بورنوغرافيا حمارية
كان في دوارنا الصغير الكثير من الحمير، إذ لكل دار حمارها أو أتانها (أنثى الحمار)، و كان معظم الناس يفضلون الإناث من الحمير على الذكور، لأنها ذلولة خضوعة قليلة التمرد و “التزعريط” بينما الحمير الذكور تتسبب في مشاكل كثيرة لأصحابها، بدءا بالهرب من حين لآخر و الانفلات و رمي راكبها وصولا إلى انتفاضتها في موسم التزاوج “المنزلة” و هجومها على حمير الغير، مما يؤدي أحيانا إلى شجار بين أصحابها، فتتعالى الأصوات منددة بالفعل الشنيع للحمار و قلة حيائه، و يطالبون البهائم بما لا يملكون هم أنفسهم، و يشجبون فسالته في الهجوم الجنسي الوحشي على أتان هذا أو ذاك، مستنكرين صفاقة الحمار و قلة عفته، خصوصا و أن ذلك يؤدي إلى خجل الكبار و احمررار وجوههم و هم ينظرون إلى بعضهم بعضا. و كنا نحن الصغار نستمتع كثيرا بهذه المشاهد التي تحدث من حين لآخر، نتبادل الغمزات و الضحكات حينما يتدلى أير الحمار غير آبه بمن حوله، و تمضغ الأتان فكيها إيذانا برغبتها في علاقة يراها الكبار غير شرعية. و كنا أحيانا نساهم في إخراج هذه المشاهد، خصوصا حينما يطول غيابها، و ذلك بعد الإتفاق على سيناريو محبك بإتقان و تحديد الحمار البطل، فنقوم بفك رباطه عمدا، و على حين غرة من الكبار، لتبدأ فصول مسرحية تترك خلفها أياما من الحكي و الوصف و القهقهات في تجمعاتنا الطفولية، و حينما يشتد حصار الكبار على “زنا الحمير” نجتمع و نتفق لنمارس دور الوسطاء، فنأخذ الحمير من البيدر بدعوى إيرادها من أحد الصهاريج، خصوصا في موسم الدرس حيث يلتقي حمير دواوير كثيرة، وهناك في مكان قصي بعيدا عن أعين الكبار نطلق العنان للحمير وتبدأ الفرجة البورنوغرافية وتتعالى صيحاتنا و تشجيعاتنا في مشهد جنسي جماعي حميري، و كان بعض الشباب متوسطي الأعمار، ممن نتجرأ عليهم، يشاركوننا هذه الفرجة، ويزيدون من متعتنا ببعض الشروحات المهمة.
رغم كل الحشمة و القرف و الخجل من تلك المشاهد التي كان الكبار يبدونها، إلا أنهم كانوا يستمتعون بها أيما استمتاع، إذ ترى أشعة خافتة من السرور و الحبور تبدو على وجوههم، و حينما ينعزل الرجال في مجالسهم يبدأون في استعادتها ليضحكوا منها، و كذلك النساء في مجالسهن و الفتيات.
لقد كان الحمير في دوارنا غاية في الروعة، فهي على الأقل تكسر قيود الحشمة الزائفة عن غريزة طبيعية يتقاسمها الإنسان والحيوان على حد سواء، و تترك لنا ما ننزع به قهقهات بعضنا بعضا من حين لآخر، و ربما تساهم في الثقافة الجنسية التي حرمنا منها في طفولتنا بفعل العادات الصلبة البائسة، فلولا هذه البهائم المسكينة لبقينا غافلين جنسيا لزمن غير يسير من أعمارنا، وربما نصاب بنقص أو عقدة ما، لكن الحمير مشكورة أنقذت رجولة الفتيان و أنوثة الفتيات من الضياع و من الأمراض النفسية المحتملة بسبب الحصار المضروب علينا من السرة إلى الركبتين، ووحدها هذه الحيوانات المسكينة التفتت إلى معاناتنا وعلمتنا بعضا من شروط الغريزة، وحررتها من سجون الطابوهات والمحرمات و معتقلات “حشومة”، و لامست الحقيقة المستقرة بين أفخاذنا.
إن الغريب في أهل دوارنا هو تمييزهم العنصري المفرط بين الحيوانات، إذ تجدهم يجهدون في منع الحمير المسكينة عن إشباع غريزتها، بينما يقيمون طقوسا أشبه بالاحتفال للبقر، فيأتون بالثور ليخصب البقرة و يشجعونه بعبارة “ج..ج..ج…” أمام تجمع كبير لنساء الدوار و أطفاله، أما حينما يتكلف الرجال فإنهم يمنعوننا نحن الأطفال من متعة المشاهدة. كما أنهم كانوا يستعيرون الأكباش من بعضهم بعضا و يدسونها بين الشياه لتخصيبها، دون أن تأخذهم في ذلك غضاضة حشمة أو خجل.
أما اليوم وبعدما كبرت ودرست شيئا من علم النفس فهمت أن كل هذه العنصرية ضد الحمير مردها إلى شيء واحد، وهو رمزية العلاقة بين حمار هذا و أتان ذاك، فيشعر صاحب الأنثى من الحمير أن صاحب الذكر قد هتك عرضه، لأن الحمار و الأتان ممثلان معتمدان لصاحبي الدارين . والسبب الثاني لهذه العنصرية ضد الحمير المحترمة هو ضخامة أذبارها مقارنة بالرجال، الشيء الذي يخيفهم من المقارنات الممكنة لدى النساء، لذا خلقوا هالة من العار و الشنار على علاقة جنسية طبيعية، لو منعت عن آخرها لما وجدوا ما يجر محاريثهم أو يحمل أثقالهم…