د محمد فخرالدين
هذه حكايات شعبية من حكايات بني هلال من سيرة ابي زيد الهلالي البطل المشهور في كل الدهور و هي قصة عجيبة ذات وقائع و بالله المستعان فسبحان جعل سير الاولين عبرة للآخرين …
الحكاية الأولى
عشاء ليلة
كانت منازل بني هلال عامرة خصيبة كثيرة الأعشاب و الخيرات وافرة الغلال و المياه ، كثيرة المها و الضباء ، حتى نزلت بها المجاعة فغاضت الآبار و يبست الأشجار و ذوت الأشجار وضاعت الأنعام من ضان و شاء و أفراس و جياد و إبل و ضباء ..
واستمر الحال سنوات عجاف ، ابتلي الناس بالجفاف ، و لم يجدوا لماشيتهم ضفاف ، حتى لم يعد لبني هلال صبر على المكوث ، و لم يعد يستطع أحد السكوت ، فاجتمعت مشايخ القبيلة و قصدوا أميرهم حسن ابن سرحان و اشتكوا اليه من سوء الحال و عاقبة المآل ، و طلبوا منه المغادرة إلى مكان خصب ومرعى ..
و كان الأمير حسن يعرف كل ما جرى و صار ، فرجاله يأتونه بالاخبار كل يوم بالليل و النهار ، و كان بدوره يفكر في الرحيل بالتعجيل دون تأجيل ، لكنه لم يكن يعرف إلى اين يتوجه أو يسير ، و كان لا بد له أن يستشير خاصة مع السادات الكبار من بني هلال قبل أن يقدم على هذا الأمر الخطير …
و كان عنده في المجلس ابو زيد الفارس المقدام و الأمير ذياب بن غانم و القاضي بدير فلما حدثوه بما صار من أخبار وافقوا جميعهم على مغادرة الديار دون انتظار ..
و قرر الامير حسن بن سرحان آن لا يغادر أحد ، حتى يزور خيام القبيلة كلها ليتأكد من رغبة الناس كلهم في التعجيل بالرحيل..
فطاف هو و اصحابه بين مضارب القبيلة ثلاثة أيام متخفين حتى لا يعرفهم أحد فلم يجدوا إلا حالة الفقر و الجوع ..
و استمر كذلك الى اليوم الرابع فاشرف على مضارب و خيام و طلبو الضيافة عند صاحبها الامير مفرج بن نصير ..
فرحب بهم و قبل ضيافتهم في الحال، و أدخلهم الخيام لكنه لم يكن يملك شيئا من شراب أو طعام ..
و من أين يأتي لهم بالطعام و هو لم يطعم منذ أيام ..
فارسل زوجته إلى بيت أبيها علها تجد شيئا حقا للضيوف ، فقال لها :
ـ مادخل بيتنا طعام مند شهور و هذا أمر مشهور ..
فرجعت و أعلمت زوجها بذلك و طلبت منه بيع ابنته إكراما لضيوفه ..
فقال لها:
ـ نعم الرأي أصلحي شأنها وألبسيها ثياب الحرير لأدلل عليها و أبيعها في القبيلة..
فقامت و ألبستها أحسن ثيابها و ضمختها بأفخر الاطياب وناولتها لأبيها على ما قلنا من الاسباب ..
و كان الضيوف يسمعون ما يحدث ، فتعجب الأمير حسن و أبو زيد و ذياب من هذا الأمر العجيب و الحادث الغريب و كيف يريد الامير مفرج أن يبيع ابنته من أجل الضيوف و القيام بالمعروف ….
وخرج الامير مفرج و طاف بابنته في طول القبيلة و عرضها وهو ينادي و يقول :
ـ من يشتري ابنتي الثريا بعشاء اربعة ضيوف..
ولم يستطع احد شراءها لأنه لم يكن لهم فضل من شراب أو طعام ،فأعادها إلى الخيام و قال لزوجته :
ـ لم يرد احد آن يشتريها بقليل او كثير ..
فقالت له: اذهب إلى الأمير حسن فهو يشتريها منك و لو بعشاء ليلة ..