السياسة القنفذية

السياسة القنفذية

- ‎فيرأي
376
0

 
ابراهيم الفتاحي
يقال أن الصمة (أنثى القنفذ) حينما تكون لديها رغبة جنسية تخرج فرجها من بين الشوك وتعزله عنه لتقدمه للقنفذ، وبالدارجة يقال: “القنفوذة ملي كتبغي كاتعطيه من وسط الشوك”، وهذا هو حال السياسة عندنا، حيث إن الأمر فيها على مايبدو لا يتعلق بالنضال أو الكفاءة أو أي شيء آخر، وإنما “غير إذا بغات ليك وشدات”، طريقها شائك وعالمها مليئ بنبات “شمروشن” كما يسميه أهل الحوز أو “الجرنيج” كما يسميه جيرانهم الرحامنة؛ ولا ريب أن حفاة القدمين لا قدرة لهم على السير فيه، وإن ولجوه امتلأت أقدامهم بالشوو وقد يعجزون عن الوقوف فيضطرون للجلوس، الشي الذي يؤدي إلى تضرر مؤخراتهم أيضا.
هي الأضرار إذن ولا ريب، ولكن “البلية” قد غلبت الآلام على ما يبدو، فلم يثبت لحدود اليوم في المغرب أن شخصا ما دخل عالم السياسة فاعتزله إلى الأبد، لأنه حتى وإن غادر عوالم الأحزاب وقلى المقرات وودع اللقاءات، ستجد معظم حديثه في الساسة والسياسيين، أو يركن إلى الكتابة عنها وتحليلها، أو تقديم العروض والمحاضرات هنا وهناك.
ثمة أمر آخر له بعد قنفذي في السياسة عندنا، يتجلى ذلك في علاقة التقارب والتباعد التي لا تنتهي بين أهل السياسة صغارا وكبارا، فمن المعروف في علم الحيوانات، أن القنافذ في ليالي الشتاء الباردة تحتك ببعضها بعضا لتدفئ أجسادها، فتخز أجساد بعضها بعضا بأشواكها، ولما يشتد عليها ألم الوخز تتباعد حتى يشتد عليها البرد فتتقارب من جديد، وهكذا تقضي القنافذ لياليها الباردة كاملة مابين التقارب والتباعد حتى تطلع شمس النهار. لذا نجد تقاربات وتباعدات لا تنتهي، تحالفات وتدافعات لا تتوقف، ولا تقوم على مبدأ، فلا صداقة تقوم ولا عداوة تدوم. يتعانق اثنان اليوم حزبيا ويتحالفان، ثم يتنافران غدا انتخابيا ويتصارعان، للجميع أشواك مستعدة للوخز في كل حين وآن ” ماكاين غير دقني ندقك..قرصني نقرصنك..بوسني نبوسك..”، وهناك نوع لا يتقن شيئا غير “تشويك” نشاط الآخرين، وهو من النوع الغاضب، الفاشل دائما والحاسد كل ناجح، مهما كان نجاحه صغيرا.
ومن مظاهر القنفذية في السياسية المغربية هو أن الكثيرين “يتكمشون” وسط أشواكهم، و”يتكورون” كلما اشتد الخطر والتهديد، حتى لا تعرف مكان الرأس من المؤخرة تماما مثل القنفذ، وإذا أردت ذبحه احتجت إلى “مرمدته” أولا حتى يظهر رأسه اللعين، وهو ما يكلفك مجهودا كبيرا لو استثمرته في شيء آخر لكسبت الكثير.
تمتد القنفذة في كل مظاهر الحياة عندنا، فلو استشرت صديقا في أمر أنت تقدم عليه، لوجدته يعدد لك عشرات التجارب الفاشلة لمن سبقوك ممن يعرفهم أو سمع عنهم، ويبدأ عليك بالسرد الفاشل حتى “يندمك علاش فكرتي كاع فالموضوع ويخليك تحس بالذنب ويخليك تيقن أنك أغبى كائن على وجه الأرض” فتعود إلى كسلك وانتظاراتك التي لا تنتهي، وهذا نوع من التشويك غايته تعميم الفشل، لأنها إن عمت هانت. أنظروا معي إلى حكومتنا ومجالسنا المنتخبة كيف أن الأغلبية تقول ليست المعارضة على شيء، بينما تقول المعارضة ليست الأغلبية على شيء، ولأنني قنفذي التفكير كباقي إخواني المغاربة فإني أقول أن المعارضة والأغلبية معا ليستا على شيء في كل مكان في المغرب، “يالله حتى أنا..والله حتى نوريكوم التقنفيذ ديال المعقول..نبقى غير ننتاقد ونمسح ولي حط شي نملة نبجغ الكيدار تاع بوها”.
تقنفذت أفكارنا وأفعالنا فتقنفذت علينا الحياة، و”زمتها” علينا بين أشواكها وتكورت متمنعة علينا، وقد قرأنا عند المفكرين أن الأفكار الملعونة هي اللعنة عينها، وأن البؤس يأتي من أذهاننا قبل يتجسد في واقعنا، فإن وجد تربة خصبة في هذا الواقع فرخ العراقيل ولعبت فيه القنافذ العنيدة بأشواكها تظافرا وتنافرا…

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت