تقريبا نفس من ورد ذكرهم في الفصل 19 من القانون الجنائي، أي الفصل المنسوخ. ومن ضمنهم “محامو المحكوم عليه”، الأمر الذي يعني أن المشرع أبقى نظريا على حضور الدفاع ولكنه من الناحية العملية فإنه – حسب ما يعلم الأستاذ عبد الرحمن بن عمرو – منذ أواسط السبعينيات لم يعد يستدعى المحامون لحضور عملية تنفيذ الإعدام.
ومن المفروض أن يصل المحام إلى السجن المركزي قبل نقل موكله إلى ساحة التنفيذ وأن يلتقي به في السجن ويسمع إلى ما يرغب في التصريح به. إلا أنه من الناحية العملية لم يسمح للأستاذ بالاتصال بموكله قبيل تنفيذ الإعدام، إلا في مجموعة قضية حمو الفخاري وقضية مجموعة الضابط أمقران، أما في قضية عمر دهكون ومن معه فإنه لم يسمح له ولا لبقية الدفاع بالاتصال بهم قبيل التنفيذ. وبعد ذلك لم يعد الدفاع يخبر أو يستدعى لحضور عملية التنفيذ رغم أن القانون كان ينص على ذلك.
أما حاليا، وكما أشرت، فإنه نسخ أو ألغي الفصل 19 من القانون الجنائي الذي كان ينص على حضور الدفاع عملية التنفيذ.
إن عمليات التنفيذ الثلاثة التي حضرها الأستاذ بن عمرو، اتصف المنفذ فيهم بالثبات والرجولة، وكانوا يقرأون القرآن، ويتذكر الأستاذ بالنسبة للتنفيذ في مجموعة المقاومين الأربعة (بنحمو الفخاري ورفاقه) أن الفخاري رفض وضع العصابة على عينيه معلنا أنه مستعد أن يموت وهو يرى سماء المغرب.
وبعد إطلاق النار من طرف فرقة الإعدام، يعاين أحد الضباط الميت ويتأكد بعد إطلاق الرصاص، هل تحقق الموت، ويطلق على من لازال يحتضر ما يسمي برصاصة الرحمة.
أما حضور العدلين، فالمقصود منه هو أخذ مطالب المنفذ عليهم الإعدام، إلا أن الأستاذ أقرّ أنه لم يسبق له أن استمع عن قرب لهذه المطالب.

الراحل جواد العراقي محام ونقيب سابق
“رجعت إلى البيت محطم الأعصاب
قبل وفاته تجاذبت أطراف الحديث مع الأستاذ الراحل جواد العراقي المحامي بهيأة القنيطرة بخصوص مراسيم تنفيذ عقوبة الإعدام لأنه عاين إحداها، وقبل الخوض في الموضوع أصر الراحل على التذكير بأن قضية الإعدام كانت الشغل الشاغل للمحامين الشباب في أوائل ستينيات القرن الماضي، ذلك أنه بعد اختيار الأستاذ أحمد الشاوي كاتبا لندوة المتمرنين بهيئة المحامين بالرباط للسنة القضائية 1963 – 1964، قام بتقديم خصصه لموضوع عقوبة الإعدام مطالبا في ختامه بإلغائها، والجدير بالذكر أن ندوة التمرين كان يحضرها إذ ذاك وزير العدل والرئيس الأول لمحكمة الاستئناف والهيئة القضائية علاوة على المحامين.
وعقب هذه الندوة تكونت جمعية للمطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام، وكان من ضمنها عدد كبير من المحامين، بينهم الأساتذة الراحل محمد بوزوبع والراحل الفاروقي والراحل أحمد عبابو وعباس الفاسي والراحل جواد العراقي وغيرهم، وأخذوا على عاتقهم أن تكون مقدمة مرافعتهم في كل قضية يطلب فيها الإعدام الدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام وعدم النطق بها.

وبخصوص حالة تنفيذ الإعدام التي عاينها، قال الراحل جواد العراقي.. في ليلة إعدام العقيد أمقران ومن معه، كانت هذه الجماعة (مجموعة المطالبين بإلغاء عقوبة الإعدام) إضافة إلى عدد من الفاعلين الجمعويين والمثقفين ومنهم عبد الكريم غلاب مجتمعين في منزل الراحل محمد بوزبع ليحرروا ميثاق ميلاد هذه الجمعية، إلا أنهم فوجئوا برجال الأمن يحضرون للمنزل المذكور لإبلاغ محاميي الدفاع قرار تنفيذ الإعدام في قضية العقيد أمقران والكويرة ومن معهما.

وأضاف الراحل جواد العراقي.. هكذا حضرت تنفيذ الإعدام ليلة عيد الأضحى لسنة 1973، وكان الأمر يتعلق بالمحكوم عليهم بالإعدام في قضية ما سمي بـــ “الهجوم على الطائرة الملكية”، علما أنني لم أحضر قط أي تنفيذ إعدام في الأظناء”.

واسترسل الأستاذ الراحل موضحا.. إنني لما توصلت بالاستدعاء لحضور تنفيذ عقوبة الإعدام سقط كل ما كنت أمسكه بيدي آنذاك.. فالعلاقة بين المحامين والشخص المحكوم عليه بالإعدام تكون علاقة تخرجه عن نطاق العمل فقط، وتصبح علاقة شبه عائلية وأخوية تقريبا.

وأقر الأستاذ الراحل قائلا.. أجل إن حضور المحامين من الناحية المحامية ضروري، فالمحكوم عليه بالإعدام لا يكون له قريب أو مؤنس في تلك اللحظة سوى محاميه. علما أن الإطلاع على محضر عملية تنفيذ عقوبة الإعدام بالمغرب يفيد بأنها تتم بحضور جماعة من الأشخاص كلهم كانوا وراء صدور هذا الحكم، واللائحة كما يلي: الرئيس الذي أصدر العقوبة، وقاضي التحقيق، والوكيل العام، والمنفذون.
ويسترسل الأستاذ الراحل حديثه مبينا.. لقد حضرت تنفيذ الإعدام في مجموعة العقيد أمقران التي تمت في أولاد برجال “الشليحات” على الساحل المحيط الأطلسي بعيد عن الساكنة بناحية القنيطرة، في فضاء مخصص لعمليات تدريب الجنود على الرماية. أما حالة المحكوم عليهم، فكانت عادية، عكس ما قد يتصوره المرء، كانوا شجعانا وتقبلوا تنفيذ الحكم بثبات ورباطة جأش طالبين الشهادة والاستشهاد.
وفي خضم حديثه رجع الأستاذ الراحل جواد العراقي إلى الماضي خلال عملية السرد ليؤكد.. حضرنا إلى السجن المركزي بالقنيطرة مبكرا، وبعد أن حضر الرئيس الذي أصدر الحكم تقدم المحكوم عليهم بمعية محاميهم. أما طلباتهم فقد فكانت منحصرة في المسائل المتعلقة بعائلاتهم وأفراد أسرهم.
وأشار الأستاذ الراحل.. أنه في إطار هذه القضية تم تأخير موعد التنفيذ إلى حوالي الساعة الثامنة صباحا لأسباب كنا نجهلها، مع العلم أن التنفيذ كان من المفروض أن يتم قبل الفجر، وتمت عملية التنفيذ بعد وقوف المحكومين مصطفين مقيدين ومربوطين للعمود، وأمامهم اصطف أفراد فرقة الرماة على بعد بضعة أمتار، وبعد إشارة رئيسهم دوت طلقات النار، وبعد ذلك قامت الفرقة بمعاينة الجثث ليتيقنوا سداد التنفيذ، بالموت الأكيد.

وختم الراحل الأستاذ جواد العراقي حديثه قائلا.. كانت هذه أول مرة أحضر فيها معاينة تنفيذ العقوبة القصوى، وكان لمشهدها وترتيباتها تأثير شديد القوة على نفسي، بحيث رجعت إلى البيت محطم الأعصاب، ولولا علمي المسبق بأشياء أخبرني بها المحكوم عليهم في خلوة بيننا (المحاميين) وبينهم قد تقع، لما وجدت القوة لمغادرة البيت. لذلك اضطررت أن أتوجه إلى الرباط ولكن مع الأسف الشديد وصلت متأخرا، فحصل ما حذروا منه، كما وقع للأستاذ محمد اليازغي عندما انفجر طرد بين يديه.
إعدام الكوميسير ثابت

ما هي الأسباب التي جعلت من الكوميسير ثابت، المجرم الأكثر شهرة بالمغرب؟ هل نظرا لجرائمه البشعة غير المألوفة ببلادنا، أم لأنه كان آخر محكوم بالإعدام لقي حتفه تنفيذا للعقوبة؟ يبدو أن السببين معا تداخلا مع الظرفية والوظيفة لجعله كذلك في نظر أغلب المغاربة.
إعدام الكوميسير ثابت كان آخر إعدام تم تنفيذه بالمغرب وكان ذلك في غضون شهر شتنبر 1993.
صدر الحكم بالإعدام في غضون شهر مارس 1993، وتم تنفيذه يوم الإثنين 9 غشت من نفس السنة. لأول مرّة بالمغرب تمّ التنفيذ بسرعة فائقة غير معهودة، علما أن فضائح الكوميسير انفجرت في شهر رمضان. وبعد إعدامه ساد جوّ من الرعب في جناح المحكومين بالإعدام بالسجن المركزي بالقنيطرة، ولم يرجع إليه الهدوء وشيء من السكينة إلا في غضون شهر يوليو 1994 عندما استفاد المحكومون بالإعدام بعفو ملكي خفض العقوبة إلى السجن المؤبد أو مدة محددة.
لقد تخلصوا من الانتظار الذي يُعتبر أكبر أعداء المحكوم بالإعدام، بجانب الضجيج الذي تحدثه المفاتيح والأبواب الحديدية بحي “ب” بالسجن المركزي وأقدام الحراس ليلا. إذ أن فتح زنزانة ليلا في هذا الجناح يعني شيئا واحدا لا ثاني له، حلول موعد الحتف ومقابلة فرقة الموت.
في الخامسة صباحا من اليوم الموعود، لوحظت حركة غير عادية بحي الإعدام بالسجن المركزي بالقنيطرة، كان الكومسير ثابت منهمكا في أداء صلاة الصبح، آخر صلاة قبل مواجهة الموت، ذلك اليوم حضر جملة من الشخصيات لمعاينة عملية تنفيذ الإعدام، وكان من بين الحضور الجنرال حسني بنسليمان، أحمد الميداوي (الذي أصبح مديرا عاما للأمن الوطني بعد هذه المعاينة) ومحمد لديدي (مدير إدارة السجون)، ومدير السجن المركزي، والقضاة ومحامي الدفاع.
أمام فرقة الرماة، رفض الكوميسير وضع العصابة السوداء على عينيه، وبعد آخر ارتجافة صرخ قائلا: “حوكمت من أجل ما يقوم به جميع الناس، لكن الأشخاص الذين أدينوا معي لا دخل لهم في هذه القضية…”
قبل تنفيذ العقوبة كانت معنويات ثابت جيدة، إذ لم يكن يخطر بباله أنه سيقف وجها لوجه أمام فرقة الموت. هذا ما أكده مدير السجن المركزي الذي دأب على زيارته يوميا بزنزانته الانفرادية. آنذاك كان ثابت اعتاد على الاستيقاظ باكرا لأداء صلاتي الفجر والصبح. وقتئذ كان عدد من الشخصيات يزورون الكوميسير ثابت لطمأنته، وحينها كان يردد: “يجب الانتظار بعض الوقت خلف القضبان في صمت قبل معانقة الحرية من جديد”. لكن في واقع الأمر كان مجرى الأحداث يسير في اتجاه معاكس بالتمام والكمال.
أعدم الكوميسير ثابت بتهمة هتك عرض عدة نساء مع استعمال العنف والوحشية والقيام بتصويرهن على أشرطة فيديو خاصة، لكن الشريط 32 ظل لغزا محيرا ولطالما نادى ثابت بمشاهدته، لكن القاضي رفض طلبه مرارا.
لم يكن الكوميسير ثابت يظن أن حكم الإعدام سينفذ، وظل يعتقد أنه سيتم إعادة النظر في الحكم الذي لن يتجاوز 5 سنوات على أبعد تقدير، إذ تلقى وعودا كثيرة بهذا الخصوص من شخصيات وازنة.
يوم إعدامه كانت عائلته تهيئ “القفة” لزيارته في السجن فسقط عليها خبر تنفيذ الإعدام كالصاعقة.
ومن آخر مطالبه أنه التمس من الملك إعادة التحقيق في القضية ليعرف أبناؤه الحقيقة كاملة، كما طلب أن تمنح ساعته ونظاراته لابنه عماد، لكن لم تتم الاستجابة لطلبه، وسلمت جثثه للعائلة في صندوق مغلق. كما قيل أنه طلب من القاضي لحسن التولفي الذي عاين تنفيذ العقوبة إبلاغ زوجته برقم هاتف واسم شخصي، وقد قبل القاضي قبل اقتياده إلى عمود الموت.

إعدام أمقران والكويرة ورفاقهما الطيّارين

يوم السبت 13 يناير 1973، أعدم 11 طيارا بشاطئ الشليحات هم أمقران، الكويرة، زياد، بوخالف، المهدي، بلقاسم، بينوا، بحراوي، كمون، العربي واليزيد، رميا بالرصاص.
بعد نهاية المحاكمة ظل أمقران والكويرة داخل السجن العسكري بالقنيطرة يقضيان نهارهما في الحديث والمطالعة ولعب كرة السلة في ساحة السجن.
آنذاك راجت إشاعة عن إمكانية استفادتهما من عطف الملك وعفوه، كما راجت أخبار مفادها أن المقربين من الملك نصحوه بتهدئة الأجواء لاسيما وأن البلاد عرفت محاولتين انقلابيتين متتاليتين خلال سنة (صيف 1971 – صيف 1972)، لكن ما حدث كذب هذه الإشاعة، إذ تم نقلهما من السجن العسكري إلى دار المقري (النقطة الثابتة رقم 3)، حيث تعرضا للاستنطاق بخصوص علاقة عمر الخطابي بالانقلاب ومورست عليهما جميع أنواع التعذيب، وفجر اليوم الموالي نفذ في حقهما ومن معهما حكم الإعدام.
وخلافا لما جرى به العمل أعدموا بعد الفجر، تحت دفء أشعة الشمس الصيفية، على شاطئ المحيط الأطلسي بالشليحات على الضفة الشمالية لمصب واد سبو.
وحسب شهود عيان فإنهم واجهوا الموت بشجاعة ورباطة جأش، وعندما قيدوا على العمود قرأوا ما تيسر من القرآن.
إعدام عبد الرحيم إينوس

من الإعدامات الأولى المنفذة في الستينيات إعدام عبد الرحيم إينوس، الذي لم يكن سنه يتجاوز 14 ربيعا، عندما أطلق النار على الضابط لحسن الغول الذي صفى عددا من المقاومين.
صرح عبد الرحيم إينوس أمام هيئة المحكمة العسكرية في منتصف الستينيات أنه قضى على حياة مجرم اغتال الكثير من أبناء الشعب المغربي البررة، واعتبر ما قام به واجبا وطنيا لأنه تربى على رفض الظلم والاستغلال والخيانة في ظل الاستعمار الفرنسي، فكيف يقبله في عهد الاستقلال وهو صادر عن مغاربة ضد مغاربة؟
وكان حكم المحكمة العسكرية هو الإعدام رميا بالرصاص في حق عبد الرحيم إينوس ورفيقه في درب النضال والكفاح محمد باشوش.

لحظة إعدام الفواخري ورفاقه

من الإعدامات الأولى التي ارتبطت بشخص الملك الراحل، إعدام مجموعة محمد بن حمو العياشي (الفواخري) والتي اتهمت بالتخطيط لاغتيال الملك الحسن الثاني، ولي العهد آنذاك، شهورا معدودة قبل اعتلائه عرش البلاد. وتوبع الفواخري بمعية 10 من رفاقه بتهم حيازة السلاح والإخلال بأمن الدولة والقتل العمد.
وجاءت الأحكام التي نطق بها أحمد الزغاري، رئيس المحكمة العسكرية، مقرة حكم الإعدام في حق الفواخري وعبد الله بن لحسن الزناكي والمولات إدريس والجابوني وعمر بناصر، والمؤبد في حق الآخرين. ونفذ الحكم سنة 1961 داخل السجن المركزي بالقنيطرة، وقد رفض الفواخري وضع العصابة على عينيه، وكان آخر ما نطق به الكلمة التي سبق أن قالها المقاوم أحمد الراشدي قبل إعدامه من طرف السلطات الاستعمارية، “اتركوني أرى لآخر مرة سماء وطني الذي ضحيت في سبيله”، في حين كان آخر ما نطق به رفيق الفواخري، عبد الله بن لحسن الزناكي “يحيا الوطن” وقال رفيقهما المولات إدريس “هذا ما يجازينا به الإقطاع”.

إعدام العسكريين

اتضح نهج الملك الراحل الحسن الثاني في الحكم مبكرا، وتجلى ذلك منذ سنة 1963، ثم في 1965 مع القمع الشرس الذي ووجه به التلاميذ والطلبة وأولياء أمورهم، بالإضافة إلى عملية اختطاف المهدي بن بركة. وقد شكلت سنة 1971 المفترق الذي كشف عن سخط وغضب بعض العسكريين الذين خططوا للانقلاب بسرعة عفوية غير معهودة لدى القادة العسكريين، وبالرغم من إعدام جنرالات ومحاكمة المتهمين بالمشاركة في انقلاب الصخيرات، تلاه انقلاب آخر في صيف 1972 (الهجوم على الطائرة الملكية) يوم 16 غشت 1972.
عشية فشل الانقلاب الأول تم اعتقال الجنرالات المشكوك في أمر مشاركتهم فيه، إذ كلهم خضعوا لاستنطاق أشرف عليه الجنرال محمد أوفقير شخصيا، هو الذي لم يدق طعم النوم ليلتين متتاليتين، وفي اليوم الثالث رافق الجنرالات إلى ثكنة مولاي إسماعيل بالرباط لإعداد تنفيذ إعدامهم بدون محاكمة.
وهناك من إحدى المكاتب تابع الملك الحسن الثاني وضيفه الملك حسين مشهد الإعدام بالمنظار.
تابعا معا المشهد من أوله إلى آخره.. إذ تم تجريد الضباط السامين من النياشين وربطهم بالأعمدة واستعداد فرقة الرماة لإطلاق النار.. ظلا معا يتابعان المشهد بالمنظار إلى حين سقوط المعدومين الذين هتف بعضهم إما بحياة الملك أو بحياة الوطن. كما عاين الملكان جثث المعدومين على الأرض والجنود الحاضرون يقتربون منها للبصق عليها.
وفي لحظة فقد المغرب 9 جنرالات من أصل 14 أغلبهم من الأمازيغ، وقد تابع المغاربة مراسيم إعدام الجنرالات على شاشة التلفزة مباشرة، كما حضرت جماهير غفيرة إلى ثكنة مولاي إسماعيل لمعاينة هذا الحدث، وكانت الحصيلة إعدام 4 جنرالات، بوكرين وحبيبي وحمو ومصطفى و4 كولونيلات والكومندار إبراهيم المانوزي، وكل هؤلاء لم تكن تربطهم أية علاقة بالسياسة، ولم يكن لديهم أي وازع ديمقراطي، بل أغلبهم ساهم في قمع المقاومة بجبال الريف منذ 1925 وقمع التحركات النضالية في مختلف أرجاء المملكة.
أما الانقلاب الثاني (16 غشت 1972)، فكانت حصيلته إعدام 11 ضابطا في يناير 1973 رميا بالرصاص. علما أنه تم تعيين الجنرال أحمد الدليمي ضمن هيئة القضاة التي نظرت في قضية الهجوم على الطائرة الملكية في صيف 1972، وبذلك كان خصما وحكما في ذات الوقت، إذ اقتصر دوره فقط على الضغط على زناد السلاح الذي سيصوب في اتجاه صدر المتهمين، وهذا ما كان.

إعدامات 1973

حطمت سنة 1973 الرقم القياسي بخصوص الحكم بعقوبة الإعدام وتنفيذها.
يوم فاتح نوفمبر تم إعدام 15 شخصا رميا بالرصاص، وجميعهم أدينوا في محاكمة مراكش على إثر أحداث مولاي بوعزة، بتهمة تهديد أمن الدولة، وتم تنفيذ الإعدام يومين بعد عيد الأضحى.
تم إعدام عمر دهكون ورفاقه، وإضافة إلى هؤلاء نفذ حكم الإعدام يوم 27 غشت 1974 في حق 7 آخرين.

إعدام البهائيين

من المعدومين في بداية عهد الملك الراحل الحسن الثاني بعض المغاربة الذين اعتنقوا البهائية وحاولوا الترويج لها في المغرب، في فجر الستينيات بشمال المملكة.
عندما اهتمت الصحافة المستقلة بإشكالية التنصير وحرية الاعتقاد، تطرقت بعض الجرائد الصادرة بالعربية والفرنسية إلى وجود مغاربة يعتنقون البهائية (البهائيون المغاربة). كما أن التقرير الأمريكي السنوي وقتئذ أشار إلى وجود ما بين 400 و800 من المغاربة يعتنقون البهائية، من ضمنهم أطر بنكية ورجال تعليم ومهنيون تمركز أغلبهم بين مدينتي الرباط والدار البيضاء. لكن هل ظاهرة البهائيين بالمغرب ظاهرة جديدة أم قديمة؟
بدءا يمكن القول إنها ظاهرة ليست بالجديدة بالمغرب، إذ سبق أن عرفتها بلادنا منذ السنة الأولى لاعتلاء الملك الراحل الحسن الثاني عرش البلاد خلفا لوالده الراحل الملك محمد الخامس في فجر الستينيات، وقد سبق لمدينة الناظور أن عرفت محاكمة مجموعة من البهائيين المغاربة حوكم بعضهم بالإعدام، إذن سمع المغاربة الحديث لأول مرة عن وجود بهائيين بين ظهرانيهم سنة 1962، وكان ذلك بالشمال، لاسيما بمدينة الناظور وضواحيها، آنذاك وردت البهائية من إيران.
في تلك السنة احتضنت مدينة الناظور محاكمة 13 شابا مغربيا من المدينة ومن الشمال وسوريا كان يشغل منصب مدير تعاونية الصناعة التقليدية بمدينة فاس، وقد اتهموا بإثارة القلاقل والمس بالنظام العام، وفي نهاية المطاف حكمت المحكمة على 3 منهم بالإعدام و5 بالمؤبد مع الأشغال الشاقة ومنهم من حوكم 15 سنة سجنا نافذا.
خلال المحاكمة نشر علال الفاسي، وزير الشؤون الإسلامية آنذاك، مقالا بجريدة “الاستقلال” ذهب فيه إلى القول أن البهائيين المغاربة ربطوا علاقة مع إسرائيل بهدف تقويض أسس الدولة المغربية. في حين تساءلت جريدة “المنار” –”لي فار” التي كانت تصدر بالفرنسية والتي أسسها أحمد رضا كديرة وزير الداخلية آنذاك- عن المرتكزات القانونية لمتابعة البهائيين، باعتبار أنه لا وجود لنص قانوني يقر بعقوبة الإعدام بخصوص المس بالدين الإسلامي، كما أبرزت أن البند السادس من الدستور المغربي كان يقر آنذاك بحرية الاعتقاد، وبعد يومين من صدور مقال جريدة “المنار”، كان رد الملك الراحل الحسن الثاني خلال حديث صحفي أجراه يوم 12 دجنبر 1962، أقر فيه أن مضمون البند السادس من الدستور لا يسمح، بأي حال من الأحوال، التبشير بمذاهب وديانات مخالفة للإسلام، كما أنه لا يفيد بقبول البهائية التي تعتبر زندقة في نظر الإسلام.

كولونيل أنقذه أمر الملك من الإعدام

إن الصدفة وحدها هي التي أنقذت الكولونيل عبد الله المنصوري من الموت حكما بالإعدام، كما حصل مع زملائه. يوما واحدا قبل تنفيذ انقلاب الصخيرات توجه، في مهمة عسكرية، إلى مدينة الناظور، وخلفه بمكتبه الكوماندان بن ابراهيم. وفي اليوم التالي، اتصل الجنرال بوكرين بمقر القيادة العسكرية بفاس وطلب حضوره العاجل إلى الصخيرات، إلا أن الناظور كانت تعيش، في تلك الفترة، وباء الكوليرا، فمنعه الدرك الملكي من مغادرة المدينة بأوامر من الملك الراحل الحسن الثاني . عاد المنصوري إلى الناظور، وفي صبيحة اليوم الموالي للمنع ، تمكن الكولونيل المنصوري من الحصول من عامل الإقليم على رخصة مرور للتوجه إلى مدينة فاس، ومن ثمة الالتحاق بالجنرال بوكرين في الصخيرات، لكن ما إن وصل إلى فاس حتى اتصل به عاملها بنشمسي، وأخبره بما حصل في الصخيرات، وفي مساء ذات اليوم، علم المنصوري بخبر إعدام الجنرال بوكرين ومساعده الكوماندان بن إبراهيم النائب عنه خلال غيابه، إذ كان من المفروض يكون في مكانه لو لم ينقذه الأمر الملكي بمغادرة مدينة الناطور.
كان الكولونيل عبد الله المنصوري يشرف على امتحانات التخرج لمئات الضباط، كما عمل رئيسا للأركان في المنطقة العسكرية بفاس، التي كانت أهم المناطق العسكرية الست بالنظر إلى قربها من الحدود الجزائرية، تحت إمرة الجنرال بوكرين، الذي أعدم ساعات قليلة بعد فشل انقلاب الصخيرات في مكناس، بعدما كان متوجها بالطائرة نحو زملائه في الصخيرات وأرغم الجنرال أوفقير ربانها على العودة إلى مكناس وانتظار الأوامر العسكرية. علما أن الإعداد لانقلاب غشت 1971 بدأ بمقر القيادة العسكرية العامة بفاس، حيث كان يلتقي الجنرالات الثلاثة، بوكرين ومذبوح ومصطفى. ففي تلك الفترة، تم تعيين الجنرال مصطفى من قبل الجنرال مذبوح، مدير الديوان العسكري للحسن الثاني، مسؤولا عن المدارس العسكرية التي يتم فيها تكوين الضباط الجدد.

طريقة تنفيذ الحكم بالاعدام

بعد صدور حكم الإعدام واستكمال المسطرة القضائية في موضوع المحاكمة، توجه النيابة العامة لدى المحكمة، التي أصدرت الحكم، إخبارا إلى وزير العدل، عن طريق مديرية الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل، ويجب على النيابة العامة أن تهيء تلقائيا طلبا للعفو دون أن يعني ذلك أن تلتمس النيابة العامة في مستنتجاتها قبول طلب العفو، لأن الهدف من الطلب هو عرض العقوبة على لجنة العفو ليتخذ فيها ملك البلاد قراره، حتى ولو لم يطلب ذلك المحكوم عليه أو عائلته.
كما ينص القانون على أن تدعو النيابة العامة دفاع المحكوم عليه بالإعدام إلى إيداع مذكرة لتدعيم طلب العفو، إذ لا يمكن تنفيذ الحكم إلا بعد أن يرفض طلب العفو، والذي لا يبلغ إلا لمحامي المحكوم عليه، الذي قدمه باسم موكله. ولأسباب إنسانية، لا يبلغ الرفض للمحكوم عليه.
يصدر أمر التنفيذ عن وزير العدل بعد طلب للوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف، ويبقى مكان التنفيذ سريا، وذلك طبقا للفصل 19 من القانون الجنائي، الذي ينص على أن عقوبة الإعدام تنفذ رميا بالرصاص، وذلك بأمر من وزير العدل، وبسعي من رئيس النيابة العامة بمحكمة الاستئناف، ويقع التنفيذ داخل السجن الذي يقضي المحكوم عليه به عقوبته، أو في أي مكان آخر يعينه وزير العدل، وذلك بحضور رئيس المحكمة، وعضو من النيابة العامة، وأحد قضاة التحقيق، وأحد كتاب الضبط بمحكمة المكان الذي يقع به مكان التنفيذ.
تتكلف فرقة من الجنود تحت إمرة ضابط بإطلاق النار، وتتحدث بعض الروايات عن إجراء عسكري متعارَف عليه في بعض الدول ويتم تطبيقه في المغرب، وهو أن أحد الرماة المكلَّفين بتنفيذ عقوبة الإعدام لا يُحشى سلاحه برصاص حي، دون علمه بذلك، حتى يعتقد كل واحد منهم بإمكانية عدم مسؤوليته عن هذا القتل “الشرعي” و”القانوني”.
ويحضر أيضا إلى جانب المحكوم عليه مدير السجن ورجال الأمن الوطني وطبيب السجن وإمام وعدلان، ولا يسمح للصحافة أن تنشر أي بيان أو مستند يتعلق بالتنفيذ عدا المحضر المذكور، وإلا تعرض المخالف لغرامة.
في جميع الأحوال، تنفذ عقوبة الإعدام رميا بالرصاص بأمر من وزير العدل، وبمبادرة من الوكيل العام للملك، الذي يلتمس من السلطات العسكرية إنجاز هذا الإجراء.
كما يلزم القانون كل الأشخاص المذكورين على سبيل الحصر أن يحضروا تنفيذ الحكم بالإعدام، ولا يمكن أن يحضره سواهم.
ولا يكون التنفيذ عموميا، كما هو الحال في العديد من البلدان، وإنما يكون داخل المؤسسة، التي كان المحكوم عليه مسجونا بها أو في أي مكان آخر يحدده وزير العدل، والذي غالبا ما يكون أحد ميادين الرماية التي توجد تحت إمرة القوات الملكية المسلحة. علما أنه ظل تفضيل ميادين الرماية على المؤسسات السجنية.

فضاء إيقاع الموت بالقانون

جرى تنفيذ عدد من أحكام الإعدام بالمغرب في مكان بغابة المهدية، قرب مدينة القنيطرة، حيث يوجد السجن المركزي، مكان اعتقال المحكومين بالإعدام.
إلا أن الفصل 20 من القانون الجنائي يخول لوزير العدل اتخاذ قرار لتنفيذ حكم الإعدام في مكان عام عند الاقتضاء، وذلك بهدف ردعي أو”تربوي”، إذا جاز القول، من باب العبرة لمن تسول لهم أنفسهم اقتراف بعض الجرائم، إلا أنه لم يسبق أن طبق هذا النص في المغرب، إذ نفذت كل الأحكام بطريقة سرية، حسب الإجراءات السالفة الذكر.
يقرّ القانون بإيداع المحكومين عليهم بالإعدام بمؤسسات سجنية تتوفر على حي معد لهذه الفئة من المعتقلين بمجرد النطق بالحكم، كما أخضعهم لنظام للاعتقال الانفرادي حسب الإمكان، مع التنصيص على ضرورة إيلاء هذه الفئة من المحكوم عليهم عناية خاصة تمكن من دراسة شخصيتهم وتتبع حالتهم النفسية والحفاظ على توازنهم لتفادي كل محاولة هروب أو انتحار أو إضرار بالغير. كما سمح لهم بمزاولة بعض الأشغال بعد استشارة الطبيب والمشرف الاجتماعي. وكذا الاستفادة من زيارة أفراد عائلتهم، وأوليائهم وأصهارهم والاتصال بدفاعهم بحرية في قاعة معدة لهذه الغاية.

حالة خاصة
توجد حالات استثنائية في تنفيذ حكم الإعدام، مثل حالتي المرأة الحامل والمريض. بالنسبة للمرأة الحامل يؤجل تنفيذ الإعدام في حقها إلى حين وضع حملها بأربعين يوما على الأقل، لكن في واقع الأمر، ولأسباب إنسانية، لا تمثل المرأة الحامل أمام غرفة الجنايات إلا بعد الوضع .
أما في حالة المرض يوجب القانون معالجة المحكوم عليه قبل تنفيذ العقوبة. بعد التنفيذ، تسلم جثة المحكوم عليه لعائلته في حال ما إذا طلبت ذلك، إلا أن القانون فرض عليها الالتزام بدفنه في غير علانية، وإن كان القانون لا يمنع إلا مظاهر الاحتفال بالدفن والمظاهرات العمومية، فإذا كان متوقعا حدوث مثل هذه الحالات، يمكن للسلطة العامة أن تمنع تسليم جثمان المحكوم عليه إلى أهله، وأن تتولى عملية الدفن.
ويقرّ القانون الجنائي بتعليق على باب السجن أو بباب بلدية مكان التنفيذ إذا وقع ذلك خارج المؤسسة السجنية، محضر يحرر إجبارا وفورا من طرف كاتب الضبط بشأن التنفيذ، ويوقع المحضر رئيس الغرفة الجنائية أو من ينوب عنه، وأيضا بحضور ممثل النيابة العامة وكاتب الضبط. ولا تتجاوز مدة تعليق المحضر المحرر حول التنفيذ أربعا وعشرين ساعة. كما يمنع القانون نشر أي وثيقة أو أي بيانات تتعلق بتنفيذ حكم الإعدام.
وعموما إن التشريع الجنائي المغربي ما يزال محتفظا بعقوبة الإعدام، وينهج قضائيا سياسة التقليص والحد من الحكم بها وتنفيذها، كما أن العفو الملكي يلعب دورا هاما في إعادة التوازن للسياسة العقابية، بشكل يمكن أن يستنتج معه أن التطور يسير نحو الإلغاء الواقعي لهذه العقوبة، بالحد التدريجي منها، وتجديد العقوبة الصادرة بها بعدما احتد سؤال الإلغاء التشريعي لهذه العقوبة، في ظل الظرفية الدولية الحالية، على خلفية تنامي جرائم الإرهاب، وارتفاع وثيرة الجريمة المنظمة.
إحصائيات
هناك الآن ما يناهز 117 محكوم بالإعدام ضمنهم 3 نساء نزيلات بسجون الصويرة ووجدة والناظور. 80 بالمائة منها تتعلق بجرائم القتل العمد، والباقي صدر في نطاق ما يُسمى بقانون الإرهاب. وأعلبهم يوجدون بالسجن المركزي بالقنيطرة. في حين يناهز عدد السجناء المحكومين بالمؤبد 700 منهم 32 إمرأة.
وخلال سنة 2012 تم النطق بــ 10 حكم بالإعدام، علما أن معدل إصدار حكم بهذه العقوبة لم يكن يتجاوز الحكمين أو الــ 3 في السنة منذ 1994.
وتفيد المعطيات المتوفرة أن عدد المحكوم عليهم بالإعدام في المغرب بلغ ما بين سنة 1973 وإلى نهاية سنة 2007 ما مجموعه 133 حالة، ولم يشمل التنفيذ إلا حالتين كان آخرها سنة 1993، وتشير إحصائيات وزارة العدل إلى أن مجموع عدد الحالات التي حكم فيها بالإعدام انتقل من 146 حالة سنة 2004 إلى 125 حالة في دجنبر 2007.
عرف المغرب منذ الاستقلال 41 عملية تنفيذ عقوبة الإعدام، منها 3 همّت مجرمي الحق العام مدنيين، وهم:
– الكومسير ثابت سنة 1993
– المجرمان الخطيران متوكل وبوشعيب وحشا الدار البيضاء سنة 1982 .
وهناك 49 جريمة منصوص عليها في القانون الجنائي و16 جريمة في مدونة القضاء العسكري تستوجب عقوبة الإعدام بالمغرب، والنقاش مازال جاريا لتقليصها إلى 10 فقط عوض 65 فعل جرمي.
إن مناهضي هذه العقوبة والمنادين بإلغائها يعتمدون أكثر من خطة، زمنها المطالبة بتوقيع المغرب على بروتوكول روما القاضي بإحداث محكمة العدل الدولية التي ألغت من قاموس عقوباتها عقوبة الإعدام حتى بالنسبة للجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب أو جرائم التصفية العرقية.
ومن المفارقات الغريبة أن البلدان التي ظلت تطبق عقوبة الإعدام – خلافا لما قد يتبادر للذهن- تعرف نسبة أكبر من الجرائم مقارنة مع البلدان التي ألغتها، ولعل أبرز مثال حالة كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين وإيران.

هكذا يتم تنفيذ حكم الإعدام في بلدان أخرى

حسب دراسة سبق لمنظمة العفو الدولية أن أعدتها بخصوص طرق تنفيذ العقوبة القصوى، الإعدام، توجد هناك سبع طرق رئيسية للإعدام في العالم:
1- الرمي بالرصاص: وهي الأكثر استخداماً في فترات الحروب، وتطبَّق على العسكريين خاصة، وهذا الأسلوب يطبق في بعض الدول مثل المغرب والصين وكوريا الشمالية وتايلاند وإندونيسيا وأرمينيا والفيتنام..
2- الشنق: أكثر الوسائل استخداماً في العالم، كما هو الشأن في إيران وكوريا الشمالية وسنغافورة والهند وباكستان وليبيا ومصر وسوريا..
3- الحقنة المميتة: تتم هذه العملية من خلال الحقن بمادة سامة في الوريد تؤدي إلى الموت السريع، وهي تقنية تُستخدَم في الصين والفلبين والولايات المتحدة الأمريكية.
4- الرجم: وهو أسلوب يطبَّق في الدول العاملة بالشريعة الإسلامية، وخاصة في جرائم الزنا والعلاقات الجنسية خارج الإطار الشرعي . وقد جاء في قانون الجنايات في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بخصوص هذه العقوبة، بأنه “على الحجارة ألا تكون كبيرة بحيث يموت المحكوم عليه من الضربة الأولى أو الثانية، ولا صغيرة بحيث لا يصحُّ أن تسمى حجارة”.
5- ضرب العنق: وهـو الأكـــثر استخـــداماً في الدول العاملة بالـــشريعة الإسلامية، وخاصة في المملكة العربيــة السعودية وبعض مــــقاطـــعات نيجيريا. وحســـب شهـــادة لــسيَّاف سعـــودي يـــدعى سعــيد بن عبد الله بـن مبروك البيشي قال بهذا الخصوص: “أســتخدم الســـيف في قـــتل المجرمين من الرجال، والأسلحة النارية، وبالـــذات المـــسدس، في قــتل النسـاء المجــرمات.. وهذا في نظـــري حكم ســـديد، من دواعـــيه ستر عـــورة المرأة، باعـــتبار أن القـــتل بحــدِّ السيف يســـتدعي رفع الغــطاء عن الرأس وإظهار الرقــبة وجزءاً من الظهر دون غــطاء”.
6- 7 – غرفة الغاز والكرسي الكهربائي: وتطبَّق هاتان الطريقتان في الولايات المتحدة الأمريكية.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت