الكاتب/ة: مورغان ميرتويل.
ترجمه/ته الى العربية: وليد ضو
“النقاش” حول العمل في مجال الجنس غالبا ما يكون ذريعة لسلسة من عنف يمارسه|تمارسه الذين واللواتي يعرفون|ن أنه من أجل إخفاء فئة من الشعب، يجب البدء بإيجاد الوسائل الكفيلة بإخراسها، والتشكيك بمصداقيتها. وفي الواقع، أننا منذ بدأنا كعاملات جنس المطالبة بحقنا بالوجود، والحق في ممارسة مهنتنا بكل شرعية، وبأمان، فإننا نُتَهَم بأننا من “الأقليات”، كما لو أن هذا الانتماء سيفقدنا مصداقيتنا.
نعم، إن الأشخاص الذين يناضلون من أجل حقوقهم كانوا دائما من الأقليات. وللتحديد أكثر، وبسبب انتمائنا إلى أقلية، يجب النضال من ضد حملة التمييز المستمرة، ليس فقط الحملة “غير الرسمية” إنما أيضا “الرسمية”: لسنا راضين|راضيات بتهميشنا بسبب عملنا في المجال الجنسي، الوسيلة القانونية التي تتحجون بها تحرمنا من حقوقنا الأساسية (الحق بإنشاء الجمعيات، الحق بالسكن، الحق بحياة خاصة…)
نحن عاهرات، إذا، وانطلاقا من ذلك، نحن من الأقليات. والانتماء إلى أقلية لن يجعل من مطالبنا غير شرعية. وإذا كان الحال كذلك، فإن العديد من النضالات السابقة تصبح غير شرعية: ٣٤٣ امرأة اللواتي أعلن الحق بالإجهاض، ألسن أقلية؟ هل تمثل حركات المثليين والمثليات وثنائيي الجنس ومتحولي الجنس أكثر من ٥٠ ٪ من الشعب؟ وإذا كان الناس المعرضين للعنصرية ليسوا سوى أقلية هل يجعل ذلك من العنصرية أمرا شرعيا؟ نحن عاملات الجنس نعلن حقوقنا، كأقلية، كما هي نسبة تمثيل النقابات بين العمال، ونعلن نقدنا لمفهوم “التمثيل” ولا ندعي أننا نتحدث عن الآخرين إنما نتحدث عن أنفسنا.
نحن عاملات الجنس، بالنسبة إليكم حُكماً ضحايا، لنظام اقتصادي يسلعنا كلنا، لقواد سيء النية، أو حتى لاستلابنا. إلا أننا، نحن النساء ندرك الانحرافات الموجودة داخل هذه الصناعة التي نعمل فيها. للنضال ضد هذه الانحرافات، وللنضال من أجل الاعتراف بنا، ضد المساس بحقوقنا، فإننا ننظم أنفسنا. من دونكم|ن، من دون شك، أعزائي|عزيزاتي منقذي|ات المرأة، فإننا مع التسيير الذاتي. تنظيم عاملات الجنس هو من أجل الدفاع عن مصالح العمال|ات، الذين تتهمونهم من اليوم أنهم لا يفكرون سوى بمصالحهم، وبأننا نتواطأ مع النظام البطريركي، ومع النيوليبرالية ومع استغلال هذه الأنظمة. وبين “ضحية الاستغلال” و”التواطؤ مع نظام اختار المال السهل”، ترفضون تنوع أوضاعنا، ولا تتركون لنا الاختيار إلا بين هاتين الوصمتين، بشكل حذق تجعلون من وضعنا غير قابل للحل، وتجعلون من نضالنا استحالة نظرية.
نحن عاهرات، وأنتم، أنتم ماذا؟
تعلنون أنكم من اليسار، ومن أجل هذا السبب (النبيل)، تشاركون في النضال ضد استغلال المقموعين، والمُستَغَلين، بمواجهة نظام نيوليبرالي قائم على قانون المنافسة، واحتقار حياة الذين واللواتي يشغلونه لمصلحة الذين واللواتي يجنون كل الفوائد. في هذا السياق، تتضامنون مع النضالات النقابية: وتدركون أنكم من خلال تنظيم المُستغَلين|ات نستطيع، إذا لم يكن تدمير -مرغوب- هذا النظام الاقتصادي، على الأقل وضع حد لاستغلالنا.
تعلنون أنكم من اليسار، وتحت هذا العنوان تتضامنون مع نضال العمال|ات، دون أي تمييز بين المُستغَلين الذين يعملون في قطاع “محترم” (التعليم، الصحة) أو “مضر” (صناعات ملوثة، المجال النووي). وأنتم لا تطلقون أحكامكم عليهم وفق نطاق عملهم في الصناعة. ولا تطلبون منهم|ن تغيير مهنتهم|ن للانضمام إلى صناعة تعتبرونها محترمة. ولا تطلبون “إعادة دمجهم” إنما “إعادة تصنيفهم”. بكلمات أخرى، لا تدَعون أنكم تعرفون أكثر منهم|ن ما هو أفضل لهم|ن: إنكم تدعمونهم في مطالبهم. وتتكلمون عن ما هو ممكن معهم|ن، وليس من أجلهم|ن.
وتقولون، تحت العنوان “اليساري” نفسه، وبمواجهة عمال وعاملات الجنس، كل تفكيركم النضالي يختفي: التضامن الذي تبدونه إزاء العمال|ات، يصبح إزاءنا استعلاء وشفقة. لأن من المفروض بالفتيات الفقراء اللواتي لا يعلمن ماذا يفعلن، وحيث كبرياءكم الإنساني يُحِب الإنقاذ، تحتقرون تنظيمنا الذاتي، كما لو أننا نمزج بين نضالنا من أجل حقوقنا داخل هذه الصناعة التي نتعرض فيها لأشكال مختلفة من الاستغلال، والنضال من أجل استمرار هذه المهنة كما هي. وعندما تعترفون بالاستغلال الذي تتعرضون له تعتبرونه في الوقت نفسه أفضل من الاستغلال الذي نتعرض له. وعندما تجرأنا وقلنا، وبعد أن نظمنا أنفسنا، بأننا سنكون أقل عرضة للاستغلال، تُفهِموننا وبكل فخر وضمن سياق مساركم|ن النضالي داخل عالم العمل الصعب، أنه ما تمكنا القيام به هو أمر اضطررنا على فعله، وتلوموننا بأننا أقل عرضة للاستغلال، وبأننا اخترنا الحصول على “المال السهل”، باختصار، بأننا لسنا سوى صاحبات عمل اخترنا الجانب الخطأ من الصراع الطبقي، في حين أننا فضلنا أن نُستغَل عوضاً عن أن نستغِل الآخرين.
هذا ما يشكل مشكلة لكم ويفسر تناقضات “يساريتكم” ويبدو لي: نحن اخترنا بأن يتم استغلالنا، ولا نستعمل سوى جسدنا للعمل. ولأن جسدنا هو ما نستعمله، فإن استغلاله ليس أسوأ، إنما الأكثر مرئية من بقية الصناعات. ومن ثم ترون في استغلال أجسادنا تكثيفا لاستغلال جسد المرأة: من هنا، لا يقتصر أمر محاربة البغاء على الاستغلال الاقتصادي، إنما أيضا تحت اسم النسوية.
نسويون|ات؟
أنتم|ن نسويون|نسويات، وتحت هذا العنوان تحاربون|ن لكي لا تتمكن البطريركية من اختزالنا إلى: إرضاء رغبات الرجال، رغبات جنسية، رغبات ببيت نظيف وغذاء جيد لإعادة القوة إلى العامل الشجاع، رغبات بأطفال متعلمين بهدف إغناء الإرث العائلي. تناضلن، كنساء، حتى نستطيع تحديد خياراتنا الحياتية، لكي نتمكن من الاستقلال، لكي تقدر قيمتنا ككائن بشري، بشكل مستقل عما يربطنا بالرجال بحسب الوظائف (الجنسية، البيتية والإنجابية) والتي نؤديها لهم.
أنتم|ن نسويون|نسويات، وتحت هذا العنوان تناضلون|ن بلا هوادة ضد إقصاء المرأة، خاصة تلك التي تتجرأ على الخروج من “الدور الاجتماعي”، لأنها اختارت ألا تنجب أطفالا، ألا تتزوج، أن تحب امرأة، أن ترتدي السراويل والكنزات الواسعة، أن تمارس الجنس مع من تريد، أن تتمكن من الشكوى بأن رفضها لم يؤخذ بالحسبان…. تناضلون|ن لكي تتمكن النساء من التمتع بحياتهن، وبمشاعرهن، وبجسدهن.
وتتكلمن كنسويات، وبصفتكن كنساء، اللواتي لا يحتجن لمن يتحدث من أجلهن، المسؤولات عن أنفسهن، ولا يحتجن إلى وصي، لأنهن يعلمن أكثر من أي شخص إلى ما هو أفضل لهن. وبمواجهة من يدعي أنه إذا كنا مثليات، فإننا لم نجد بعد صالحنا، وإذا أجهضنا، فيجب أن نريد ذلك، وتعلنون بصوت عال وقوي أن هذه الكلمات التي لا تهدف إلا إلى تهميشنا ليست سوى دليل على ذكورية قائلها، ولا حساب نؤديه إلى حراس النظام البطريركي: “كل شيء على ما يرام”، “لا تحررونا، نحن سنهتم بذلك”.
وتتحدثن كنسويات، لكن بمواجهة عاملات وعمال الجنس الذين يعلنون أن أحدا لم يجبرهم|ن على ممارسة مهنتهم|ن، فتقلن أنهن اخترن المهنة مع معرفة كاملة لأسبابها، مع إدراك كامل بخيارهن المتعلق بالضرورات الاقتصادية، بسبب فرص العمل القليلة التي يوفرها سوق العمل، وترفضن قبول أننا نعلم أكثر من غيرنا ما هو صالحنا. وهنا سنكرر لكن “كل شيء على ما يرام، شكرا” (وإذا شعرنا بأي ألم، فإن ذلك لا يرتبط بمهنتنا بمقدار ما يرتبط بخطابكن)، وتستمر رغبتكن على اعتبار خيارنا المهني دليلا على معاناتنا، وترِدن “فهم” لماذا نتصرف هكذا، وتحللوننا، وتستعرضون|ن حياتنا، ماضينا، وتستغلون كل ذلك ليتقاطع مع أيديولوجيتكم|ن. وغالبا ما تعتبرون|ن خيارنا المهني سببه طفولة مُغتَصبة، وكما لو أن الصدمات النفسية التي عايشناها (أو لم نعايشها) تبرر اعتبارنا عاجزين|ات عن إنقاذ أنفسنا.
وبصفتكن كنسويات، فإنكن تناضلن حتى يتوقف تهميش المرأة انطلاقا من حياتها الجنسية: وترِدن منع العمل الجنسي بحجة “أن الحياة الجنسية تقوم على الرغبة والمتعة المشتركة”. إنكن تمزجن بين علاقة جنسية لقاء بدل مالي والاغتصاب، ولا تكترثن بذلك بين تلك التي تتعرض للعنف الذي تتعرض له على الرغم من رفضها لعلاقة جنسية مفروضة عندما تقارنها مع تلك التي تمتلك إمكانية القول: “إذا شروطي لا تناسبك، إرحل من هنا”. وأنتن تعرفن ما يجب أن تكون عليه الحياة الجنسية “المقبولة”، وترفضن كلام العديد من النساء، وتفرضن وجهة نظركن: “الحياة الجنسية يجب أن تقوم على الرغبة والمتعة المشتركة”. بالنسبة إليكن، الأمور بسيطة، وبالنسبة للآخرين|الأخريات، الحياة الجنسية هي أمر مركب، واستكشافه يساهم في بناء هويتنا. “رغباتكن ومتعتكن المشتركة”، لا نتبناها بالضرورة، وللتوضيح، إن العديد من تجاربنا لا يمكن اختصارها بهاتين العبارتين، هل تردن القول أن حياتنا الجنسية مَرَضية؟ إقترحن وأضفن (هذا إذا لم يحصل ذلك) مَرَضية “البغاء” في قضية دومينيك شتراوس كان؟ وإذا أردنا اتباع منطقكن من شأن ذلك أن يشكل خطوة نسوية كبيرة، أليس كذلك؟ باسم النسوية، فإنكن تأخذن موقفا يهمش بعض النساء، موقفا أبويا وسلطويا.
نسويتكم|ن غير متماسكة كما هي يساريتكم|ن: تدعون|ين أنكم|ن تريدون|ن إنقاذنا، ولذلك فإن إجراءاتكم|ن النيرة هي قمعية، تستعملون|ن الحجة التي تستعملها الطبقات صاحبة الامتيازات لكي تحمي موقعها عندما تشعر بأن مصالحها معرضة للخطر، فإنكم|ن ترسلون|ن لنا قوات الدولة، ليسوا أولئك الذين يحكمون دولة الرفاهية، لا، إنما قوات الدولة- القوادة، التي تجني المال من دعارتنا، وقوات الدولة العنصرية التي تستغل حديثكم|ن عن شبكات الدعارة لتتشدد بسياسة الهجرة، وقوات الدولة المغتصِبة، التي، تعتبر مثلكم|ن “أن اغتصابنا، هو أمر ناجم عن عملنا”، ترفض قبول شكاوينا في مراكز الشرطة. هذه الدولة التي ترفض اعتبارنا مواطنات متساويات، إنكم|ن لا تفعلون|ن سوى بتعزيز شرعيتها من خلال إقصائنا.
أنتم|ن لا تحترمون|ن كل النساء، ولستم|ن ضمن سيرورة صراع الطبقات. نسويتكم|ن برجوازية، إنها تسعى للسماح للمرأة بالوصول إلى امتيازات الطبقة. نسويتنا ثورية، إنها تسعى إلى إلغاء الطبقات. توجهون|ن حديثكم|ن إلينا من برجكم|ن العاجي (أو هكذا تعتقدون|ن)، وتقولون|ن أننا سنسعد إذا انضمينا إليكم|ن: لكن الحقيقة أننا فضلنا أن نكون عاهرات على أن نصبح مثلكم|ن.
المصدر: http://al-manshour.org/node/2471