المتورطون في الفساد: ” كول وقيس!!!”

المتورطون في الفساد: ” كول وقيس!!!”

- ‎فيرأي
699
0

 

ابراهيم الفتاحي
يروى أن ذئبا وقنفذا دخلا بستان دالية خلسة من ثقب في الجدار، ودون أن يأبه الحراس لأمرهما، وطبعا فقد كان دخول القنفذ أيسر بكثير من دخول صديقة الذئب نظرا لتفاوت جسديهما حجما، ولأن الجوع قد أخذ منهما مأخذا عظيما، فقد طفقا يخصفان من عنب الدالية ويلتهمان بشراهة عظيمة؛ لكن القنفذ كان من حين لآخر يخرج من حيث دخلا ويعود من جديد، خشية أن يزداد حجمه بفعل انتفاخ بطنه من عناقيد العنب التي التهمها، خصوصا وأنه لا مخرج لهما إلا من حيث دخلا، بينما الذئب الذي دخل أصلا بصعوبة بالغة لم ينتبه للأمر، وظل يلتهم العناقيد واحدا تلو الآخر.

فجأة سمعا صوت الحراس القادمين وهم مسلحون بما جادت به أغصان الشجر من الهراوات الصلبة، فهرب الإثنان صوب المخرج نفاذا بجلديهما، خرج القنفذ بسهولة، بينما حالت بطن الذئب المنتفخة بالعنب دون ذلك، فقد صار أضخم من ذلك المخرج الصغير. استنجد الذئب بصديقه القنفذ، خوفا مما ينتظره من هراوات زبانية البستان، فاقترح عليه القنفذ أن يتظاهر بالموت، وسوف يلقي به الحراس خارجا، خوفا من أن تملأ رائحته النتئنة أرجاء البستان، إذ سيحسبونه ميتا. حضر الحراس، والذئب مستلق “موتة حمارة”، لا يحرك ساكنا، فنظر إليه الحراس وأعينهم تشع من الغضب، فقال أحدهم: “هاذ الحرام الكحل مالقى فين يموت غير هنا، غادي يخنز لينا الدنيا، يالله عاونوني نرميوه وراء الحيط”، فحمله الحراس وألقوا به خارجا، ليجد القنفذ في انتظاره، فقال له قولته التي صارت مثلا يضرب:”كول وقيس!” يبدو أن المتورطين في الفساد ونهب المال العام بمراكش لم يتعلموا شيئا من هذه القصة، ولم يأبهوا لهذا المثل وهي تسمعه من عموم الناس صباح مساء، وما كانت تظن يوما أن “البردعة غادي تقلب على الشواري” والجميع يعلم علم اليقين ” أن البردعة المقلوبة على الشواري ما يفكوها دراري ولا مداري”، فتنعموا وتنغموا في المال العام و “قلزوا” للناس الذين عبروا عن استنكارهم لذلك، وما ظنوا أن المحاكم قادمة إليهم واحدا تلو الآخر.

ربما يكون بعضهم قد راكم الثروة بشكل مشروع، أو على الأقل معظمها، وإن كان قد استغل شيئا من منصبه فهو علاقاته التي تشعبت مع المقاولين وأصحاب الشركات والمقاولات، دونما ابتزاز أو توظيف لسلطته، لكن بروز أثر النعمة عليه فتح عليه أبواب الحسد والحقد، من أقرب المقربين، وصولا إلى عامة الناس، فكل ذي نعمة محسود، وقد دأبنا على نعت صاحب سيارة فارهة أو منزل فخم أو غيره “بولد الحرااااااااام” بالمد المشبع بست حركات.

إن هذه العلاقة المتوترة بين من اغتنى ومن بقي في “الحزقة” جزء من سيكولوجية الإنسان المقهور في نظرية التخلف الإجتماعي، وهو ما يكسب تعاطفا كبيرا مع المحاكمات والأحكام ومع الهيئات الحقوقية، فتجد التشفي والتنكيل اللفظي بالمتورطين يزداد أواره، سواء عندي أو عند غيري، لكن لا تنسوا أيها الأصدقاء أن لجام الموضوعية والتحليل الأكاديميين يشدانني شدا، ويلزمانني من حين لآخر أن أقرأ ما بين السطور، وهو ما سأفعله في مقال لاحق، وفيه سأتساءل وإياكم عن السر وراء تورط المنتخبين دون المعينين من المسئولين على المؤسسات المختلفة، والتي ترتبط ارتباطا متشعبا بالمؤسسات بالمنتخبة.

تذكرون جميعا لعبة كنا نلعبها في طفولتنا، وهي لعبة “الشفارة المجرمين والبوليس الطيبين”، وتذكرون جميعا كيف أن بعضنا كان دائما يسارع إلى زمرة البوليس في اللعبة ويرفض أن يكون “شفارا” ، ربما تتكرر اللعبة بين المنتخبين والمعينين، الله أعلم، ولكن خيوط التحليل الرصين قد تفرز الأسئلة القوية، وسلامة السؤال طريقنا نحو الجواب الحقيقي. المهم أن المتورطين في الفساد لم يأخذوا العبرة من حكاية الذئب والقنفذ، ولم يستخلصوا المعنى من “كول وقيس!”

 

مراكش يا سيدي

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت