من عبد الواحد الطالبي – الرباط – (كلامكم) – يتواصل ايداع الترشيحات للانتخابات الجماعية والجهوية المقررة في المغرب يوم 4 سبتمبر 2015، وتتهافت الاحزاب السياسية المتنافسة على استقطاب المرشحين لقيادة اللوائح في البلديات الكبرى والترشح باسمها في الدوائر الصغرى من الاعيان وأصحاب النفوذ وذوي الثروات دون ان يكونوا من بين المنخرطين لديها او المناضلين في صفوفها.
وتوسعت عملية الاستقطاب حتى تجاوزت الوكلاء ونواصي القوائم، فلم يجد مسؤولو الفروع الحزبية والقياديون المحليون مواقعهم ضمن لائحة المرشحين برموز احزابهم في الرتب العشرة الاولى التي يحتلها بالاولوية من يدفع أكثر أو من يوهم أن قطيعه أكبر.
ونشطت إثر ذلك سوق المساومة بالتزكيات لاسيما للترشح في دائرة الجهة التي تسابق اليها الطامعون الكبار الأسخياء بالمال الذي لم يجمعوه بعرق الجبين وكذا أولئك الذين يحسنون تجارة النخاسة ولصوص الاحلام الصغيرة للمواطنين البسطاء الذين يلقى لهم بالوعود ودراهم معدودات مقابل ست سنوات من نهب المال العام ورعاية المصالح الشخصية والاستفادة من الامتيازات وتحصينها.
وتقدم في هذه العملية وكان من الأولين، ذوو السوابق في تسيير الجماعات والجهات الذين خبروا “الحرفة” واطلعوا على كنوز “المال السائب” الذي به يعدون العدة لجهاد مراكمة الثروة بالحرام وبه يسوقون عسلا في حملاتهم حلو الكلام الذي يتجرعه المواطنون مر العلقم حين يفيقون من “انتخابات” الوهم وتتبدد الأحلام.
كثير من الذين أودعوا ملفات ترشيحهم، هم “هياكل عظمية” في متاحف المجالس البلدية والجهوية، وهم جثت حكومية، (جِيٓفٌ) لنتانة المراوغة والاحتيال واللصوصية، والباقون محتضرون هم مجرد أرقام في ملفات مصفوفة في ردهات المحاكم والشرطة القضائية بتهم النصب واصدار شيكات بدون رصيد وتبديد الاموال العمومية والاغتناء غير المشروع والتجارة في كل ممنوع والنهب والابتزاز.
أما الاخرون فقضايا عالقة بمكاتب هذا المسؤول وذاك المسؤول سكتها الترشح والظفر بمقعد لأجل استيفاء المساطر والحصول على التراخيص وشق الطريق في البحر كأن المقعد الانتخابي عصا موسى بأيديهم ينفخ فيها الرب من روحه وكأن المواطنين فرعون وآله أمامهم البحر وفي موجه يغرقون.
لم يترشح كل ذي شكيمة ومروءة من نخب البلاد التي تسعد بسعادة طفل حين يبسم ويشقى عندما تئن امرأة ويهن شيخ، لم يترشح أصحاب البطون الخاوية والضمائر الحية الْيقِظة لأن التفصيلة كانت على مقاس “الأب” (كرش الحرام) المتربع على كرسي “الزعامة” في كل حزب سياسي وحوله حواريوه يهش عليهم بعصاه اما سخطا أو رضى.
لائحة الترشيح جلباب “الأب” لا يلبسه غير ذوي الرضى من أفاء عليه الزعيم من غنيمة البلد ومال الشعب وعون السلطان… للوكيل فيها جند مسخرون بإذنه.
وهذه اللائحة هي عربة من قبور يدفعها احياء يقاومون الموت بلقمة عيش حاف، من عشرة الى عشرين حتى تقترب الى الاربعين كل بما كسب رهين. فيهم الذي يبيع اسمه بألف وألفين ومنهم بأقل أو أكثر وحسبما تجود به أريحية الوكيل حينما يسعفه رقم التوقع أنه فاز وأصبح من الناجحين المنتخبين.
ليس كل وكيل حصان، وحتى وان كان فقد كبا. حين نجح كبا وسقط، سقط مرات ومرات… عند كل صمت سقط وعندما طالت يده سقط، ولما تواطأ سقط وحين لعب وتآمر سقط، وحين لم يلتفت سقط في قبوله سقوط وفي رفضه سقوط توقيعه وتصويته وحضوره وغيابه كان سقوطا عجز إثره ان يرفع رأسه الذي بقي مطأطأً حتى مات وبقي جيفة لما يدفن. الموت في عيون الناس أقبح موت وموت الضمير أقساه.
الذين ترشحوا ونجحوا ثم يترشحون، ساقطون لأننا انتخبناهم وخانوا الأمانات التي عليها يأتمنون تولوا المسؤولية باسم هذا الحزب وترشحوا باسم الحزب الاخر وتحالفوا باسم حزب مغاير وطمحوا في منصب جديد باسم حزب جديد ثم ينزلون الانتخابات مرة اخرى بحزب لم ينخرطوا فيه ولا علاقة لهم به.
ساقطون لأنهم يرهنون مستقبل بلادنا لما عاشت فيه منذ استقلالها بنفس الخطاب ونفس الوجوه ونفس الاسماء ونفس التحركات على نفس الرقعة التي فقط تتغير مواد أدوات اللعب عليها.
والأحزاب التي زكتهم هي كذلك ساقطة بتهافتها على هؤلاء الذين لا ولاء لهم ولا وفاء بلا مبادئ ولا قيم.
إن اللائحة في النظام الانتخابي هي تصويت على الحزب حين يكون هذا الحزب يتقدم بمناضليه الذين يحملون برنامجه ويؤمنون به ويدافعون عنه ويطبقونه عندما يمنح الناخبون ثقتهم لمرشحيه أما وأن يكون الحزب متملصا من الذي يتقدم بهم عند كل استحقاق انتخابي وعندما يتبرأ المنتخٓب من الحزب الذي رشحه في أول يوم يفوز فيه فإن مدعاة السؤال عن جدوى الانتخاب باللائحة بل وجدوى وجود الحزب الذي يتخلى عن منخرطيه تصير مشروعة.
وإذ تتواصل عملية إيداع الترشيحات في ظل تملص الاحزاب السياسية من مسؤولياتها في تزكية منخرطيها ومناضليها في المواقع المتقدمة لقوائمها وتهريبهم الى العزوف والاستقالة من العمل السياسي برمته او الالقاء بهم في أتون التطرف فإنه أحق وأولى تبني خيار المقاطعة لاسيما أمام جرد المرشحين من ذوي السوابق وتجارة الممنوع والمفسدين عديمي الاهلية والكفاءة والمصداقية.
فالمقاطعة ستكون رسالة من الشعب للدولة من اجل تأكيد جدية المطلب الشعبي بتخليق الحياة السياسية وإفراز نخب سياسية تحترم الوطن والمواطنين، وبفرض اجواء حقيقية لانتخابات بلا أثر للريع والفيئ يكون للصوت خلالها صدى مسموعا.
وقد حذرت الانتخابات السابقة من العزوف المحتمل للناخبين المغاربة ومن توجههم الى المقاطعة بإعلان المستقلين غير المنتمين في مقدمة الفائزين في كل الاستحقاقات التي جرت والتي كانت نتائجها باستحضار أرقام اوراق التصويت الملغاة إنباءا بالسقوط المتوقع لكل انتخاب بالمغرب في ظل منظومة حزبية متهالكة مهترئة نخرة.
المقاطعون ككل مرة وهذه السنة أكثر سيسجلون موقفا ليس من الاحزاب التي يكفي الغاء ورقة التصويت خلال الاقتراع للتعبير عنه ولكن من الدولة والجهات المنظمة للعملية الانتخابية برمتها والتي لا تطبق الاليات الرادعة لاستمرار الفساد واستحواذ المفسدين وشيوع الميوعة والابتذال والسخافة في المشهد السياسي الوطني.
ان المقاطعة اليوم هي شعار المناضل الذي يؤمن خالصا ان الوطن أمانة وأن الارض باقية والانسان يفنى.