د محمد فخرالدين
قال الراوي :
و ثاني يوم نهض ذياب ، و اعتد جيدا في عدة الجلاد ، وركب على ابن فرسه الخضرا، و كان مهرا طويل الباع،شديدا في الصراع ،و برز به إلى الميدان ،و طلب مبارزة الزناتي ، فبرز إليه واشتدت المعركة بينهما ، و صمد الخصمان الواحد للآخر ثم وقعت بينهما الواقعة ، و تسابقا في ضربتين قاطعتين ، فثارت في رأس ذياب نخوة الرجال و تذكر فرسه الخضرا ، فسحب الدبوس من تحته فخذه و برمه في يده ،و ضرب الزناتي على رأسه ضربة طيرت جميع أضراسه ،فعول الزناتي على الفرار من شدة الألم و الانهيار ..
و لما هرب الزناتي أمامه قام ذياب في عظم الركاب ،و أطلق عليه الرمح فطعنه، فمال على الجواد و عول على الوقوف ،وسحب ذياب سيفه من فخذه و ضربه على هامته، فرمى رأسه قدامه و سقاه كأس الحتوف ، ثم أخذ ذياب رأسه على رأس السنان ، وثار هو و رجال بني هلال على قوم الزناتي ، الذين لم يعد لهم أمل غير الامتثال فطلبوا الأمان من بني هلال ..
و ملك ذياب تونس في الحال ، و حاز المال و الحلال ، وأمر مناديا ينادي بصوت عال : أن الأمير ذياب ينذر من لا يحل تحته بالقتل و الوبال …
أما ما كان من أمر سعدة بن الزناتي فقد سرت بمقتل أبيها و لبست أفخر ثيابها و قصدت الأمير مرعي ، و أخبرته بما جد من أخبار و كيف قتل ذياب أباها الزناتي ، وتعاهدت معه أن لا يتزوج غيرها من النساء تم ودعا بعضهما هند المساء ..
أما ما كان من أمر ذياب فقد كما ذكرنا ملك تونس و عرش الزناتي و حاز كل ثرواته و أمواله ، و أمر بإطلاق مرعي ويحيى و يونس ،و خلع عليهم و أرسلهم عند أهلهم، وجلس ذياب على تخت الزناتي و لبس التاج ..
فلما سمعت سعدة بجلوس ذياب مكان أبيها ارتعبت من ذلك وخاب ظنها بمرعي ،فقصدته و طلبت منه دفن أبيها فقبل طلبها في الحال…
أما ما جرى لحسن بن سرحان و أبي زيد فإنهما سمعا المنادي ينادي لذياب دون غيره ،و يقول لا سلطان إلا ذياب فغضبا من ذلك ، و سار حسن بن سرحان إلى ديوان الزناتي و هو غاضب غضبا شديدا ما عليه من مزيد ،و قال لذياب :
ـ هل جئت لتعزلني عن منصبي و تسلبني ملكي الذي ورثته عن أبي و جدي ..
فتدخل أبو زيد بالجواب :
ـ إذا أخطا ذياب فمنك السماح و صفح الأحباب…
قال ذياب :
ـ إذا كنت كذلك يا سرحان لم لم تقتل الزناتي بنفسك و وطلبت مني أن أقتله ..
تم استدرك ذياب:
ـ على كل حال ، نحن كلنا بني هلال ،تعالى يا أبا زيد نضع حسن على الكرسي و نقتسم البلاد بيننا ..
وأجلسا حسن سرحان على عرش الزناتي ، ثم عقدوا الصلح بينهم ، و قسموا البلاد أثلاث، أما مدينة تونس فتركوها للأمير ذياب عوض فرسه الخضرا التي قتلها الزناتي …
أما مرعي فعندما تخلص من الأسر اجتمع بأبيه بعد طول غياب ،و أقيمت له الولائم والافراح ،و ذهبت الأحزان و الأتراح ، و ذبحوا الأغنام و مدت أسمطة الطعام و أكل الخاص و العام..
أما ما كان من قوم الزناتي فإنهم اجتمعوا فيما بينهم و لما علموا بالأحوال و ما جرى من أهوال ،قرروا الانتقام من بني هلال ..و جهزوا عساكرهم للحرب و القتال و ساروا إلى تونس في الحال و على وجه الاستعجال ..
و رغب ذياب في الزواج من سعدة بنت الزناتي فردته عنها لأنها كانت منشغلة بحب مرعي ،وردت عليه ردا غير مناسب فغضب منها ،و أسرها عنده و كلفه بشاق الأشغال، و بقيت على تلك الحال حتى رأتها بنت ذياب ،و لما علمت بما وقع لها مع أبيها ، أرسلت برسالة إلى حسن بت سرحان تخبره بما وقع من أحداث ،فقدم إلى ذياب واتفق أنه في ذلك الأوان هجمت جيوش ناصر على بني هلال و جرت بينهما الأهوال شابت لها نواصي الأطفال ..
و طوقت جنود ناصر بني هلال من كل مكان و نزلوا عليهم بضرب شديد و قتل عدد من شبان بني هلال، و قبضوا على عدد كبير منهم و قيدوهم بالسلاسل و الأغلال ،كما قتل في تلك الوقيعة ولد أبي زيد ،و كثرت الأهوال على بني هلال …
أما أبو زيد فتحركت فيه نخوة العرب و أنشد وقال :
يقول أبو زيد الهلالي سلامة… بدمع جرى فوق الخدود سيال
لان وقت الطعن في سوق القنا … بضرب الشواكر و سيوف نصال
ألا فارجعوا ردوا الأعادي بعز… فكم عز قوي يهلك الأبطال
و في الصباح اصطف الجيشان و انحدر أبو زيد إلى ساحة الميدان، و برز إليه احد الفرسان فجاوله و صاوله ، و تبادل معه الضرب و الطعان و ضربات السيف و السنان ، إلى أن غافله أبو زيد و ضربه بالسيف البتار و جندله على الأرض، فلم يعد يدري الطول من العرض ….