الإسلام السياسي ازدراء للدين

الإسلام السياسي ازدراء للدين

- ‎فيرأي
265
0

محمد بوبكري

 

بتأمل أحوال الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اليوم، استرعت انتباهي مسألتان: الأولى تتعلق بالحق في الحياة الذي ينص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لكنه لا يحظى بنفس الاهتمام الذي يحظى به الحق في حرية التعبير. ورغم ضرورة الاثنين، يبدو أن انتشار ظاهرة الإرهاب اليوم اقتضت جعل الحق في حرية التعبير تاليا للحق في الحياة، لأنه متى تمَّ تهديد الحق في الحياة انتفت فائدة حق التعبير، إذ في ظل الإرهاب الذي هو نقيض الحياة يلزم الاهتمام بالحق في الحياة بتلازم مع الحق في حرية التفكير والتعبير.

يقول “فرويد إن للإنسان غريزتين: غريزة الحياة وغريزة الموت، لكن الحضارة البئيسة تكبت الأولى في الإنسان بخلاف الثانية. وبذلك، يستغل الإرهابيون التكفيريون إحباط الشباب الناجم عن مشاكلهم السياسية والاجتماعية، فيُرغبُونَهم في ممارسة الإرهاب باعتباره استشهادايفتح لمُزاوِلِه باب الجنة على مصراعيه، لينعم بالحور العين وسائر الملذات.

أما المسالة الثانية فترتبط بتشبث فقهاء الإسلام السياسي بلزوم إقرار الشريعة الفقهية مصدرا رئيسيا للتشريع وبالتمسك الحرفي بأحكام فقهاء الماضي السنّيين وتطبيقها على الحاضر دون اعتبار للتطور، مما يلغي حق الإنسان في إعمال عقله والتشريع لنفسه، ما يؤدي إلى الجمود والموت

يفضي هذا المنطق بأصحابه إلى أزمة تُسقِطُهم في تناقض مع ادعائهم القبول بالديمقراطية. فاعتماد الشريعة الفقهية مصدرا للتشريع هو لزومُ أن يكون الحزب الحاكم إسلاميا وحظر غيره، لأن هذا لن يفقه شيئا في الشريعة، وأنْ يؤول الحكمُ للفقهاء تمهيدا لولاية الفقيه. وما لا يفهمه هؤلاء هو أن منطق كلامهم يفضحهم لا محالة.

كما يزعم بعضهم أن أسس الشريعة الإسلامية تقوم على كُلِّيات تتضمن الحرية والعدالة والمساواة متناسين أن هذه المبادئ وليدتا الثورتين الفرنسية والأمريكية العلمانيتين، ما يكشف تلاعبهم اللفظي الرامي إلى إخفاء نواياهم الحقيقية، وإلباسهم الإسلامَ ثوبَ غيره. فمفادُ الشريعة مصدر للتشريع هو تأسيس نظام الخلافة الإسلامية...

يكمن منطق الخلافة الإسلامية في كل مقولات فقهاء الإسلام السياسي، وكلما أعوَزَهم دحض الفكر الحداثي لاذوا بالمزايدة زاعمين أن طرحَهم يتضمن قيَّم الحداثة والديمقراطية، لكنهم لا يترددون في الآن نفسه في استدعاء الشريعة للتهديد والتكفير والاعتداء، ولا تختلف جماعات الإسلام السياسي عن بعضها البعض سوى في الدرجة دونَ النوع..

تبيحُ بعض دساتيرالشرق الأوسط وشمال أفريقيا لغير المسلمين ممارسة شعائرهم وطقوسهم وتنظيم أحوالهم الشخصية في إطار شرائعهم الخاصة، وقد يبدو هذا عادلا، لكن عندما تتعدَّدُ الشرائع والمذاهب، في ظل دولة دينية، فمن سيفصل بين هذه الشريعة وتلك؟ ومن سيضمن حرية المعتقد؟… لا شك أنَّ ذلك سيقود إلى أزمة، خصوصا أن دساتيرمنطقتنا مجرد مبادئ عامة تقبل تعدد التأويلات، وتفسح المجال للأقوى ليفسرها ويستنبط ما شاء من أحكام.

لا يُكنٌّ الفكر الحداثي أي عداء للدِّين، بل جماعات الإسلام السياسي هي التي تلصق ذلك به. والصراع بين الطرفين هو أساسا فكري ومنهجي، إذ يعتمد الحداثيون المنهج العلمي في التعامل مع ما هو إنساني، ويفكرون في النسبي بالنسبي وليس بالمطلق، لقناعتهم بوجوب دراسة الظاهرة الإنسانية في إطار العقل الإنساني المتصف بالنسبي والتغير. في حين، فكر فقهاء الإسلام السياسي منغلق ومناهضٌ للتغيير، وبالتالي للحداثة باعتبارها وليدة الفكر المتغير والمتطور والنسبي.

إن شئنا التطور والعيش في العصر يجبُ أن نعتمد الفكر النسبي حتى في قراءة النصوص المقدسة، لأنَّه لا يضر العقيدة، بل يخدمها لأنه يعترف بها ولا يُوظَّف فيما يسيء إليها وإلى الإنسانكما أن التفكير النسبي لا يناهضُ التديُّن، لأنه يعترف بحق الإنسان في بعده الروحي وتنظيم علاقته بالغيب، ولكن فقهاء الإسلام السياسي يحظرونَ حرية التَدَيُّن ويردعون الفرد بمُطلقاتٍ لا صلة لها بالعصر

بالتالي، يجب على المجتمعات الإسلامية الانخراط في روح العصر والاستجابة لمقتضيات التطور للحفاظ على الوطن وعدم تفتيته بالفتن والصراعات الطائفية. ويقتضي ذلك اضطلاع المثقفين بدور تنويري لبناء مجتمع ديمقراطي تُحترم فيه معتقدات الآخرين.

يتكون مصطلح الديمقراطية من ديموسوكريطوساليونانيين، ومعناهحكم الشعب بالشعب لصالح الشعبوليس حكم الشعب بالدِّين أو حكم المجتمع بالفقه لصالح الفقهاءويعني “العقد الاجتماعي” أن المجتمع من صنع البشر لا الفقهاء، ما يفيد إفضاء التعاقد إلى تغيير الحاكمين وتغيير الحكام والمواطنين لذواتهم، لكونه ينهض على النسبية. كما يعني تنازل الأفراد عن بعض حقوقهم للحاكمين مقابل التزام هؤلاء بتوفير شروط أمن المجتمع وأمانه… (جون لوك)، من ثمة، فقد يؤدي التعاقد إلى تغيير الحاكمين ومضمون التعاقد، باعتماد المجتمع للنسبية شرطا لتفاهم أفراد المجتمع وجماعاته

يجب ألا تعتمد الدولة أحكام فقهاء دين معين، لأنها من وضع بشر يتقمصون صورة المطلق لصدِّ حرية التفكير والوقوف في وجه التغيير والتقدميقول كانط: “كن جريئا في استعمال عقلك، داعيا إلى استعمال العقل للنقد، ليصبحَ الإنسانُ سلطانَ نفسه، متحررا من كل سلطة خارجية. هذا هو منطق التنوير الذي منح للإنسان حرية استعماله لعقله خارج كل القيود، وجعل الثورات العلمية والحضارية المستمرة أمرا ممكنا…

ونظرا لتوظيف هؤلاء الفقهاء للدِّين وفسح المجال ليتلاعب السياسيون به خدمة لمصالحهم، فإنهم يزدرونه أشد ازدراء.

 

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت