رؤوسنا المتعددة؟

رؤوسنا المتعددة؟

- ‎فيرأي
300
0

 
ابراهيم الفتاحي
يكاد المغاربة يجمعون أنهم متعددو الرؤوس جميعا، وأنا واحد منهم طبعا، لأنني قبل أن أكتب هذا المقال “كيقول ليا واحد الراس كتبو، وواحد الراس آخر كيقول ليا ماتكتبوش راه غير هضرة خاوية، والراس الثالث كيقول ليا ادخل الجيهة الضاراك وسير تكونيكتا ليك مع مخك هادشي ماشي شغلك”، الرأس الأول هو رأسي المشاغب “الباسل لي ديما كايجبذ ليا الصداع” والثاني هو رأسي اليائس و”المعكاز”، أما الثالث فهو رأسي التقليدي الذي رباني عليه والدي وأهلي والمدرسة والدوار والجيران ومول الطاكسي ومول الحانوت وداكشي، أما رؤوسي السبعة عشر الآخرين، فقد اكتفوا بالتفرج على هذا الصراع المحتدم ولم يتدخلوا بتاتا لفض النزاع.
تتعدد الرؤوس في كل مناحي الحياة، فحتى النساء يتحدثن عن “الراس الأول والثاني” فيما يتعلق بالصابون أو الحمام طبعا، وذلك حتى لا تذهب بعض رؤوسكم بعيدا، خصوصا وأن رؤوسنا الجنسية ذات السلكين الأحمر والأزرق فقط هما الأكثر اشتغالا عندنا، أما البقية فتحتاج إلى بعض المنبهات أو المهيجات، نظرا لميولها الشديد إلى الكسل و”التمعكيز “. والدليل على هذا التعدد الرؤوسي عندنا نحن المغاربة هو المؤشر اللغوي الشهير”واحد الراس كيقول ليا..وواحد الراس آخر كيقول ليا…”، ترى الإنسان عاديا يمشي في الشارع أو يجلس في المقهى، بينما في داخله حرب شعواء، وتبادل لإطلاق النار بين رؤوسه، كل واحد من تلك الرؤوس يسعى إلى الهيمنة على قراره وتوجيه مساره، لا ينتصر أحد انتصارا مؤزرا، لأن حرب الرؤوس سجال: يوم لك ويوم عليك، كما أنها تقوم على الكر والفر.
ربما يكون السبب في ارتفاع حوادث السير هو تعدد الرؤوس هذا، لأن صراع الرؤوس اللعين عادة ما يشتد وسط الطريق أو في المدارات وعند علامات المرور، لذا يجب على الشرطة والدرك التوقف عن تسجيل المخالفات وحجز الآلات، وتشرع في قطف الرؤوس الأخرى وتترك لكل واحد منا رأسا واحدا فقط، هذا مع العلم أننا جميعا سنتمسك بالرؤوس ذات البعد الجنسي أكثر من غيرها، نظرا لدورها الإستراتيجي في حياتنا وقدرتها الكبيرة على الإنتاج.
إذن فنحن المغاربة مشهورون بتعدد الرؤوس، وربما نكون الوحيدين الذين يخلفون وراءهم كومة من الواقيات الذكرية غداة كل غزوة جنسية وفي ساعات قليلة، وهنا أتساءل هل المخزن أيضا متعدد الرؤوس مادام ماركة مغربية مسجلة تميزنا عن كل دول العالم وشعوبها، وهل لديه أيضا الشغف الجنسي نفسه الذي لدينا جميعا، ويملك القدرة الشبقية ذاتها التي لدينا؟؟؟
يبدو أن مخزننا لا يختلف عنا بدوره، حيث صار أقطابا متعددة تتصارع فيما بينها على التحكم والتدخل، على خلاف ما كان في الماضي من نظام وانتظام في صفوفه، وبدأ الحديث عن قطب فلان وقطب علان في الدائرة الضيقة، و”المدابزة ديال الجمال كتطحن النمل”، حتى صرنا نخاف الإصطفاف برأينا هنا أو هناك، لأن ذلك يعني بالضرورة استعداء أحد ما، وبقي الحل أمامنا هو “اللارأي” وانتظار الجهة الغالبة، رغم أنه يصعب الحديث عن الغلبة، لأن الصراع هناك أيضا سجال مثلما هو الأمر تماما بين الرؤوس المتعددة.
أخاف أن أكون بسطوري هذه قد تموقعت في خندق فئة ما لا أعرفها ولا تربطني بها أي علاقة، مما يعني بالضرورة أنني استعديت الفئات الأخرى؛ لذلك فأنا أعلن مسبقا أن هذا كلام واحد من رؤوسي العشرين، ولدى الثمانية عشر الباقية كامل الإستعداد للتبرؤ منه والإتحاد ضده، بل وتسليمه للمقصلة إن اقتضى الحال، أما “كمالة عشرين” فهو رأسي الجنسي لا تعنيه هذه الأشياء في شيء وغايته واضحة لا لبس فيها، ولا تزعج أقطاب المخزن أو السياسة في شيء ” أو ما كيجبدش الصداع”.
إن تعدد رؤوسنا يناسب تعدد أطراف الصراع حزبية كانت أو تقنوقراطية، لذلك سيجدون لدينا جميعا المساندة والمعارضة معا، وسيتيهون بين تعدد رؤوسنا، ويذكرني هذا التعدد بسيدة مراكشية قالت لأحد المرشحين في دائرة المدينة-سيدي يوسف بنعلي، إبان الإنتخابات التشريعية لسنة 2007، بأنها تسانده في حملته بمقاطعة المدينة، بينما تساند خصمه في مقاطعة سيدي يوسف.
هذا ليس نفاقا وكذبا كما يزعم بعض الدارسين، وإنما تعدد الرؤوس الذي نعترف به جميعا، ولا نجد غضاضة في الإعتراف به، بل والإعتزاز به أحيانا، وهو ما يعطي الشرعية لتعدد رؤوس المخزن بدوره، فهو جزء منا ويمتح من مقوماتنا، ورجالاته مغاربة لا سبيل لهم للتخلص من رؤوسهم المتعددة، وفي هذه الأثناء بدأت بعض رؤوسي الأخرى في التذمر من الرأس الذي يكتب، ولأن الحرب استعرت بينها فسأتوقف عن الكتابة والسلام.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت