د محمد فخرالدين
أما ما كان من أمر أبي زيد فقد أمر بتجهيز العساكر و الفرسان ، و دق طبول الحرب و نزل إلى الميدان، فبرز إليه الامير كامل، و ما زالا في عراك و قتال ، و اتصال و انفصال ، حتى كلت منهما الزنود ،و ما زالا في عراك شديد يشيب الطفل الوليد ،مدة عشرة أيام، حتى ضجر الأبطال من ذلك الحرب و القتال..
و عندما جاء الصباح و وأضاء بنوره و لاح على الروابي والبطاح ، نزل أبو زيد إلى الكامل و اشتبكا من جديد في القتال و ما زالا على هذه الحال و هما في اتصال و انفصال ، إلى أن قرب الزوال، فغافله أبو زيد بضربة من سيفه البتار فأرداه قتيلا في الحال..
و فر الباقي هاربين لا يقر لهم قرار ،و طاردهم بنو هلال في البراري و الجبال و الوديان و القفار ..
ثم جلس أبو زيد على كرسي قلعة زوارة ،و حاز جميع الأموال وحملها على الجمال ،و سار ببني هلال يقطعون الفيافي و القفار، حتى وصلوا إلى عين توزر فجلس للراحة و الفرجة و الاحتفال، وأمر بذبح الأغنام و إعداد الطعام و شرب المدام، و طاب الحديث مع الكرام ..
و بينما هم على هذه الحال إذ وصل الأمير ذياب ،فهنأوا بعضهم بعضا بالسلامة ، و تخابروا بجميع الأخبار و حمدوا الله على الانتصار ، و جلسوا مدة ثلاثة أيام و هما يتبادلان السلام و طيب الكلام و موائد الطعام نسأل الله حسن الختام ..
و في اليوم الرابع جدوا بالمسير إلى أن وصلوا إلى تونس فالتقاهم حسن بن سرحان، و دخلوا بموكب عظيم و دارت البشائر في نجوع بني هلال ، و بعدما استراحوا سألهم حسن عن الأحوال ،وتداولوا في أمر البلدان ، فقسموا بلاد المغرب بينهم بالسوية بين أبو زيد و حسن و ذياب، كل واحد الثلث، فكانت تونس لذياب و القيروان لحسن و الأندلس لأبي زيد ..
و بعد أن استقرت الأمور و هدأت، كتبت سعدة إلى الأمير حسن تشكو له من ذياب كما ذكرنا، فاتفق حسن و أبوزيد على الذهاب إلى تونس لإنقاذها ، لكن ذياب لم يرض أن يسلمها لهما ،و خاصم حسن بن سرحان أشد خصام ، و كادا يقتتلان بسبب سعدة ، فاقترح عليهما أبو زيد السباق إليها فمن كان الأسبق ظفر بها،فقبلا بذلك و قاما بتنظيم السباق بينهما فسبق ذياب و قتل سعدة عن طريق الخطأ فحزن عليها كل الحزن..
لكن الأميرة زعيمة أخت الزناتي لم يرضها هذا الحال ، و ما حدث لقومها من أهوال على يد بني هلال ، و أحنقها مقتل أخيها على يد ذياب و أرادت الانتقام ، فجمعت عشيرتها و أعوانها وقررت أن ترمي بين بني هلال الفتن و الفساد ..
ثم إنها سارت إلى بني هلال متنكرة في صفة شاعرة تمدح الحكام بجميل الكلام ، حتى دخلت على الأمير ذياب و سلمت عليه و قدمت اليه فروض الطاعة و الاحترام، و أظهرت أنها من أعداء الزناتي و أنها فرحة بمقتله على يد ذياب الهمام، و قالت له أنها تريد أن تعطيه بلاد الغيط جزاء له على ما فعله في تخليص البلاد من الأعداء اللئام ..
و ركبوا مع العجوز، و جدوا في السير إلى أن وصلوا إلى الغيط فانبسط الأمير لما نظر إلى تلك الغدران التي تدهش النظر وتبهر الأذهان ، و تلك القصور العامرة التي تحير الأبصار ، و الأشجار الباسقة و الطيور الناطقة فسبحان الملك الخلاق ، و صار ذياب في غيظ البرجان و عين السلوان يتجول في المكان و يجني الأثمار ويقطف الأزهار و الريحان ..و يحمد الله و بشكره على نعمه والإحسان ..
أما العجوز فقد جمعت أفخر الفواكه و سارت إلى حسن بن سرحان و أبي زيد و قالت له :
ـ لقد حاز ذياب على أفخر ارض العرب و هي كروضة من رياض الجنة، فوقع الحسد في قلبهما و قررا الذهاب في الحال إلى تلك الأرض من اجل الفرجة عليها و لما وصلوا تعجبوا غاية العجب ..
و قال أبو زيد:
ـ يا أمير ذياب نحن ماسكين البقرة من ذنبها و أنت تحلبها ..
فقال أبو زيد لذياب :
ـ إن شئت تعطي هذا الغيط إلى الأمير حسن و تعودا أحباب و من أعز الأصحاب ..
فرفض ذياب ذلك ،فهجمت جماعة حسن على المكان و أفسدت ما كان في البستان ، أما ذياب فقد رد الفعل بالمثل ،وأحضر ثلاثمائة ثعلب و ذهنهم بالزفت و الكبريت و أشعل النار في أذيالها و أطلقها في مزارع بني هلال ،و كان الوقت وقت حصاد فاشتعلت النار في الحقول و حرقت المحصول ، فغضب حسن بن سرحان غضبا شديدا لما عرف أن ما كل ما جرى هو من فعل ذياب..