الحكاية الثانية من السيرة الظاهرية …الرسالة

الحكاية الثانية من السيرة الظاهرية …الرسالة

- ‎فيفن و ثقافة
406
0

 

 

د محمد فخرالدين

 

ثم إن المملوك لما سأله المنكتم من أي بلاد أقبل و ما يريد ….قال له :

ـ يا مولاي أنا من بغداد دار السلام و أنا مرسل من عند الوزير محمد العلقمي و زير خليفة المسلمين المقتدر بالله ..

فلما سمع المنكتم هذا الكلام قام له على الأقدام ، و أخذه و ذهب به إلى جانب من جوانب القصر ،و قال له:

ـ أرني ما معك ..

قال له المملوك :

ـ معي رسالة و هي مكتوبة على رأسي ..

عند ذلك أمر المنكتم بحلق رأسه ، فظهرت الكتابة في الحال فوجد فيه خطابا مفاده :

من الوزير محمد العلقمي إلى بين أيادي الملك المنكتم ، نخبرك أن المقتدر قد تكبر علينا و ظلم و تجبر، و أنت أحق بالسلطنة منه لأنها تعود لجدك كسرى انو شروان ، و حال يصل المملوك إليك بخطابي جهز ركبة على بغداد ، و أنا أهيئ لك السبل للدخول إلى البلاد …و نفنيهم جميعا و نتحكم أنت و انا في جميع البلاد ..أما حامل الرسالة فعجل بقتله بلا إطالة ليكون السر بيننا دون العباد …

فلما سمع منكتم هدا الكلام فرح فرحا شديدا ما عليه من مزيد، ووضع يده على الحسام و أطار في الحال رأس الغلام ..

و كان هذا المنكتم فارسا جبارا لا يعتدى له على جار، و كان فارسا صنديدا و شيطانا مريدا يعبد النار دون الواحد القهار …و له جيش من الفرسان مثل قطر البحار، يعبدون النار بالليل و النهار..

و كان له ولدان الأول يسمى هلاوون و الثاني كلب يزيد فاحضرهما بين يديه ، و أخبرهما بالقصة كلها و بأمر رسالة الوزير محمد العلقمي..

و امر ولده هلاوين بالهجوم على بلاد المسلمين في ستين ألف فارس بين مدرع و لا بس ،​على أن يلحق به بعد ذلك ، و قال له :

ـ خذ هذه العساكر و الأجناد و سر بهم الى بلاد بغداد​…

فركب الملعون هلاوون في ستين ألف من الفرسان ، و ساروا على خيول كالغزلان يقطعون الوهاد في اتجاه بغداد..

أما ما كان من أمر المنكتم فإنه بعد ثلاثة أيام من خروج هلاوون ،جهز ركبة ثانية من ثمانين ألف فارس وطلب ولده كلب يزيد و قال له :

ـ سر في أثرأخيك باليقين و أعنه على قتال المسلمين ..

فأجابه بالسمع و الطاعة، و سار يجد في السعي في الوقت والساعة..

و بعد مسيره جهز ركبة أخرى عدتها مائة ألف فارس في الحديد غاطس ، و سار خلفهم و تبع أثرهم ..

هذا ما كان من المنكتم و أولاده ، أما ما كان من أمر المقتدر بالله فانه لم يكن له خبر بما كان و صار ، و ما قام به العلقمي الغدار ،و بينما هو جالس في بعض الأيام حتى رأى الغبار علا و طار و سد الأقطار، فأرسل من يأتيه بالأخبار فرجعوا إله في الحال ، و قالوا له هذا جيش الأعجام من ستين ألف عنان يتقدمهم هلاوون بن المنكتم الملعون يريدون الجلاد و احتلال بغداد ..

فقال المقتدربالله :

ـ لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ..

و قال لوزيره العلقمي :

ـ و لكن لم يأتون و ما هدفهم و ما يريدون ؟

قال العلقمي :

ـ و الله لا خبر لي يا أمير المؤمنين و خليفة رب العالمين ..

عند ذلك جمع الخليفة دولته و عشيرته و أطلعهم على ذلك الأمر و شاورهم فيما يعمل ..

فقالوا له ليس لنا عساكر كثيرة و ليس لنا إلا الصبر على الحصار حتى يأتي الفرج من الواحد القهار.. فأجابهم إلى ذلك و أمر بغلق الأبواب بغداد …

فطلعت الجنود على الأسوار و أحاط هلاوون ببغداد كما يحيط النيل بالبلاد و كما يحيط السواد بالبياض، و كما يحيط باليد الاسوار..

و بدأ الأعجام برمي الأحجار و الصخور الكبار، حتى زال النهار و جاء الليل بالاعتكار ، فطلب المقتدر بالله وزيره العلقمي و قال له :

ـ لا أدري لم تجرأ القوم علينا ، و لكن في الغد تنزل إلى هؤلاء الملاعين فتنظر ما هم طالبين ..

فقال العلقمي :

ـ رأيي يا مولاي أن تنزل لهم أنت في سلاحك و هيبتك ، وأكون أنا خلفك ، ربما ألقى الله في نفوسهم الهيبة فحل بهم الانكسار من لدن الواحد القهار..

فظن المقتدر أن كلام الوزير عين الصواب ، و لم يعلم بما يخفيه العلقمي الكذاب و كيف كان يريد هلاكه ..

و لما كان الغد نهض الخليفة و أمر بفتح الأبواب و خرج برجاله و أهل دولته و ساروا قاصدين أهل العناد ..

هذا ما كان من أمر الخليفة أما ما كان من أمر العلقمي فإنه لما خرج الخليفة من المدينة أمر أن تغلق المدينة في ظهره، فلما عاين الخليفة ذلك علم أن الحيلة قد تمت و الردية قد عمت و علم أن كل ما صار و جرى من الأمور هو بسبب الوزير العلقمي ..

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت