بقلم: الخضر الورياشي/ الناظور.
إلى من سنوجِّه خطابَنا اليوم، ونحن نستعدُّ للمعركة الانتخابية، وإنها فعلاً معركةٌ، سينتصر فيها من ينتصر، ويُهزمُ الكثيرون، والكثيرون هم نحن.
فليس غريباً أن نُهزمَ، لأنه يبدو أنَّنا أَلفْنا الهزيمة، وتعوَّدْنا على وُجوهِ الذين ينتصرون.. وهم نفْسُ الوجوهِ.
وإني أسألكم لماذا ينتصر هؤلاء في الانتخابات دائماً، مع أنَّ أكثرَنا غيْرُ راضينَ عنهم؟
لماذا نفس الأشخاص، ونفس العائلات، هم الذين يبقون في مجالسنا وجماعاتنا، مع أننا جرَّبْناهم أكثر من مرة، وتجاربنا سيئة معهم؟
لمن نوجِّهُ الخطابَ؟
للمنتخبين الذين لا يبالون بنا، ولا يصغون إلى مطالبنا، ولا يهتمون في أي وادٍ نَهيمُ، ولا غيرة لهم ولا إخلاص للمدينة؟
أم للناخبين الذين لا تخفى عليهم الأمورُ ومع ذلك تنْطلي عليهم، ويعيشون نفس الظروف والأحوال؟
هل هؤلاء الرجال الذين يظهرون دائما في مواسم الانتخابات أقوياء إلى هذه الدرجة؟.. أذكياء بكل هذا المستوى؟.. أم أننا نحن الضعفاء، والأغبياء؟
أقول لكم:
لسنا ضعفاء.. ولسنا أغبياء… بدليل أنهم يستجْدون أصواتَنا، ويصنعون المستحيل كي ينالوا رضانا، ويُسَخِّرون كل ما يملكون من وسائل وأتباع كي يجرُّوا أقدامَنا إلى مكاتب الاقتراع، ويتنافسون أشد التنافس كي يفوزوا بتزكيتنا لهم…
ونُزكِّيهم، ونمنح أصواتنا لهم، وينجح فلان أو فلان، ثم نندب حظنا بعد ذلك، ونسخط عليه، و نتحسر حيث لا تنفع الحسرةُ.
لماذا ينتصرون دائما؟
قد يجيب بعضُكم ويقولون إنهم بما يملكون من أموال طائلة يشترون “الأصوات”، ويحصلون على الأتباع !!
لكن، ألا تلاحظون أنه على الرغم من أموالهم، يحتاجون إلى “الأصوات”، وهذا يعني أنَّ “الأصواتَ” أغلى من الأموال.. إذن، لماذا تستسلم هذه “الأصوات” لهؤلاء الماكرين؟.. لماذا تبيعُ نفْسَها بدراهمَ معدودةٍ، وتخسر قيمتها، وكرامتها، وحقوقها، ومطالبها، لسنوات طويلة؟
ثم، كم عدد هذه “الأصوات” التي تبيع نفسها؟
يبدو أنها كثيرة، وكثيرة جداً، أكثر من الأصوات التي لا تبيع نفسها، وإلا لما استطاع أولئك “المشترون” أن يفوزوا.
ألا يدعو هذا الأمرُ إلى أنْ نُفكرَ قليلاً، ونكْتشِفَ أنَّ الخبثاءَ فينا أكثرُ من الصالحين.. وأنَّ الأخلاقَ التي تسودُ فينا هي أخلاقُ العبيدِ.. وأنَّ شهادتَنا في منتخبينا تُبْطلها ورقةٌ نقدية زرقاءُ، وينقلبُ غضبُنا منهم إلى ودادٍ بمجرد أنْ يبتسموا لنا، أو يصافحونا، من موسم إلى موسمٍ.. وفي أحسن الأحوال قلوبنا مع “المدينة” لكن أصواتنا للانتهازيين؟
سئل رسول الله (ص) ذات مرة:
أنَهْلكُ يا رسول الله وفينا الصالحون؟ فأجاب: “نعم، إذا كثر الخبث”…
وإني أسألكم: هل كثر فينا الخبثُ، بحيث لا يستحيي هؤلاء أن يظهروا مرة أخرى في الحملات الانتخابية، ويدْعوا الناسَ إلى أن ينتخبوهم من جديدٍ، وكلُّ واحدٍ منهم واثقٌ أنه إنْ لمْ يحصلْ على حصة الأسد، فلا شكَّ أنه سيحصل على حصة الضَّبع أو الثعلب أو الذئب؟!
وهكذا ترون أنَّ العيْبَ لا يقتصر على المُنتخبين فقط، بل يتعدَّى إلى الناخبين أيضاً، وحديث “كما تكونوا يُوَلَّ عليكم” يصدق علينا تماماً. فلنصلحْ ذواتَنا أوَّلاً، ولنتمسكْ بقيم الشرف، والكرامة، والنزاهة، ولنعْطِ أصواتَنا لمن يستحق دون أن نبيعَها بثمنٍ قليلٍ، حتى ننالَ ما نستحق، ونحصل على حقوقنا، ويستجيب لمطالبنا الصادقون.
نحن الدَّجاجَ، في هذه المدينة، نصيحُ، ونُقأقئُ، ونتْبعُ الحَبَّ، نلتقطه هنا وهناك، بالخوف والحزن والتَّعبِ، ومع ذلك نبيضُ الذَّهبَ لهؤلاء “الملأ الأعلى”، ونقدِّمها لهم بكل سهولة، بينما هم يتركوننا نتمرَّغُ في القاذورات في الصيف، وفي الأوحال في الشتاء، ونتصارع من أجل بقعةٍ نسكن فيها، أو طرفٍ نكسب منه رزْقَنا.
أيها الناظوريون لا تفرِّطوا في أصواتكم؛ فأصواتُكم أغلى مِنْ أموالِ مَنْ تَعرفونهم ويُنْكرونَكم.
ولا تفسدوا بيضَكم بأن تُلْقوه في سلَّةِ السماسرة والانتهازيين؛ لأنَّ بيْضَكم ذهبٌ بالنسبة إليهم.. اشتروا به حياتكم النظيفة، ومستقبل أبنائكم الزاهر، ولا تبيعوه بثمن بخسٍ.
ولنطالبْ بإحداثِ لجنة مستقلة، أو هيئة حرة، تمتلكُ الصلاحيةَ القانونيةَ، مُهمتُها أن تتابع أعمال المنتخبين، وتراقب سيْرَ أشغالهم، في مدينتنا ـ وكل مدينة ـ وتحاسبهم على كل إهمالٍ أو تقاعسٍ عن أداء واجبهم، وتقدمهم إلى القضاءِ في حالات تسببهم في أزمات أو كوارث.. فمثلما تحاسبُ الدولةُ المواطنينَ العاديين على ارتكابهم للمخالفات والجرائم، وإخلالهم لبعض الاتفاقيات والقوانين، وتُوقِّع عليهم العقوبات والغرامات، كذلك عليها أن تحاسبَ المنتخبين على تقْصيرِهم في أداء مهامِّهم، وإخلالِهم للوُعود التي يقطعونها للناخبين، ولنضرب لذلك مثلاً:
فحين يتقاعسُ المجلسُ البلدي عن تنظيف شوارع المدينة من القاذورات والأوساخ، ولا يؤدي الأجور لعمال النظافة، فعلى تلك اللجنة، أو الهيئة، أنْ تُتابعَ أعضاء المجلس البلدي قانونيّاً، وتحُدَّ من استمرار ولايتهم، التي تضُرُّ المواطنين ولا تنفعهم… وهكذا في كثير من القضايا والمشاكل.
وبهذا نضمنُ أنَّ المُواطنين ليسوا دَجاجاً تحت سيطرة الأسود والذئاب والضباع.