الأصالة والمعاصرة: انتصار بطعم المستقبل

الأصالة والمعاصرة: انتصار بطعم المستقبل

- ‎فيرأي
255
0

 

في هذا المقال سأحاول البحث عن مدى التقدم الانتخابي و السياسي لحزب الأصالة و المعاصرة، من خلال الانتخابات الأخيرة، وعن مدى تثبيت موقعه السياسي من خلالها، ليس ضمن الخريطة الحزبية الوطنية فقط ، بل ضمن خارطة أحزاب الديمقراطية الاجتماعية المتجددة في العالم .

في مقالي الأخير المعنون ب : “الأصالة و المعاصرة في البحث عن تكثيف شرعية الوجود التفاعلي”، انتهيت إلى خلاصة أولية مفادها أن المغامرة التي تحدث عنها السيد نائب الأمين العام ، ليست هي مغامرة البحث عن أصوات الناخبين فقط، بل هي مغامرة لتأكيد الشرعية الشعبية، و الشرعية التاريخية، من خلال إعلاء شرعية الوجود التفاعلي التي تكثفهما. و أكدت أن هذا ما سيملي على كافة المترشحين باسم الحزب الانخراط في صيغة جديدة للممارسة الانتخابية التي عمادها الأساسي احترام الناخب و ذكائه، و التفاعل معه من خلال تبسيط فلسفة الطرح السياسي للحزب، بالشكل الذي يسمح لهم بالتفاعل على أرضيته مع عموم المواطنين ليبلوروا معا أفكارا قابلة للتطبيق، تبتغي المساهمة في معالجة القضايا المحلية الشائكة في المجالات التي تهم المترشحين إلى هذه الانتخابات، و الاستعداد للنقاش المقبل الذي سيواكب الانتخابات التشريعية القادمة للخوض في مجال سبل دمقرطة و تحديث البلاد أكثر، أولا، و في مجال معالجة القضايا المجتمعية الكبرى كقضية التعليم و التشغيل و الصحة، و ما يرتبط بذلك ثانيا. اذا،

– هل أحسن الحزب ركوب هذه المغامرة ؟

– هل استوعب مترشحوا الحزب، وهم يحاولون إقناع الناخبين، أن مغامرتهم الانتخابية ” ليست هي مغامرة البحث عن أصوات الناخبين فقط، بل هي مغامرة لتأكيد الشرعية الشعبية و الشرعية التاريخية من خلال إعلاء “شرعية الوجود التفاعلي” التي تكثفهما “؟

– هل انخرط مترشحوا الحزب في صيغة جديدة للممارسة الانتخابية التي عمادها الأساسي احترام الناخب و ذكائه، و التفاعل معه من خلال تبسيط فلسفة الطرح السياسي للحزب، بالشكل الذي يسمح لهم بالتفاعل على أرضيته مع عموم المواطنين ليبلوروا معا أفكارا قابلة للتطبيق، تبتغي المساهمة في معالجة القضايا المحلية الشائكة في المجالات التي تهم المترشحين إلى هذه الانتخابات؟

– هل استحضر مترشحوا الحزب في حملتهم الاستحقاقات السياسية القادمة ، وهم يعدون الناس لما سيواكب الانتخابات التشريعية القادمة من نقاشات للرقي بالممارسة الانتخابية .

قبل الإجابة على كل هذه الأسئلة ، قد يبدو للبعض أن طارحها يشكو من عطب فكري- سياسي ، أو أنه ليس من المتتبعين النجباء للممارسة الانتخابية في بلدنا، أو أنه يعش في برج الكتاب و المنظرين و المتتبعين الذي لا يعرفون جيدا طبيعة الناخب و المنتخب المغربيين. ذلك أن الانتخابات – عند هؤلاء في بلدنا – تحكمها الولاءات القبلية و العرقية، و تحسمها الأموال، و يستفيد منها – قليلا أو كثرا – بعض من يعرف تغليفها بالغلاف الديني.

قد يكون الأمر صحيحا، و مرد إمكانية صحة مثل هذه الأقوال إلى أن الانتخابات السليمة – نظريا- لا تستقيم في المجتمعات التي تعاني من الهشاشة الاجتماعية، ومن نقص في جودة التعليم، و من أزمة تعميم الصحة، ومن انتشار البطالة بكل أصنافها، ومن سيادة الثقافة القبيلة الممزوجة بالخرافات، و من غياب شبه تام للثقافة الديمقراطية و ثقافة حقوق الإنسان. وهي أعطاب يجب أن نعترف أننا نعيش الكثير منها بهذه الدرجة أو تلك. و بالرغم من ذلك فان الوقوف عند هذه ” العتبة” من التحليل له خلفية سياسية واضحة،و لا يستقيم مع التطورات السياسية و الحقوقية التي بصم عليها دستور 2011، الذي دستر كثيرا من توصيات هيئة الإنصاف و المصالحة،ومطالب كثير من الفئات المجتمعية .ورغم كل هذا من المهم أن نقف هنا عند طبيعة القائلين بأن الانتخابات في بلدنا تحكمها الولاءات القبلية و العرقية، و تحسمها الأموال، و يستفيد منها – قليلا أو كثرا – بعض من يعرف تغليفها بالغلاف الديني. و هؤلاء هم في الحقيقة فريقين:

الأول، يريد إبقاء الممارسة الانتخابية في بلدنا كما كانت سابقا، و هو بذلك يدافع عن موقعه السياسي و استمراره فيه، و يحارب كل تجدد في النخب الذي هو شرط التقدم الديمقراطي.

و الثاني، وهم كثر و متعددون، منهم الإيديولوجي المتطرف يمينا و يسارا، و”مثقف” المقاهي، و بعض الصالونات، و المحبطون ممن هزمهم الفريق الأول، ولم يستطيعوا المقاومة الفكرية و السياسية، و انتهوا إلى الكفر بكل شئ، همهم الأساسي جميعا- باستثناء مثقفوا الصالونات- انتظار “قيام الثورة” بالرغم من خوفهم الشديد بما آلت إليه ” ثورات” ما يسمى بالربيع العربي .

و الحال، أن المؤمنين بأن بناء الديمقراطية صيرورة طويلة و معقدة جدا، يرتفعون درجات كثيرة عن الفريقين معا ، و يحاولون الإجابة على الأسئلة الحقيقية التي يطرحها المستقبل، ومن المؤكد أن هذا ما جعلنا نطرح الأسئلة التي طرحناها و نحن نحاول الإجابة عن مدى التقدم الانتخابي و السياسي لحزب الأصالة و المعاصرة، من خلال الانتخابات الأخيرة، وعن مدى تأصيل موقعه السياسي – من خلالها- ليس ضمن الخريطة الوطنية فقط ، بل ضمن خارطة الأحزاب في العالم .

عود على بدء،

لا يمكن لي التعميم و أنا أحاول الإجابة على الأسئلة التي طرحتها في بداية مقالي، فالأمر يحتاج إلى دراسة مدققة لتقارير الأمناء الجهويين و المحليين و غيرهم من المسؤولين الحزبيين، إلا أن متابعتي اللصيقة للعملية الانتخابية بمنطقة الريف ، وخاصة بمدينة الحسيمة ،التي أنحذر منها- تمكنني من القول على أن للحزب نموذجا إلى ما دعوت إليه قبل بداية الانتخابات الأخيرة، فقد استطاع فريق مدرب في دورتين –مسنود بتواجد نائب الأمين العام معهم- أن يقود حملة مبنية على ” تأكيد الشرعية الشعبية و الشرعية التاريخية من خلال إعلاء “شرعية الوجود التفاعلي” التي تكثفهما”،و انخرطوا في ما دعوت اليه في مقالي السابق.و هو ما سمح لهم بالحصول على عدد من المقاعد التي أهلتهم لنيل الرئاسة مرة ثانية بالرغم من المنافسة الشديدة التي استعملت فيها الأدوات التقليدية و التقليدية المتجددة ، وبالرغم من أخطاء المجلس السابق التي تبدو لي عادية بحكم الأجواء العامة التي تولى فيها الرئاسة و بحكم تولي امرأة لأول مرة رئاسة المجلس البلدي بالمنطقة. كما سمحت للمترشح باسم الحزب جهويا الحصول على اكبر عدد من الأصوات على المستوي الوطني ، عكس ما يدعيه خصومه السياسيين. و يمكن أن يكون مرد هذه النتائج الايجابية كذلك إلى أن منطقة الريف – و مدينة الحسيمة خصوصا- هي المنطقة التي عرف مناضلوها أكثر كيف يتفاعلون بايجابية مع مسلسل المصالحة في بدايته، و كيف يصرفون نتائجه و تقرير هيئة الإنصاف و المصالحة في صالح صيرورة البناء الديمقراطي في البلد.

و مهما يكن من أمر، و في كل الحالات ، فأول الغيث قطرات،ووجود هذه التجربة الناجحة دليل على صحة الحزب، وإمكانية تعميم التجربة في المناطق التي قد يكون المنتخبون فيها لم يستوعبوا فلسفة المغامرة التي تحدث عنها السيد نائب الأمين العام، وحتي لا نكون محافظين- لما لا ، الاستفادة من ممارسات أكثر ذكاءا مما دعوت إليه .

أعتبر أن ما كتبته إلى حد الآن هو الجزء الأول فقط من هذا المقال، و أن هذا النجاح الذي بصم عليه حزب الأصالة و المعاصرة سيكون له انعكاس دولي ، حيث سيسهل على الحزب – من موقعه في وسط اليسار- أن يجد موقعا مؤثرا فيما ما ستتمخض عنه نقاشات الأحزاب ” الديمقراطية الاجتماعية ” على المستوى الدولي. بل وضعته في مقدمة الأحزاب المنفتحة على الصراع الذي تعرفه المنظومة الكونية ل” الديمقراطيين الاجتماعيين “، الذي ينذر مستقبلهم بالانقسام الى مجموعتين، تضل الأولى “حارسة” للمعبد القديم، تأوي فقط الاحزاب الاشتراكية التقليدية، و تبتغي الثانية الانفتاح على الاجتهادات في صيرورتها و مسارها، خاصة الاجتهادات المماثلة لاجتهادات حزب الأصالة و المعاصرة، ذلك أن وثائق المؤتمر الأخير كلها دعوة إلى تجديد فلسفة ” الديمقراطيين الاجتماعيين” . فقد اشتغل منظروا الحزب على تأصيل مفهوم ” الديمقراطية الاجتماعية المنفتحة”، الذي يمكن أن يكون منطلق لإعادة التفكير العميق في فلسفة “الديمقراطية الاجتماعية”. .

عبدالسلام بوطيب – فاعل حقوقي وثقافي

عضو المجلس الوطني لحزب الأصالة و المعاصرة

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت